مقالات

الدكتور خالد مفضي الدباس: الإرهاب البيولوجي وتداعياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية

د. خالد الدباس

لا اطرح في هذا المقال تعليلا يشوبه الاستسهال، فالكتابة في هذا الموضوع مسألة شائكة، واشكالية يحيطها الغموض، وتكتنفها السرية، وتتعدد فيها التأويلات المختلفة، وتتضارب فيه الآراء من شتى الميادين والتخصصات المختلفة، وتخضع بالضرورة للتلوين الأيديولوجي حيث تغيب البراءة المعرفية.

لكن ذلك لا يمنع من رصد الاتجاهات الكبرى التي نتجت عن انتشار وباء (كوفيد 19)- باعتباره بات يصنف كأحد انواع الإرهاب البيولوجي المحتملة- على المستويين العالمي والإقليمي من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فمن الناحية السياسية، لوحظ في كثير من الدول، وخاصة في دول العالم الثالث ان انتشار الوباء قد وظف سياسيا من قبل الحكومات المختلفة لمصلحة انظمة الحكم السياسية ذات الطابع الشمولي، حيث تغيب إرادة الشعب في اختيار المسؤول الذي تتراكم بين يديه المسؤولية وتغيب عنه المساءلة، وهي صفة الهية بامتياز.

وقد اريد من الوباء ان يكون أداة قدرية تسلطية لقمع الجماهير بحجة الخوف عليهم وعلى حياتهم، والمفارقة العجيبة هنا، ان الحكومات التي تتظاهر بالحرص على حياة المواطن لم تفعل شيئا له طيلة عقود من الزمن فلم توفر له اي منظومة صحية سليمة تحقق الحد الادنى من متطلبات الرعاية الصحية.

وحتى لا تسقط ورقة التوت فتنكشف العورة، فقد لجأ هذا النوع الحكومات والأنظمة الى إجراءات قسرية وعنيفة لضبط الجماهير وإعادة هيبة الدولة، حيث اقحمت الجيوش للقضاء على الفيروس اللعين، متناسية ان قذيفة المدفع ليست مصممة لقتل الفيروسات، وان استخدام ألف مدفع، وألف مدرعة، وألف صاروخ، لن يجدي شيئا، وما من شأنها الا ان تضحك الفيروس نفسه، وهي محاولة علاجية لقصر القامة عبر اطالة البدلة، فابتلاع مدفع كامل لن يشفي مريضا.

بعد احداث الربيع العربي، كادت ان تغيب الدولة، وتبخرت الهالة التي تحيط بالقادة، فلم تعد الجماهير تخشى الا الله والذئب على غنمها، وهو ما دفع الكثير منهم الى التجرؤ على السلطة، وظهرت الفجوة الكبيرة بين الأنظمة المتحجرة، وبين الشعوب بأفكارها المتغيرة، وهو ما يومي بخطر عظيم على تلك النظم، لكن فيروس الظل العظيم وفر فرصة تاريخية لإعادة الهالة والهيبة الى الدولة باعتبارها أداة قدرية في خدمة النظام.

ان النظم السياسية المتهالكة التي فشلت في تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية لشعوبها، قد وجدت في الفيروس المنقذ الأعظم حيث يتم ترحيل الازمات الكبرى وخاصة من فقر وبطالة، وجوع، وبؤس، الى سنوات لاحقة، عسى الله ان يمد في عمر الفيروس، او ان تلهمهم الحكمة السياسة في افتعال احداث كبرى تؤجل السقوط المحتوم.

تتضارب النظريات في طروحاتها بشأن المصدر الأول للفيروس، ومن هي الجهات المستفيدة، وما الغايات المتوخاة من نشره، لكن مما لاشك فيه ان النظم السياسية المتهالكة باتت تمثل (الراكب المجاني) الذي يمتطي صهوة الفيروس لتحقيق جملة من المارب الانية بوصفها فرصة تاريخية لا تعوض لتأجيل الانهيار المحتوم.

بدأت تلوح في الأفق معالم نظريات علمية لكبار العلماء والباحثين وهي تؤكد ان الفيروس لم يخلق أصلا لخدمة الراكب المجاني، وان هناك قوى اقتصادية عالمية وشركات قارية وهي بمثابة لوبيات عالمية تمتلك مقدرات مالية ضخمة ومن مصلحتها إبقاء هيمنتها على النظام الاقتصادي العالمي في مواجهة قطاعات اقتصادية أخرى يراد اقصائها، ومن جهة أخرى فأن هذه اللوبيات قد بدأت تخشى على نفسها من انهيار محتم للنظام الرأسمالي الذي يرتكز على الدولار وهو مصدر ثروتها، خاصة في ظل تراجع مكانة الولايات المتحد على سلم القوى الدولية، وما يرافق ذلك من بوادر بروز فواعل دولية رئيسية كالصين وعودة روسيا. ووفقا لنظرية الاستقرار المهيمن وهي إحدى النظريات الرائدة في تفسير آليات تفاعل الدول والأنماط النسقية التي تتواجد فيها، مثل الحرب والتجارة والاستقرار الدولي، فإن الدولة القوية “المهيمنة” تسيطر على النسق الدولي وتحاول ان تبقيه، حتى تظهر قوة تمتلك من الإمكانات المادية وتكون غير راضية فتتحدى الدولة المهيمنة من أجل قيادة النظام الدولي. ويبدأ الصراع الدولي بالحدوث نتيجة الاختلاف بين المهيمن والمتحدي حول قوتهما النسبية، فيحاول المهيمن الدفاع عن الوضع الراهن في الوقت الذي يحاول فيه المتحدي قلب الوضع الراهن، وتحقيق الهيمنة. وتؤكد هذه النظرية على ان حدوث الاستقرار والانفتاح الاقتصادي يشترط وجود قوة مهيمنة واحدة، وان وجود مهيمن ضروري لضمان اقتصاد ليبرالي دولي ، وتحقيق درجة من الأمن والسلام في النظام الدولي.

وقد بات في حكم المؤكد ان النظام الرأسمالي الذي ترعاه الولايات المتحدة قد بدأ يئن تحت وطئة الإشكاليات البنيوية التي تعتريه والتنافس القوي بين الفرقاء مما قد يعصف به، وكاد ان يحصل ذلك في نهاية العشرينات من القرن العشرين(1929-1933)ونتج عنه وصول الحزب النازي الى راس السلطة في المانيا والذي كان سببا رئيسيا في الحرب العالمية الثانية ، اما الحادثة الثانية فكانت ازمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الامريكية عام 2007/2008، ناهيك عن الازمات الطارئة وهي كثر.

وتجد القوى الرأسمالية ممثلة باللوبيات الاقتصادية ان إشكالية المهيمن والمتحدي، والاشكاليات البنيوية للنظام الرأسمالي، قد باتت تشكل خطرا حقيقيا على مجمل الاقتصاد العالمي، والنظام الرأسمالي، وهما المصدر الرئيسي لثرائها، الامر الذي يستدعي تأخير الانهيار وتأجيله عبر اشغال العالم بقضايا أخرى مثل الأوبئة والفيروسات الى ان يكتمل بناء النظام الاقتصادي العالمي الرقمي، حيث تغيب العملات الوطنية وتصبح كافة التعاملات الاقتصادية الدولية الكترونية من بيع وشراء، وتعليم، وبيد فئة قليلة تسيطر مقدرات النظام الاقتصادي العالمي، وتكون هذه السيطرة بعيدة كل البعد عن الأطراف التي تتصارع . ويبدوا ان الاقتصاد الرقمي يزحف بامتياز وقد وفرت الظروف المرافقة لفيروس كورونا الأرضية المناسبة نحو الانتقال الى إن العولمة الرقمية التي حولت العالم برمته إلى غرفة صغيرة تتقلص فيها المسافات والأزمان لتبرز أنواعا جديدة من التجارة والتسويق التي أصبحت تراهن على التكنولوجيات عبر شبكة الإنترنت فالتدريس عن بعد، والمكتبة قد غدت رقمية، والروبوت بديلا للإنسان، وشحن البطاقة الائتمانية بديلا للسيولة.

وهكذا ستتوالى المسيرة فإذا ما اختفت العملة الورقية وأصبحت ذات دلالات رقمية في بنوك الكترونية لا تحدها اسوار فأن العالم سيغدو اسيرا للطغمة البرجوازية التي تقود العالم الى نهاية غير مرغوبة.

رأي اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى