مقالات

أطفال القيادة والأطفال فاقدو السند،، أين إنزوت قضيتهم من ملفات الانتقالية ؟

سمير شيخ إدريس المحامي

أطفال أعادتهم حياة الاعتصام للحياة منهم من كان مأواه الشارع ومأكله الفضلات ومكبات النفايات ومرقدهم الارصفة والمجارى .. وجدوا فى دولة القيادة فردوسهم المفقود وربما هى المرة الاولى التى يحسون فيها بأنهم أصبحوا لهم حياة وسند وأسرة وأصدقاء .. وجدوا فى هذه الدولة العدل المفقود فجميع الثوار يتساوون فى الحياة دون تمييز .. الجميع يفترش الارض ويتقاسم الخبز والماء والامنيات .. ويتشاركون فى اعداد الاكل ونظافة المكان .

لم يشعر هؤلاء الاطفال بالغربة او الوحشة عمن يحيطون بهم .. بل أنهم أحسوا بأنهم جزء من هذا المكان وأنهم يتقاسمون ناصية الفعل فيه مع بقية الرفاق .. هنا تصنع الفعل وتبادر له ولا ينهرك احدهم او يطردك من ملماته ومائدة طعامه .. بل يسارع بالتنازل لك عن كسرة الخبز والوسادة وقدح القهوة .. لذا صاروا كتفا بكتف يشاركون بالنظافة واعداد الطعام بل ملأوا المكان بهجة بضحكاتهم ولهوهم البرئ .. وحتى حين فض الاعتصام شاركوا ببعض الدماء التى اريقت منهم على ارصفة القيادة .

لم تمض ايام من بدء الاعتصام إلا وشرع الثوار فى الاهتمام بأمر هؤلاء الاطفال فقامت أكثر من مبادرة لجمع شمل هؤلاء الاطفال فكانت أربع خيام تشابه خلية النحل فى انتظام قاعات الدرس والتدريب وتنمية المواهب والمهارات .. حتى وأن هذه المبادرات استطاعت أن تجمع أكثر من 600 طفل فى قاعات الدرس فى خيمة القيادة وجلهم بين فاقد للسند او ينتمى لاسرة فقيرة لا تقوى على تعليمهم خاصة من أبناء بائعات الاطعمة والشاى اللآئي انتظمن فى جنبات الاعتصام بحثا عن كسب لقمة العيش .

كان هؤلاء الاطفال يتعلمون معنى جديدا للحياة وكان الثوار يجددون الرد على اسئلتهم البريئة أين سنذهب بعد فض الاعتصام ؟ كانوا يردون أنه سيكون لهم مكانا فى دولة التغيير وسينالون حظهم اسوة ببقية الاطفال فى التعليم والمسكن والحواضن .. الى أن كانت ليلة فض الاعتصام والتى بلغ فيها حلم هؤلاء الاطفال ذروته وتخلقت ملامح الوطن الجديد فى مخيلتهم على صباح الغد .

فى ليلة 29 رمضان ابتهج هؤلاء الاطفال بملابس العيد التى سيرتدونها صباحا لاول مرة فى حياتهم والهدايا التى التقطوها بمحبة وفرح وانتظموا بتمهل تحت مقصات ثوار مبادرة (تتظبط بس) التى اقام شبابها كراسى الحلاقة المجانية فى كل جنبات ارض الاعتصام .. وخصصوا لهؤلاء الاطفال منصات صغيرة فى خيامهم .. وتقافزت احلامهم عما سيفعلونه صباح العيد .. وكان الثوار يتلقون طلباتهم لتنفيذها .. نريد الذهاب للحديقة .. نريد مول عفراء .. نريد الدخول لمنتزه الرياض وبري ونمتطى المراجيح والاحصنة الخشبية والا نكتفى كما كنا نفعل بالوقوف على اسوار الحدائق والتطلع للاطفال يلعبون ونظل نحلم باننا مثلهم الى ان تتحطم احلامنا على صخرة هذه الاسوار .. وكان الثوار يدونون تلك الامانى على الورق ويرتبون امر الترحيل والتذاكر للحدائق والالعاب والحلوى والهدايا .

صبيحة فض الاعتصام صحا هؤلاء الاطفال على أزيز الرصاص والذعر يتملكهم .. لم تملك اقدامهم الصغيرة طريقا يألفونه للفرار حيث لا ارض احبوها سوى تلك التى يقفون عليها .. لم يفوقوا سوى على صوت معلميهم (اهربوا فى اتجاه برى مع الخارجين) .. خرجوا تاركين العابهم وملابسهم التى حرمتهم الايدى الغادرة من ان يستووا ولو لليلة وصباح برصفاءهم من الاطفال .. هربوا وتشتتوا وفى البال بعض الامانى والالعاب والكراسات والالوان المبعثرة فى ارضية الخيام قبل ان تدوسها الاحذية الثقيلة ومعها وعود الثوار لهم بجنة الوطن القادم أوان التغيير .

أين هؤلاء الاطفال اليوم ؟ أين هم من عشرات اللجان لاسترداد الحقوق .. أليسوا أحق كالشهداء والمفقودين والجرحى ؟

فى سبتمبر 2019 أقام بعض شباب المقاومة يوما ترفيهيا لابطال الشوارع بمدينة بحرى قرب الجامع الكبير .. يوم مليئ بالطعام والشراب والملابس واللعب والهدايا والرعاية الصحية والغناء لهؤلاء الاطفال .. لعل الثوار ارادوا أن يعيدوا لهم بعض الحلم المتكسر او التكفير عن عدم تحقق وعدهم لهم بانهم لن يعودوا للشوارع والمجارى وركام النفايات .. فرح الاطفال كثيرا وابتهجوا وربما عادت الاحلام والوعود تراودهم بما حلموا به فى دولة القيادة.. ولكن مدى حلمهم تقزم عند المغرب حين انزل الثوار خيمتهم وهموا بالرحيل .

بكى الطفل حسن بكاءا مرا أعجز الحاضرين عن إسكاته .. لم يبك لشيئ سوى تذكره أنه كان فى خيمة اطفال القيادة واستعاد لحظة فض الاعتصام قرب رويال كير وكان قد فشل فى النجاة بكيس ملابسه الجديدة التى تبعثرت فى طريق الفرار .. واستعاد صورة صديقه الذى نجا بملابسه وحذاءه والذى رفض كل محاولات الثوار ان يخلعها بعد ان قام بتجربتها وقرر النوم بها .

ما المصير بعد الاعتصام ؟ 

كان السؤال الذى يداوره الثوار طيلة الاعتصام من المبادرين تجاه هؤلاء الاطفال من مبادرات مثل (نحن لهم) و(عشم) و(مجددون) و(احمد الخير لاطفال فاقدى السند) هو ماذا سيكون مصير هؤلاء الاطفال بعد نهاية الاعتصام ؟ .. هناك عدد من التصورات والافكار التى لم يشاء لها القتلة ان تكتمل وفرقت الاطفال وشتت معلميهم الذين استشهد واصيب منهم ما اصيب جراء جريمة الفض .

هؤلاء الاطفال هم شركاء فى الثورة .. كابدوا وسهروا واعتصموا .. شاركوا فى السهر والنظافة واحتملوا ازيز الرصاص ايام 8 و12 رمضان .. فمن تنسم سدة الوزارة ورئاسة اللجنة باسم الثورة ليس له أن يتناسي هؤلاء الشركاء .. هل تناسي وزير الرعاية والتعليم والصحة هذه الايدى الصغيرة التى ساهمت فى تعيئة عرش كرسيه المذهب ؟

أطفال القيادة شركاء الثورة .

أطفال القيادة لهم قضية لا تقل أهمية عن ملفات الشهداء والجرحى والمفقودين .

أطفال القيادة عارنا الذى تناسيناه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى