
السفير بلال المصري: بعد مصرع إدريس ديبي: هل آن أوان الإنسحاب العسكري الفرنسي من الساحل؟

نحن نعيش عصر المسخرة إذ عندما يصف رؤساء الرئيس الصريع إدريس ديبي بأنه “بطل شجاع” وأنه “حكيم” ألخ , فنحن مُطالبون والحالة هذه بمحو صفحات مُنيرة ومُشرقة ومُفعمة بالأمل وسحر المقاومة النبيلة للمُستعمر والمُغتصب , , ففي هذه الصفحات نجد رابح الزبير بن فضل الله أو رابح فضل الله (1840 – 1900) وهو البطل الحقيقي والشجاع الحقيقي والحكيم بحق وهو مؤسس الامبراطورية ذات البأس غربي بحيرة تشاد , ففي 1890 التقى رابح وقواته بقوات Paul Cramble الفرنسية التي كانت تستكشف أفريقيا الوسطى وقتلت قواته Cramble واستولى رابح على معداته وشجعه ذلك على الاتجاه غربا لنشر الإسلام في القبائل الوثنية واتخذ من الشريعة الإسلامية أساساً للحكم والقرآن دستورا وأحيا السنة وأمات البدعة فاستتب الأمن ، وأحبه الناس حاولت أوروبا استمالته فأصر علي أنه لاعلاقة له بمن يقاتلونهم في الدين إلا الجهاد فخططت فرنسا لضم المنطقة والقضاء على رابح وكانت امبراطورية رابح العقبة الأولى أمام توسعات إنجلترا بنيجريا وفرنسا بالنيجر فكان القضاء عليه ضرورة استراتيجية , وقصة رابح حكاها الفرنسيين في موسوعةLes Afrivins التي تناولت الأبطال الأفارقة الذين واجهوا الإستعمار الأوروبي للقارة وفي مبتدأ الجزء الخاص بالبطل رابح تجد صورة كبيرة لرأسه وقد قطعها الفرنسيين مُعلقة بأحد الحراب تمثيلاً بجثمانه إنتقاماً منه, ومازال رابج أسطورة في الذاكرة الشعبية بتشاد والدول المُطلة علي بحيرة تشاد .
السؤال هو : كيف يكون إدريس ديبي بطلاً وشجاعاً في حضور البطل “رابح ” في ذاكرة تشاد وجوارها ؟ “رابح” قاتل الفرنسيين وأضرابهم ببسالة , أما أدريس ديبي فقد دأب علي إرسال جنود بلاده لتوطيد أركان إمبراطورية السلب والنهب الفرنسية وشارك فرنسا بحمية عالية ومعه خمس رؤساء آخرين بالساحل في تأسيس قوة الساحل الخماسية G5 Sahelلتعزيز الإستعمار العسكري / الإقتصادي الفرنسي لبلادهم من جديد بعد أن أفني أبناء وطنهم في خمسينات القرن الماضي عمرهم في مقاومة الفرنسيين لنيل الإستقلال عن فرنسا عام 1960وبعده , فكيف يكون لإدريس ديبي حظ من الشجاعة أو البطولة ؟ .
لو أن البطل “رابح” حي يرزق في أيامنا هذه لقيل فيه نفس ما يقوله الفرنسيين عن من يقاومونهم الآن في منطقتي الساحل والصحراء فهو وهم : “إرهابيين” هؤلاء الذين جردت لهم فرنسا – كما فعلت مع “رابح” – عمليةServal وبعدها عمليةBarkhane وقوة الساحل الخماسية G5 Sahel التي أحد إستخداماتها أن تكون ساتراً لإستمرار وتسويغ الوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة , فهل من المعقول أن يكون للبطولة والشجاعة معيارين ؟ مستحيل فالشجاعة والبطولة لرابح وأضرابه حصراً , إن من يتخذون من منطق الفرنسيين والأمريكيين وأضرابهم في تحديد أو تكوين مفهوم للإرهاب عليهم تأمل سيرة البطل “رابح” فهو المعيار الوحيد والمنطقي للمضاهاة بين ما هو إرهاباً وما هو مقاومة مشروعة .
أما عن حالة إدريس ديبي الذي يعتبره الرئيس الفرنسي وغيره بطلاً فقد أعلنت قيادة عُليا بالقوات المُسلحة التشادية عن مقتله في ساحة المعركة بمحيط مدينة Kanem الواقعة علي بعد 300 كم عن العاصمة N’Djamena وذلك يوم الثلاثاء 20 أبريل خلال إشتباكات مع المعارضة التشادية المُسلحة التي تقودها جبهة التغييروالوفاق في تشاد التي تأسست عام 2016 (FACT) وقوامها مجموعة من ضباط الجيش المنشقين وتقاتل من أجل الديمقراطية , وقد جاء مصرع الرئيس ديبي بعد بضعة ساعات من إعلان رسمي آخر عن فوزه في الإنتخابات الرئآسية التي جرت في 11 أبريل والتي دخلها 16 منافس منهم 6 موالين لنظام الرئيس ديبي ,ووفقاً لفوزه كان يمكن للرئيس ديبي تولي حكم تشاد لفترة سادسة مدتها 6 سنوات (تم اعتقال ما لا يقل عن 112 من أعضاء أحزاب المعارضة وأنصار ونشطاء المجتمع المدني تعسفياً في الأسابيع التي سبقت الإنتخابات الرئآسية مما دفع بعض المرشحين للانسحاب) , وكغيره من الحكام المُؤبدين كان من الطبيعي إستمرار حكمه من خلال الأساليب الأمنية والتي من أهمها الإغتيالات والإعتقال والنفي ألخ ومن خلال حراسة القوات المُسلحة التشادية التي كان لها في عهده دوران رئيسيان هما : (1) الإحاطة بنظام ديبي وحمايته بإسناد من الطيران الحربي الفرنسي مما أفشل محاولات سابقة للإجهاز علي نظامه وإنهاءه مثلما حدث عام 2008عندما حُوصر ديبي نفسه بالقصر الجمهوري وأنقذه أيضاً مرة أخري إستهداف الطيران الحربي الفرنسي للمعارضة المُسلحة وهي مُتجهة عام 2019 للعاصمة N’Djamena مما أفشل محاولتها التخلص من الرئيس ديبي وهو الذي وصل للسلطة في 26 نوفمبر1990بانقلاب , ولكن فرنسا لوُحظ إحجامها عن التدخل بطيرانها عندما توغل المسلحين العابرين من حدود ليبيا الجنوبية إلي شمال تشاد لمواجهة الجيش التشادي الذي صد يوم الثلاثاء 13 أبريل , وهو توغل خطير تزامن مع الانتخابات الرئاسية التشادية ولم تشر المصادر الرسمية التشادية إلي دعم جوي فرنسا كالسابق بل أشارت إلي أن عدة طوابير من المركبات المدججة بالسلاح هاجمت نقطة حدودية في Zouarké التي تبعد 1000 كيلومتر شمال N’Djamenaفي Tibesti(وهي مركز تجمه للمهاجرين) وهاجمهم الطيران الحربي التشادي وحده من طراز MIG21 بل تردد بقوة قبل مصر الرئيس ديبي أنه إستدعي جزء من العسكريين التشاديين المُشاركين في عمليات عسكرية بشمالي مالي لدعمه عسكرياً في المواجهة التي إنتتهت بمصرعه , وإن أكد كل ذلك أمراً فهو يؤكد تماماً أن فرنسا آثرت ترك إدريس ديبي لمصيره وحده وتخلت عنه منذ دخول قوات التمرد المسلح لتشاد قادماً من قواعده بجنوب ليبيا في 13 أبريل و(2) المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية والأفريقية ومجموعة الساحل الخماسية أو G5 Sahel التي روجت لها وأسستها وتسولت فرنسا من اجل تمويلها عبر مؤتمرات دعت لها أجل للإٍسهام في الدفاع عن المصالح الفرنسية في منطقتي الساحل والصحراء والتي مثلت باباً للرزق للقيادات العسكرية المرضي عنها من نظام الرئيس .
إعتمد الرئيس ديبي في بقاؤه الطويل في سدة الحكم ككل الرؤساء المُؤبدين في السلطة علي دعم قوة خارجية هي فرنسا في الحالة التشادية فلولا فرنسا ما إستطاع ديبي الوصول للسلطة وهو أبن لراعي غنم بسيط إختار وفقاً لتقاليد الزغاوة (وغالبيتهم في شرقي تشاد) بين أن يكون مُحارباً أو تاجراً فكان مُحارباً وفي سبيل ذلك إلتحق بمدرسة الضباط بالعاصمة N,Djamena بعدها توجه لشمال فرنسا للإلتحاق بدورة عسكرية عام 1976 وعند عودته لتشاد إنضم إلي قوات الرئيس حسين هبري المناوئة (اكانت مصرتدعمه) لرئيس البلاد وقتها Goukouni Oueddei الذي تدعمه ليبيا , وأستطاع ديبي بدعم من فرنسا الإنتصار علي قوات الفيلق الإسلامي الليبي الذي ضم موالين تشاديين في معارك صحراوية صعبة , وأصبح بطلاً وكان ذلك مصدر قلق لحسين هبري , وفي أبريل 1989 إنضم ديبي لتشكيل من العسكريين التشاديين للإنقلاب علي هبري لكنه فشل مما إضطره للهروب إلي دارفور مع تشكيل مُنشق عن الجيش التشادي الذي عموده الفقري حالياً من زغاوة تشاد ولقي هناك دعماً من السودان كما إكتسب تعاطفاً من رئيسي توجو Eyadema و بوركينافاسو Compaore وحظي بمباركة صامتة من باريس , وهي في الحقيقة كانت مباركة فعالة فقد كان Paul Fontbonne ضابط العمليات السرية الفرنسي العامل بالسودان مُكلفاً بضبط العملية الثلاثية التي أتت بإدريس ديبي للسلطة , ففي ديسمبر 1990 دخل ديبي بقواته العاصمة N,Djamena وشرعت مجموعته المُنتمية لقبيلة الزغاوة في الإنسياب داخل كل إجزاء الدولة التشادية وبإستخدام عوائد البترول المُكتشف والمُستغل حديثاً في تشاد إستطاع ديبي شراء المزيد من السلاح والولاءات العسكرية (صحيفة Le Monde بتاريخ 20 فبراير 2008) فالحفاظ علي الديكتاتورية أمر مكلف دائماً , وبدا بوضوح أن الحرية التي كان يعنيها إدريس ديبي هي حريته هو في أن يبقي رئيساً مدي الحياة , ولم يكن الدعم الفرنسي للإنقلابات العسكرية وآخرها إنقلاب إدريس ديبي بالأمر البعيد عن فهم معانيه لدي الرأي العام التشادي ففي عام 1999 إندلعت مظاهرات بالعاصمة N,Djamena جمعت أكثر من 10,000 تشادي للتنديد بفرنسا ودورها التخريبي في تشاد بعد إنسحاب شركتي ELF و SHELL من مشروع بترولي بتشاد , كان وظل الدعم الفرنسي لنظام ديبي كافيا لبقاء ديبي رئيساً مُضافاً إليه الدعم المُتبادل من الجيش والأمن وقبيلته الزغاوة التي بالرغم من أنه بثها أو دسها في الجيش وفي كل أجهزة ومؤسسات هذه الدولة الفقيرة إلا أنه ومع طول فترة بقاءه حدثت تشققات وشروخ في حوائط الحماية لنظامه فمثلاً في بداية عام 2000 إنضم Timan Erdimiإبن شقيق ديبي للمعارضة المُسلحة التي قادها عام 2008تحالف المتمردين الذي فشل في الإطاحة بإدريس ديبي بفضل الدعم الجوي الفرنسي , لكن في الأشهر الأخيرة وحتي مصرعه تصدعت وحدة الزغاوة مرة أخرى إذ اضطر إدريس ديبي إلى إقالة بعض الضباط “المشبوهين” وفقًا لأشخاص مقربين من القصر .
كان الرئيس إدريس ديبي حارساً مخلصاً للمصالح الفرنسية في تشاد والأهم في منطقة الساحل فقد كان مُتماهياً مع الإستراتيجية الفرنسية لمنطقتي الساحل والصحراء ( في شقيها السياسي والعسكري) وقادراً علي إستيعاب والتلاؤم مع أي تعديل قد تجريه فرنسا علي هذه الإستراتيجية , ولذلك جاء التعليق الرسمي الفرنسي علي مصرعه عاكساً لهذه الحقيقة , فقد تضمن البيان الصادر عن الرئاسة الفرنسية : ” أن فرنسا فقدت صديقاً شجاعاً ” , وأن تشاد تخسر جنديا كبيرا ورئيسًا عمل بلا كلل من أجل أمن البلاد واستقرار المنطقة على مدى ثلاثة عقود , وأن فرنسا قد أُحيطت علماً بإعلان السلطات التشادية عن إنشاء مجلس عسكري انتقالي وهو هيئة مسؤولة عن قيادة انتقال سياسي محدود المدة ” , وأن فرنسا تُشدد “على أهمية التحول الذي يحدث في ظل ظروف سلمية بروح من الحوار مع جميع الجهات الفاعلة في المجتمع السياسي والمدني والسماح بالعودة السريعة إلى الحوكمة الشاملة القائمة على المؤسسات المدنية ” ، وهو المعني الذي أكدته Florence Parly وزيرة الدفاع الفرنسية فقالت : ” لقد خسرت فرنسا بفقدان إدريس ديبي حليفًا أساسيًا في الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل …” وأضافت “إن الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل لا تتوقف ولا يساورني شك في أننا سنتمكن من مواصلة ما تم القيام به بشجاعة منذ عدة سنوات” .
لا غرو أن الرئاسة الفرنسية وهي تصف هذا الرجل بأنه جندي شجاع وأنه عمل بلا كلل من أجل أمن وإستقرار تشاد والمنطقة , تعلم حق العلم أنه كان جندي يذود عن مصالح فرنسا بإمتياز وهي مصالح مُنفكة الصلة عن مصالح تشاد , وأن الأمن والإستقرار كان ومايزال أمن وإستقرار المصالح الفرنسية فقط وليذهب شعب تشاد الفقير للجحيم , ولابد أن الرئاسة الفرنسية تعلم أن هذا العسكري الذي وصل للسلطة بإنقلاب عسكري عام 1990جعل بلاده وفقاً لمؤشر التنمية البشرية (HDI) لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2020 ثالث أقل دولة نمواً في العالم وكان ترتيبها 187 من بين 189 دولة عام 2018علي هذا المؤشرعام 2018, كما بلغ مجمل ناتجها المحلي 0,6% وذلك عام 2020 وفقاً لبنك التنمية الأفريقي , كما أن بلاده التي خربها وفقًا لبيانات صادرة عن البنك الدولي عام 2018 يعيش 42٪ من سكانها البالغ عددهم 16 مليون نسمة تحت خط الفقر ولم لا و 3٪ من فقط من أراضي تشاد صالحة للزراعة (مساحة تشاد 1,259,200 كم مربع) فيما ثروتها التعدينية والبترولية تنهبها فرنسا ودول غربية أخري؟ (تنتج تشاد البترول منذ عام 2003 ويمثل ما يقرب من 40٪ من ناتجها المحلي الإجمالي وأكثر من 60٪ من عائدات الدولة وذلك بين عامي 2014 و 2016 , لكن تسبب انخفاض سعرالبترول في أزمة ديون فتمت إعادة هيكلة الحصة التي تمتلكها مجموعة Glencore السويسرية عام 2018 ) , أما شبابها دون سن 25 عاماً 22٪ منهم عاطلون عن العمل , وتسجل تشاد أحد أعلى معدلات وفيات الأمهات في وسط إفريقيا بينما يموت طفل واحد من كل 5أطفال قبل عامه الخامس , كل ذلك والرئيس إدريس ديبي ذلك الشجاع الحكيم يسهر علي خدمة فرنسا وفرنسا وحدها وعندما صرعوه صنعت منه فرنسا وإعلامها إيقونة في محاربة الإرهاب .
هذا الوضع البائس لتشاد علي يد هذا الجندي الصديق لفرنسا كان خصماً من ماضي وحاضر ومستقبل الشعب التشادي فلا أدريس ديبي قد نهض ببلاده بل إنه قذف بها في هوة الفقر السحيق , ولا فرنسا التي إتخذت من تشاد موقعاً حربياً لحرب مع المسلبمين قد أفادت هذا الشعب فمن إستفاد من الفتات التي ترميها الخزانة العامة الفرنسية هم جنود إدريس ديبي وهو ما يؤكده ما أشار إليه موقع maliweb بتاريخ 24 أبريل 2021نقلاً عن موقع LEMONDE.FR من واقع ما نشره عن تقرير ديوان المحاسبات الفرنسي الذي أُرسل لرئيس الوزراء الفرنسي Jean Castexوتضمن الإشارة إلي أن : “إن الأولوية التنموية التي أعلنت عنها فرنسا لمنطقة الساحل “تم اتباعها جزئيًا فقط” , وهي الأولوية التي أشارت إليها تكراراًالاستراتيجيات التي تم تدوينها وإعادة تأكيدها في الخطب السياسية للمسئوليين الفرنسيين , وهي تجافي الحقائق علي الأرض في منطقة الساحل فديوان المحاسبة في مالي يرى أن الفجوة كبيرة بين الطموحات التي أعلنتها فرنسا والتزاماتها المُنفذة , ففي تقريره المنشور في 22 أبريل 2021أشار آمر المالية العامة إلي أن الأولوية التنموية التي وضعتها فرنسا لمنطقة الساحل منذ عام 2009 ضمن استراتيجياتها المختلفة “قد تمت متابعتها بشكل جزئي فقط ” , إذ أن الإنفاق الفرنسي لصالح دول الساحل G5 وهي الدول التي تكونت منها المجموعة العسكرية الخماسية (تضم بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد) لدعم الإستراتيجية العسكرية الفرنسية في الساحل زادات لأكثر من الضعف بين عامي 2012 و 2019 ، فكانت عام 2012 نحو 584 مليون يورو في فجر اندلاع الحرب في شمال مالي لتبلغ 1.17 مليار يورو بعد سبع سنوات , لكن التقرير يشير إلى أن تحقيق الاستقرار ومساعدات التنمية “لم تتبع نفس المسار” بين عامي 2012 و 2019 إذ انخفض المبلغ السنوي المخصص لهذه الدول من 431 مليون يورو إلى أقل من 325 مليونًا , وأنه وفقًا لديوان المحاسبة تم تخصيص حوالي 60 ٪ من المبالغ الفرنسية المدفوعة لمنطقة الساحل للأعمال العسكرية خلال نفس الفترة , ومع ذلك يشير آمرالمالية العامة إلي أن المسؤولين الفرنسيين كانو يصرون علنًا مرارًا وتكرارًا على الحاجة الملحة لتمويل التنمية في هذه المنطقة التي تعد من بين أفقر دول العالم , فهي ذاتها المنطقة التي وصفها Jean-Marc Châtaigner المبعوث الفرنسي السابق لمنطقة الساحل بأنها “آخر حدود التنمية”التي ينبغي هدمها , ولكن وفقًا لمجلس المراجعين “لم تتم ترجمة الأولوية التي تم عرضها لصالح منطقة الساحل إلى واقع ملموس , فقد حظيت دول الساحل الخمس – كما أشار تقرير آمر المالية العامة – في عام 2018 بنحو10٪ من المساعدة الإنمائية الرسمية الفرنسية لإفريقيا أما مالي التي تتمركز فيها قوة العمليات العسكرية الفرنسية فلم تحظ سوي بنحو 2.5٪ , كما أشار تقرير آمر المالية العامة إلي أنه ووفقًا للمقررين فضلت فرنسا والاتحاد الأوروبي “توجيه تصرفاتهما تلقائيًا في شأن المساعدات نحو البلدان ذات الاقتصادات الأكثر تقدمًا والتي أوضاعها الجيوسياسية أكثر استقرارًا ” , كما أن المساعدة الإنمائية التي قدمتها فرنسا والاتحاد الأوروبي ككل إلى منطقة الساحل قد تجسدت بشكل أكبر في شكل “قروض وليس منح” , وخلص التقرير إلي أن إن فعالية العمل العسكري الفرنسي الذي انطلق عام 2013 في شمال مالي مع عملية ” Serval ” (التي تحولت إلى “Barkhane ” منذ 2014) ، تجعل المقررين متشككين إلى حد ما , وبالتالي فقد لاحظوا أنه إذا ضاعفت فرنسا ما يقرب من سبعة مرات استثماراتها العسكرية هناك منذ عام 2012 (من 153 مليونًا إلى أكثر من مليار يورو حاليًا) فإن النتائج على الأرض لا تتوافق إلا قليلاً مع الأهداف المحددة .
فرنسا ليست معنية بالأوضاع الإقتصادية المتردية بإضطراد في منطقة الساحل وفي مقدمتها تشاد فمصالحها العليا هي هدفها الوحيد الذي يستحق الدفاع عنه وتكوين تحخالفات مع رؤساء دول منطقتي الساحل والصحراء تاركين خلفهم بؤس شعوبهم وتناقص آمالها في الحد الأدني من العيش الكريم بل إنهم يتيحون لفرنسا اية فرصة لتسويغ تدخلها العسكري بالمنطقتين والذي يتسبب في بقاء التوتر مع المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية المُسلحة التي تدافع عن قضية منطقية وهي إستلاب فرنسا ومعها الغرب لموارد هذه الدور بأبخس الأثمان في حراسة رؤساء بلا ضمير , وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يتخذ الفرنسيين الوسائل المُتاحة ومنها الإعلام لغسيل الأدمغة , فقد بدأت الآلة الإعلامية الغربية خاصة الفرنسية وعدد غير قليل من الساسة والمحللين السياسيين الغربيين وصدي صوتهم بالعالم العربية يروجون لمقولة مفادها أن مصرع إدريس ديبي له علاقة عكسية بالحرب علي الإرهاب نظراً لمساهمات تشاد الملموسة والفعالة للعسكرية الفرنسية والأمريكية في هذه الحرب وهو كلام صحيح فلم يكن لإدريس ديبي حدود في دعم وحماية المصالح الفرنسية وهي خاصية لا يتمتع بها بهذه الدرجة والكفاءة العالية رئيس آخر من رؤساء مجموعة الساحل الخماسية , ولذلك وفي سبيل الترويج بل قل التضليل في أوساط شعوب الساحل قررت فرنسا عقب هجوم مُسلح علي سفارتها في Ouagadougou عام 2017 التفكير في إقامة إذاعة شباب الساحل RJSفي بوركينافاسو لتغطي دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد) وستُذاع البرامج التي تقودها المنظمة الدولية للفرانكوفونية باللغات الفرنسية والوطنية ( موري ، وباماناكان ، والهوسا ، والعربية ، والفولاني) وستكون متاحة أيضًا على منصة عبر الإنترنت , وتقدم برامج تدعو للعيش المُشترك بين شباب المنطقة ومحاربة تجنيد البعض في الجماعات المسلحة من المقرر إطلاقها في نهاية نوفمبر 2021بمناسبة انعقاد القمة الفرنكوفونية الـ 18 في جربة بتونس لتبث مضامين تبرر للتواجد العسكري الفرنسي بالمنطقة والذي يرتكب مذابح وإنتهاكات لحقوق الإنسان بلا رقابة دولية علي غرار ما أشارإليه موقع Critical Threats.org في20 أبريل بأنه “من المرجح أن يؤدي عدم الاستقرارالداخلي إلى تعطيل المشاركة التشادية في جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية مما يفيد الجماعات السلفية الجهادية التي هي بالفعل في وضع هجوم بمنطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد فتشاد في الوقت الذي تواجه فيه أزمة سياسية وأمنية لا يمكن التنبؤ بها زادت بعد أن لقي رئيسها حتفه في 20 أبريل متأثرا بجروح أصيب بها خلال اشتباكات مع جماعات المتمردين شمال N’Djamena وجاء مصرعه عقب فوزه بولاية أخري في إنتخابات الرئاسية الأخيرة ” .
في ضوء ذلك فلا فائدة تُرجي من البحث عن معاني الولاء للدين ولا الولاء للوطنية في شخصية إدريس ديبي إذ أنه وبإختصار أفني عمره في سبيل فرنسا فحسب كـمثاله في معظم مستعمرات فرنسا السابقة , ومثلما ورث علي بونجو كرسي رئاسة والده علي بونجو للجابون وهو الذي أفني عمره أيضاً في الذود عن مصالح فرنسا , نجد محمد إدريس ديبي ابن الرئيس الراحل وخليفته حتي إشعار آخر فهو كأبيه عسكري يبلغ من العمر 37 عامًا سيتولى قيادة البلاد بالرغم من أن الدستور التشادي الذي وضع تحت عناية الرئيس الصريع ووفق عليه في مارس 1996ينص علي أنه في حالة خلو منصب الرئاسة يتولي رئيس البرلمان التشادي Haroun Kabadi السلطة لمدة إنتقالية مداها 40يوم لكن رئيس البرلمان رفض الإستجابة لنص دستوري لأسباب أمنية استثنائية كانت ضرورية لضمان استقرار هذا البلد , لكن العسكريين قاموا بطبخة فرنسية سريعة للإنقلاب علي الدستور (وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drianقال إن الجيش التشادي محقًا في تبني محمد ديبي رئيسًا للدولة وليس رئيس مجلس النواب) فأوقفوا العمل به وحلوا البرلمان وفككوا ما يهدد ترتيباتهم من أجهزة الدولة وأعلنوا عن أن أبن الرئيس سيتولي رئاسة المجلس العسكري علي أن تُجري إنتخابات خلال 18شهر كافية لأبن الرئيس لشراء بزة مدنية والحديث بإسهاب عن التنمية والديموقراطية (بمنطق باطني) ثم التقدم للترشيح في إنتخابات رئاسية مُعدة له كما فعل أبيه طيلة 30 عام الذي فاز بالرئاسة في إنتخابات رئاسية جرت في 1996و2001و2006(قاطعتها أحزاب المعارضة) و 2011و2016 وأخيراً عام 2021 تحت العناية الفرنسية وقد توفرت ثلاث عوامل كانت مواتية إلي حد ما لإدريس ديبي مُؤخراً وهي : (1) قدرة تشاد الكبيرة على إنتاج النفط (2)الوضع الأمني غير المستقربمنطقة الساحل (3) ولاءه غير المشروط لفرنسا , لكن هذه العوامل بالرغم منها ساعدته جزئياً في الفوز بالإنتخابات إلا أنه ليست كافية لمحو آثار إستبداده وتعميقه للمحسوبية والقبلية ببلاده وتردي الوضع الإقتصادي لشعبه لذلك كان إستمرار ديبي دفع بالبلاد نحو المزيد من المواجهات والتدهور الإقتصادي .
علي وجه العموم فالوضع شديد التوتر في تشاد خاصة مع بدء خطة توريث السلطة للجنرال محد أدريس ديبي بمعونة مباشرة من الطغمة العسكرية العُليا وغير مباشرة من فرنسا , ولن يهدأ هذا التوتر الذي بدأت أعلي موجاته قبل أسبوع من مصرع ديبي عندما دخلت عدة صفوف من المقاتلين المتمردين إلى تشاد من ليبيا المجاورة بهدف الإطاحة بالرجل القوي صديق الغرب إدريس ديبي إيتنو حاكم تشاد على مدى الثلاثين عامًا الماضية , على الرغم من المزاعم المتعددة من قبل المتحدث باسم الحكومة التشادية بأن تشكيل المتمردين قد هُزم إلا أن سفارات الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة في نهاية هذا الأسبوع أمرت معظم أعضاءها بالعودة لبلادهم و نصحت رعاياها بالمغادرة على الفور أو اللجوء إلى أماكن آمنة لاحتمال وقوع أعمال عنف في العاصمة ,
الملفت للنظر أنه لا الإتحاد الأفريقي ولا رئيس مفوضيته موسي فقي (تشادي وهو من خلصاء الرئيس ديبي) أدانا بوضوح هذا الإنتهاك الفج للدستور التشادي الذي وضعه إدريس ديبي نفسه (علي عكس موقف الإتحاد الأفريقي من إنقلاب مالي الأخير إذ علق الشركاء الدوليون المساعدات المالية وفرض الجيران الأفارقة عقوبات اقتصادية حتى وافق العسكريين الإنقلابيين على تعيين حكومة انتقالية بقيادة مدنية مع جدول زمني للانتخابات مدته 18 شهر) أما في الحالة التشادية الراهنة فقد ولي المجلس العسكري الإنتقالي أبن الرئيس الراحل ديبي وهو تصرف غير دستوري تجاه نظام قائم دستورياً , لكن رئيس قمة الإتحاد الأفريقي رئيس الكونجو الديموقراطية Felix Tshisekediطالب المجلس العسكري التشادي الإنتقالي CMT بالعودة إلى النظام الديمقراطي بسرعة كبيرة , لكن لا يبدو أن هناك ثمة إدانة واضحة ومباشرة من الإتحاد الأفريقي , وهناك 3 أسباب لموقف الإتحاد الأفريقي المُناقض لقراراته وهي : (1) أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي هو رئيس الوزراء التشادي السابق موسى فقي محمد الذي يقال إنه يأمل في الترشح للرئاسة في المستقبل وبالتالي من غير المرجح أن يخاطر بدعمه بين النخب في الوطن (2) أظهر الاتحاد الإفريقي بالفعل عدم رغبته في التنافس على مناطق النفوذ الفرنسية في وسط إفريقيا ومن المرجح أن يشتت انتباهه بسبب الأزمات المستمرة الأخرى في القارة (3) قوة الدبلوماسية الفرنسية ونفاذها السحري في وزارات خارجية الدول الأفريقية الفرنكفونية بل وبعض الدول الأفريقية الأنجلوفونية وبالتالي قدرتها علي كبح أي تحرك من الإتحاد الأفريقي يعترض مصالحها في تشاد (4) تضع فرنسا الإرهاب مقابل الفوضي كبيدلين متساويين تماماً كحكام الشرق الأوسط , مع أن وضع الحفاظ علي الدستور والديموقراطية كبديل وحيد يمكن لو أن السششعوب الأفريقية جربته ولو لمرة واحدة بدون ضغوط أو تدخلات القوي الدولية ووسائطها الداخلية يمكن أن يصل لبر الإستقرار والتنمية بعيداً عن موجات الإنقلابات العسكرية العاتية التي أفقرت الشعب التشادي وكافة الشعوب الألإريقية كم تؤكد أرقام المؤسسات الدولية المعنية .
كذلك فالدول الخمس الداخلة في مجموعة الساحل الخماسية سوف لا تدين الوضع غير الدستوري في تشاد وهو عكس ما فعلته عندما أراد رئيس النيجر الراحل Mamadou Tandja تجاوز عدد مرات الولاية الرئاسية عام 2009 فقامت قيامة فرنسا وأذنابها بالمنطقة بل والتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECWAS الذي خفت صوته في الحالة التشادية مع أنها بإمتياز إنتهاك دستوري أيضاً , ومن ثم كان يجب إدانة هذا الوضع غير الدستوري في تشاد الذي لا يختلف إلا في الغلاف عن الإنقلابات العسكرية وتوريث السلطة لكن كثير من المراقبين يعلم تمام العلم أن فرنسا وجهاز مخابراتها النشط المحيط بكل دقائق هذه المنطقة وراء الإنقلابات العسكرية وعدم التوازن السياسي وتحرض وتحريك الأقليات العرقية والدينية بل وبعض الإغتيالات السياسية وآخرها تلك التي حيكت في مالي في 13 أبريل 2021بإغتيال SIDI BRAHIM OULD SIDATI زعيم هيئة تنسيق حركات AZWAD فهذا الرجل كان مع التنفيذ العملي لإتفاقيات الجزائر بشأن العلاقة بين الأزواد والحكومة المالية وأطراف أخري مقابل آخرين كانوا يتربصون بهذه الإتفاقيات بغية إفشالها ومعهم فرنسا لمزيد من الإضعاف لسلطة الدولة المالية (وهو أيضاً ما تستهدفه الإستراتيجية الفرنسية للجزائر فمنطقة جنوب الصحراء الجزائرية شمالي مالي والنيجر تعد بمثابة البطن للأمن القومي الجزائري والعمليات العسكرية الفرنسية هناك ضربات في هذه البطن)حتي يمكن للفرنسيين السيطرة المطلقة عليها وتكريس وجودها العسكري بمالي وتوسيعه برياً والبقاء للأبد هناك , وبالتالي كان يجب علي الإتحاد الأفريقي وقف عضوية تشاد به بموجب ما هو منصوص عليه في المادة 28/ A من بروتوكول Malabo (قمة الإتحاد الأفريقي بغينيا الإستوائية) , وهذا هوالأساس القانوني للمحكمة الجنائية الأفريقية التي تعتبر التغيير غير الدستوري للحكومة جريمة وتعني الانقلاب ضد حكومة منتخبة ديمقراطياًشأنه شأن تدخل مجموعة من المرتزقة ليحلوا محل حكومة منتخبة ديمقراطيا أي استبدال لحكومة منتخبة ديمقراطيا بمجموعة من المنشقين المسلحين أو المتمردين أو من خلال الاغتيال السياسي , أي رفض من قبل الحكومة الحالية للتخلي عن السلطة للحزب أو المرشح الفائز بعد انتخابات حرة ونزيهة ومنتظمة , أي تعديل أو مراجعة للدستور أو الأدوات القانونية ، مما يعد انتهاكًا لمبادئ التغيير الديمقراطي للحكومة أو يتعارض مع الدستور وأي تعديل جوهري على قوانين الانتخابات في الأشهر الستة الماضية قبل الانتخابات .
والسؤال الملح هو : هل سيفعلها الإتحاد الأفريقي فيدين الإنقلاب بقوة ووضوح , وعلي هذا الأساس يجمد عضوية تشاد به أم تراه يخضع أو يتماهي مع الضغوط وإزدواجية معايير الدبلوماسية الفرنسية المتوقعة ؟ .
لن يعني فرنسا بالمرة مصرع إدريس ديبي ولا أشباهه طالما توفرت لفرنسا نسخ مُطابقة له وعلي أهبة الإستعداد للسهر علي ورعاية بل والدفاع بإستماتة – كما فعل ديبي – عن مصالح فرنسا التي ليست ومعها الإتحاد الأوروبي والولايات المُتحدة في وارد التحقق من إنتقال ديموقراطي حقيقي للسلطة في تشاد فهم قد إستبدلوا الديموقراطية بالإستقرار والأمن مع أنه لا إنفصال أبداً بين الديموقراطية والإستقرار والأمن (وصفت إحدي المنظمات غير الحكومية الفرنسية وتدعي Survie إستقبال الرئيس الفرنسي Macron للرئيس التشادي في مستهل زيارته لفرنسا في 11 يوليو 2017 بإنه إستقبال لديكتاتور وأن مُتلازمة الإستقرار التي يتذرع بها الرؤساء الفرنسيون تُقال لتبرر دعم الغرب لديكتاتور) , والوطنيين من أبناء تشاد يدركون تماماً حقيقة الأدوار الفرنسية والغربية التي يمكن لفرنسا والقوي الدولية أن تقوم بها مُتحررة من المنطق بمعونة المؤسسة العسكرية في تشاد والبداية كانت بتوريث أبن الرئيس من أجل الحفاظ علي وتنمية الإستراتيجية الفرنسية علي نطاقي الساحل والصحراء , فتشاد مسرح بالغ الأهمية لأداء كفء وفعال لتحقيق هذه الإستراتيجية لأسباب أهمها :
(1) تشاد أحد القوعد الأمامية للعسكرية الفرنسية ففي العاصمة N’Djamena مركز قيادة عملية Barkhaneالعسكرية الفرنسية لمكافحة الإرهاب بمنطقة غرب إفريقيا (شمالي مالي والنيجر تحديداً) كذلك يتمركز بها ما يقل قليلاً عن 1000 جندي إلى جانب عدد قليل من طائرات Mirage 2000 المقاتلة , كذلك تشاد بها مركز قيادة مجموعة الساحل الخمسة G5 Sahel ،التي تضم قوات من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو ومكانها المقر السابق لبعثة عملية Epervier العسكرية الفرنسية التي شنتها فرنسا في 13 و14 فبراير 1986 للدفاع عن تشاد في مواجهة ليبيا إبان عهد الرئيس السابق حسين هبري وكانت العملية تطبيقاً لإتفاقية دفاع بين فرنسا وتشاد , كذلك بتشاد مقري القوة المُشتركة مُتعددة الجنسيات MNJTF التي تتكون من الدول المُطلة علي بحيرة تشاد إضافة إلي بنين , ونطاق عملها بحيرة تشاد ومحيطها ونفذت عملية تحت مُسمي DEEP PUNCH IIضد جماعة Boko Haram وهي العملية التي أشارت وكالة Reutersفي 12 أكتوبر 2017 نقلاً عن مصادر إنسانية ومسؤولون تشاديين , لأن تشاد سحبت مئات جنودها من النيجر المجاورة حيث كانوا يساعدون القوات المحلية في قتال متشددي بوكو حرام الإسلاميين , وجاءت هذه الخطوة بعد شهر من شكوى تشاد من حظر سفر أمريكي غير متوقع فرضته إدارة الرئيس الأمريكي السابق Trump على مواطنيها , ففي رد فعل لذلك حذرت تشاد من أن هذا القرار قد يؤثر على التزاماتها الأمنية – والتي تشمل مشاركتها في القتال المدعوم من الولايات المتحدة ضد بوكو حرام – أيضاً لتشاد مساهمة بقوة عسكرية إنضمت للقوة الأممية مُتعددة الجنسيات للإستقرارالمتكامل في مالي MINUSMA وتتمركز القوة التشادية في الخطوط الأمامية في للقوة الأممية في شمال مالي (قُتل عشرة علي الأقل منهم في أجلوك بشمال مالي في 20 يناير 2018جراء هجوم وصفته الأمم المتحدة بالإرهابي) , وطبقاً لمصادر تشادية لموقع “سكاي نيوز عربية ” في 24 أبريل 2021 بدأت القوات التشادية المُتمركزة في نجويجمي بالنيجر بالقرب من الحدود مع تشاد (قوامها 1200 عسكري) إنسحاباً من المنطقة الحدودية بمثلث Liptako–Gourma بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي حيث تجري مواجهات مع إسلامين مُسلحين بصفة متكررة لا سيما خلال الشهرين الماضيين مما دفع الرئيس ديبي إلي إظهار محاربته لهؤلاء بنفسه فصد مع قواته هجومًا مضادًا علي الأراضي النيجيرية في مارس وأبريل 2020 ليكرس للغرب ولفرنسا خاصة أنه الصديق الذي يمكن الإعتماد عليه وحده في معركتهم هم ضد ” الإرهاب الإسلامي”, وعلاوة علي كل ذلك , فلفرنسا قاعدتين أماميتين للعمليات بتشاد أحداهما في Faya-Largeauبوسط البلاد لرصد الحدود الشمالية لتشاد مع ليبيا وأخري في Abeche بالقرب من الحدود مع السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى , كما أنه كان للولايات المتحدة (AFRICOM) أيضًا وجود عسكري صغير بتشاد مكون من 70 عسكري للمساعدة في تدريب وتجهيز وبناء قدرات قواتها المُسلحة .
هذا وقد أتاح توطن التنظيمات والقوي العسكرية – المُشار إليها – علي الأراضي التشادية دوراً مُتميزاً لتشاد يتجاوز قوة الدولة الشاملة لا لشيئ إلا لأن تشاد مدعومة بقوة من الخزانة والعسكرية الفرنسية والمديرية العامة للأمن الخارجي أو DGSE , ولهذا عُقدت بتشادة كثير من الإجتماعات والقمم الرئاسية المُتعلقة بأمن منطقة اساحل كان آخرها قمة N’Djamena في 15 فبراير 2021 وشارك فيها رؤساء دول مجموعة الساحل الخماسية وكانت مشاركة الرئيس الفرنسي فيها عبر الفيديو وهي القمة التي تم فيها تعيين ممثل لتحالف يضم هذه الدول جميعاً للترويج لتحالفهم في الخارج , وكذلك لتفعيل خطة “الحدود الثلاثة” (بوركينا فاسو ، النيجر ومالي) التي قررتها قمة Pau بفرنسا قبل 14 شهر خلت لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية .
(2) حتي أثناء إستعمارها لتشاد عام 1990 إلي أن إستقل هذا البلد كانت فرنسا تعتبر تشاد منطقة عسكريةRegion Militaire وليس مُستعمرة أو مُستوطنة (في عام 1957 ألحقت أقاليم الجنوب الجزائرية (الواحات) بإدارة المناطق الصحراوية التي تضمن إختصاصها المناطق الصحراوية الأخري بشمال السودان والنيجر ومالي وتشاد وموريتانيا , وفي أول أبريل 1958 أُنشأت قيادة عسكرية فرنسية للمناطق الصحراوية ثم تحولت منظمة المناطق الصحراوية الفرنسية إلي وزارة الصحراوية ) , ولذلك وإنطلاقاً من هذا الإرث التاريخي الإستعماري البغيض مازال واضعي الإستراتيجية الفرنسية يعتبرون تشاد والنيجر قاعدتين أماميتين لعمليات العسكرية الفرنسية علي مدي الفضاء الفرانكفوني الأفريقي , والإستراتيجية الفرنسية تتطلب كضرورة إبقاء تشاد والنيجر معاً منطقتين عسكريتين تتمتع فيهما العسكرية الفرنسية بالحركة الحرة والنفاذ الفعال , ومن ثمن فالفرنسيين خاصة المؤسستين الدبلوماسية والعسكرية والحزب الإشتراكي وغيره (بإستثناء أحزاب يسار وأقصي اليمين إضافة إلي أن إستطلاعات الراي العام في يناير 2021أشارات لتراجع الدعم الشعبي للتدخل العسكري الفرنسي) أميل لإستمرار العسكريين في القبض علي السلطة في تشاد والنيجر إن أمكنها ذلك (وهو ما يحدث لفترات مُتقطعة بالنيجر) لأنهم سيكونون خير من يستوعب وينفذ المتطلبات العسكرية الفرنسية بلا مناقشة أو مُراجعة , ومن ثم فهم أي الفرنسيين يريدون إمتداد للرئيس ديبي العراب الأفريقي لقوة الساحل الخماسية G5 Sahel التي إبتدعتها فرنسا وهي القوة التي يخفف من خلالها الفرنسيون من وطأة بقائهم جاثمين بصفة مباشرة علي رقعة شاسعة من منطقتي الساحل والصحراء بالإدعاء بأن هذه القوة ينهض بها عسكريين من الدول ” المُضارة والمُهددة بالإرهاب الذي منشأه إسلامي ” أي أن الوجود العسكري الفرنسي الذي تُظاهره قوة الساحل الخماسية مُبرر بل ومطلوب لدعم هذه القوة , هذا طبعاً بالإضافة إلي أن الفرنسيين يحققون أكثر من هدف عرضي من إستمرار هذه القوة ومن هذه الأهداف (1) مزيد من التمزيق للوشائج القبلية و(2) قذف العسكريين المُنتمين لقوة الساحل الخماسية في الخطوط الأمامية للمواجهة مع الإسلاميين الذين يريدون التخلص من الوجود الفرنسي للأبد وهو مشهد مُشابه لما حدث بعد ست سنوات فقط من استقلال البلاد في 11 أغسطس 1960 فمنذ عام 1966 بدأ المتمردون المسلمون الشماليون في محاربة الوثنيين والحكومة المسيحية في الجنوب المُرتبطين بفرنسا وبالقوات الفرنسية في تشاد وبالرغم من العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار والسلام إلا أنها لم تجد في فك إرتباط فرنسا بمصير تشاد (3) إقامة جسر دائم بين العسكريتين الفرنسية والدول الخمس المُشاركة في القوة الخماسية للساحل تتم عبره أمور عديدة تبدأ من تجهيز الإنقلابات العسكرية عند الإقتضاء والحاجة إليها وتصعيد من يخدم المصالح الفرنسية من العسكريين في حكومات هذه الدول كمكافأة لخدماته وفي نفس الوقت فالعسكريون المنتمين للدول الخمس يتلقون مرتبات مغرية من واقع تعيين السلطات المعنية بكل دولة من دول المجموعة الخماسية للساحل دون أن يعني ذلك أنهم مُرتزقة Mercenaries .
يهدف الانقلاب إلى الحفاظ على قوة الجيش كما في إدارة ديبي ولم يتضح بعد ما إذا كان الجيش التشادي سيقمع التمرد ويحتفظ بالسيطرة على البلاد من المرجح أن يحتاج الجيش التشادي إلى سحب القوات المنتشرة في جميع أنحاء منطقتي الساحل وبحيرة تشاد في كلتا الحالتين يُعد الجيش التشادي القوة الأكثر فعالية في منطقة الساحل التي تشارك في جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية ومع ذلك فليست هذه القوة إلا قوة نسبية في حالة قيالسها بقوة جيوش قوة الساحل الخماسية فقد إستطاعت مسلحي بوكو حرام من قتل 92 جنديًا تشاديًا في الهجوم الأكثر دموية في البلاد في مارس 2020 مما دفع قوات الأمن التشادية إلى تكثيف جهود مكافحة الإرهاب في الأشهر التالية , لكن عموماً يمكن القول بأن انسحاباً للقوات التشادية سيُؤدي إلي تخريب الجهود الفرنسية لتفعيل قوة الساحل الخماسية G5 Sahel التي ناضلت الدبلوماسية الفرنسية من أجل إخراجها للوجود , كما أن الإنسحاب التشادي إن تم فسيرفع الضغط عن الجماعات السلفية المُسلحة التي سيؤدي عدم استقرار تشاد إلى تعطيل لمهمة الأمم المتحدة في شمال مالي وسيصب ذلك في صالح فرع القاعدة في الساحل , ومن المُرجح – علي الأقل في المدي القصير – أن تنكمش قدرات تشاد وينخفض إسهامها في عملية مواجهة ما يُسمي بالإرهاب في الساحل وهو أمر تتحسب له العسكرية الفرنسية التي يثور جدل منذ ما قبل مصرع ديبي بشأن خفضها لتواجدها العسكري في شمالي مالي والنيجر وكانت فرنسا تعول علي تشاد في تعويض أي خفض يطرأ فتشاد تُعد واحدة من أكبر عشرة مساهمين في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرارفي مالي MINUSMA ويبلغ عدد مساهمتها في هذه القوة الأممية 1400 جندي , بالإضافة إلي أن حكومة تشاد سبق وأعلنت في 16 فبراير عن أنها ستساهم بـ 1200 جندي إضافي وهي القوة التي كانت بقاعدتها في Tera بمنطقة الحدود الثلاثية في Liptako – Gourma ويتردد بقوة في 25 أبريل 2021 من أكثر من مصدر إنسحاب هذه القوة وتواجدها حالياً في Nguimi قرب حدود تشاد والنيجر , بالرغم من أن جنود MINUSMA التشاديين نشطوا مؤخرًا ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وأستطاعوا صد هجومها الكبير على قاعدة MINUSMA بشمال مالي في 2 أبريل 2021 .
مبادئ الجمهورية الفرنسية تتحطم مرة أخري وليست أخيرة في تشاد :
مرة أخري وليست أخيرة سقطت الدولة الفرنسية ومعها بعض أهم مؤسساتها كالخارجية والدفاع في كمين التناقض وتناقص المصداقية بدعمها الإنتهاك الدستوري من قبل عسكريي تشاد , بشكل أصبح من المُعتاد للمراقب الموضوعي أن يدرك أن إصطلاح “مبادئ الجمهورية” يقينا قد أصبح إصطلاحاً دائرياً ومُتعدد المعايير شأنه شأن إصطلاح “الإرهاب” تماماً , ففرنسا تدعي أنها تتمسك بما يُسمي”مبادئ الجمهورية” ومنها الحرية التي تخنقها في مستعمراتها الفرانكفونية السابقة ومنها تشاد التي كان من المنطقي أن تنتقل السلطة بها لرئيس منتخب بعد فترة إنتقالية مدتها 40 يوم يتولي فيها السلطة وفقاً للدستور رئيس البرلمان , وهو ما لم يحدث إذ تشكل سريعاً مجلس عسكري أدعي علي نفسه حيازة الشرعية فأصدر قراراً بتولي أبن الرئيس الصريع ادريس ديبي السلطة لمدة 18 شهر تنتهي – كما يتوقع كثيرون – بإنتخابه في إنتخابات كالتي نظمها والده بإنتخابه رئيساً , وقد أعلن الجنرال محمد ديبي في خطاب متلفز أذاعه ظهر 27 أبريل عن تنظيم “حوار وطني شامل” خلال فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا, ذلك في الوقت الذي تتابع فيه فرنسا عن كثب حالة السخط الشعبي ليس فقط من قبل المعارضة المُسلحة بقيادة ولكن أيضاً من قبل الشعب التشادي ففي 27 أبريل قُتل خمسة أشخاص على الأقل في احتجاجات متفرقة في N’Djamena وجنوب تشاد بمدينة Moundou ضد المجلس العسكري الذي تولى السلطة عقب وفاة الرئيس إدريس ديبي إيتنو قبل أسبوع (وفقًا لمنظمة غير حكومية تُدعيThe Chadian Convention for the Defence of Human Rights فقد قُتل تسعة أشخاص سبعة في العاصمة والاثنان الآخران في Moundou ) , وفي تدوينة علي حسابه في tweeter كتب Saleh Kebzabo خصم إدريس ديبي التاريخي : ” إن الجيش أفصح وبين لونه وهو الأخمر لون الدم فسيحكم بالدم ” وكان دائماُ ما يوصف علاقة ديبي بالغرب بأنهم ” وجدوا فيه شخصًا يمكنه أن يقوم بعملهم القذر, ثم يغلقون أعينهم وهو يفعل ذلك ” , هذا وقد أدان الرئيس الفرنسي “القمع بأشد العبارات” داعيا إلى “انتقال سلمي وديمقراطي وشامل” , لكنه لم يُحدد كيفية هذا الإنتقال ولا أشار إلي وجوب إحترام دستور تشاد الذي ينص علي فترة إنتقالية مدتها 40 يدير فيها البلاد رئيس البرلمان , رغم أنه صرح لاحقاً وهو علي درج قصر Elysee أنه ” ليس مع خطة الخلافة” على رأس تشاد , لكنه أيضاً شدد في تصريح له في 23 أبريل على أن “فرنسا لن تسمح لأي شخص بالتشكيك أو تهديد استقرارتشاد وسلامته اليوم أو غدًا” وهو بالطبع يعني فرنسا لا تشاد , هذا وقد وعاد الرئيس الفرنسي ثانية لتغيير الموقف الفرنسي من أزمة تشاد ففي 27 أبريل صدر بيان مُشترك مع رئيس الاتحاد الأفريقي Félix Tshisekedi رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية دعا الزعيمان إلى “حكومة وحدة وطنية مدنية ينبغي أن تؤدي إلى إجراء انتخابات في غضون 18 شهرًا من التأخير”, وأدانا القمع السياسي والعنف ضد المدنيين حتي ينسى التشاديون دورفرنسا في تعزيز وإضفاء الشرعية على المجلس العسكري وقبله الديكتاتورإدريس ديبي , وقد أرادت فرنسا في تقديري تخفيف دعمها العلني والثابت للجيش الذي من المرجح أن يُواجه مستويات أكبر من الاضطرابات المدنية مقارنة بالثورات السابقة في تشاد , لكن فرنسا ستظل تدعم الجيش وتضعف جبهة المعارضة المُسلحة والمدنية وتبحث عن مخرج بشخصية مدنية موالية يُسيطر عليها المجلس العسكري من وراء ستار فرنسي , والموقف الفرنسي الأخير ربما كان فرصة مُتاحة للاتحاد الأفريقي لإعلان إنحيازه للانتقال المدني للسلطة في تشاد والإدعاء ولو لوقت قصير بأنه منظمة قوية .
في تقديري أن المواقف والتصريحات الفرنسية في شأن أزمة تشاد إمتحان عسير لمصداقية فرنسا المُتآكلة أصلاً , وهذه الأزمة بتعقيداتها جعلت توزان فرنسا الدبلوماسي يهتز ومُثيراُ للرثاء فالتصريحات التي مصدرها فرنسا في هذه الأزمة وكالعهد بها في مثل هذه المواقف التي تتصل بأزمات في الفضاء الفرانكفوني تعتبر بحق راقصة , وتاكيداً لذلك فقد لخص هذا الموقف الفرنسي وبكامل الوضوح Nathaniel Powell مؤلف كتاب”حروب فرنسا في تشاد” إذ قال : “لقد أدلى الفرنسيون بتصريحات واضحة للغاية بأنهم يفضلون الاستقرار غير الدستوري بدلاً من الانتقال الفوضوي المحتمل”.
ستظل العسكرية الفرنسية قادرة علي التحرك في منطقتي الساحل والصحراء بحرية وبدون قيود من الأمم المتحدة أو الإتحاد الأفريقي طالما ظل رؤساء دول مجموعة الساحل وإرتباطهم العضوي بفرنسا واضح للعيان هم من يستدعون فرنسا لمواجهة من يُطلقون عليهم ” إرهابيين” ومعظم هؤلاء في التحليل الموضوعي ليسوا سوي مُعارضين للوجود الفرنسي والأمريكي والأجنبي عموماً علي أراضيهم , كما أنه إتصالاً بذلك , لا يمكن لفرنسا أن تعتمد علي كوادر مدنية أو ساسة أتت بهم صناديق إنتخابات نزيهة , لهذا فهي أي فرنسا تعتمد في نشر قواتها العسكرية وإحكام سيطرتها الإقتصادية علي مقدرات دول الساحل والصحراء بواسطة رؤساء مدنيين شديدي الولاء لها أو عسكريين تم تأطيرهم في فرنسا وهم أيضاً أشد أرتباطاً من هؤلاء المدنيون بفرنسا لهذا ولأسباب أخري فمن مصلحة فرنسا إستبعاد إي شكل من أشكال الإنتقال الديموقراطي الحقيقي في تشاد بعد مصرع إدريس ديبي , لذلك فستسلم السلطة السياسية لوريثه محمد إدريس ديبي وهو عسكري أيضاً وسيمثل ذلك لفرنسا أعظم الضمانات لإستقراروتأمين مصالحها حتي وإن كان في ذلك مزيد من التدهور في قوة الدولة التشادية التي نخرت الديكتاتورية العسكرية عمودها الفقري بحيث أصبحت تشاد مجرد شبح بين الدول , فإدريس ديبي حول العسكرية التشادية إلي مخزن موارد بشرية عسكرية للمساهمة في حرب يشتد أوارها بين فرنسا والمعارضة الإسلامية وغير الإسلامية المُسلحة في فضائي الساحل والصحراء , ولهذا فسيؤدي أي انسحاب أو خفض ملموس مُحتمل للقوات التشادية في مسرح القتال الفرنسي إلى تقويض قوة الساحل الخماسية G5 Sahel وعمليات بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد MINUSMA لتحقيق الاستقرار(لمصالح فرنسا) في شمال ووسط مالي حيث تتواجد قوات تشادية بعدة مناطق بهما لمواجهة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بما في ذلك منطقةKidal حيث نفذت الجماعة هجوماً في 2 أبريل , والأخطر أن تناقص المساهمة التشادية العسكرية في النهاية سيُؤثر بالسلب علي قوة عملية Barkhane العسكرية الفرنسية والتي يجري الحديث في الأروقة الفرنسية عن خفضها منذ ما قبل مصرع ديبي ويتزامن هذا مع إنتشار انتشرت شائعات عن خلافات داخلية بالجيش عقب مصرع الرئيس ديبي وهو ما أكده وقال جنرال من الزغاوة قبيلة الرئيس ديبي يسيطر على الجهاز الأمني إذ قال أن هناك “معسكرين” في الجيش حالياً , ويمكن النظر لهذا الوضع – إن حدث – في ضوء ما يُروجه الفرنسيين ووكلائهم من أن جبهة النصرة تسعى إلى تدهور واستبدال هياكل الحكم في هذه المناطق (هم يفترضون أن هذه النظم مفيدة أو مُنتجة لشعوبها مع أن أرقام البنك الدولي وغيره تدين هذه النظم التي أفقرت شعوبها وأثرت فرنسا) وأن أي إضعاف بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي قد يساعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في متابعة أهدافها الأوسع فقد أعلن قادة القاعدة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين عن عزمهم على التوسع في دول غرب إفريقيا الساحلية وبدأوا في استخدام مالي وبوركينا فاسو كمنصات انطلاق لهذا الجهد .
المعضلة التي تواجه فرنسا الآن هي أن عملية الإنتقال غير الدستوري للسلطة التي تمت عقب مصرع الرئيس لأبنه أثارت حنق المعارضة المُسلحة التي أعلنت عدم إعترافها بها بل وأثارت قطاع لا به داخل فرنسا نفسها , وفي مقابل ذلك أعلنت السلطة العسكرية الحاكمة يوم الأحد 25 أبريل رفض التفاوض مع المتمردين الذين شنوا هجومًا على العاصمة N’Djamena قبل أسبوعين , ففي بيان تلاه المتحدث العسكري للجيش التشادي Azem Bermandoa Agouna عبر تليفزيون Télé Tchad أعلن عن نوايا الجيش في قمع التمرد وطلب من النيجر المجاورة المساعدة في “القبض” على محمد مهدي علي زعيم المتمردين في جبهة الوئام والتناوب , وكانت هذه الجبهة قد أعلنت في 24 أبريل بعد وساطة بدأت في اليوم السابق بين الجيش والمتمردين من قبل رئيسي النيجر وموريتانيا في 24 أبريل عن إستعدادها لوقف إطلاق النار , وقد أعلن المجلس العسكري التشادي رفضه التفاوض , لكن علي مهدي قال مساء 25 أبريل “إذا كانوا يريدون شن حرب فسنشن حربا وإذا تعرضنا للهجوم فسوف نرد ” , وعلي العموم فقد صرح Idrissa Waziri مستشار الإتصالات لرئيس النيجر الجديد محمد بازوم في 26 أبريل 2021 أنه لم يجر أي اتصال مع زعيم المتمردين محمد مهدي علي (تفيد تقاريربأن المتمردين التشاديين أعداء نظام ديبي قد لجأوا إلى النيجر يستخدموها قاعدة وثوب لتشاد) وعلي كل حال هناك من يُشكك في قدرة رئيس النيجر بازوم في الوساطة إذ يقول المحلل النيجيري Moussa Aksar أن علاقات الرئيس بازوم بالسلطات التشادية وديبي على وجه الخصوص مصدر قلق مما يفقده الفاعلية في الوساطة , وتجدر الإشارة إلي أنه بالرغم من أن الرئيس Macronيعارض بشدة أي مفاوضات مع الإرهابيين في منطقة الساحل إلا أن حكومتا مالي وبوركينا فاسو فتحت قنوات مع بعض الجماعات المسلحة على الأقل لاستكشاف إمكانية الهدنات المحلية , وذلك ربما لإدراكهما المُبكر في أن الدرع العسكري الفرنسي لن يظل للأبد .
إن إستمر هذا الوضع المتوتر في الداخل التشادي فهو لن يؤثر فقط علي مساهمة تشاد العسكرية في قوة الأمم المتحدة في شمال مالي ولا في القوة الخماسية للساحل ولا القوة متعددة الجنسيات في بحيرة تشاد فحسب بل سيؤثر علي أداء القوات الفرنسية المُتمركزة داخل تشاد ويُلقي عليها واجبات إضافية كانت في غني عنها كما سيفتح باباً قد لا يُوصد بسهولة أمام الدبلوماسية الفرنسية يدخل منه إنتقادات في الداخل الفرنسي تتعلق بالتحالف مع أنظمة غير دستورية وهو دأب هذه الدبلوماسية المُضللة دائماً ,كذلك فسوف تستهلك الاضطرابات الداخلية في تشاد إذا إستمر العسكريين متمترسين خلف محمد إدريس ديبي وفرنسا طويلاً قوي تشاد المُستنذفة أصلاً في شمالي مالي ومعها قوة فرنسا العسكرية في حماية أمن الحدود الشمالية مع ليبيا التي يعد جنوبها مصدر الخطر الأكبر في المدي المنظور, وقد يفيد هذا الوضع المُضطرب حال إستمراره تنظيم الدولة الإسلامية الناشط على حدود تشاد مع نيجيريا حيث تنشط ولاية القاعدة في غرب إفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (ISWA) وكذا بوكو حرام حول بحيرة تشاد .
مستقبل الوجود العسكري الفرنسي والدور التشادي المتعاون :
بدأت فرنسا والدول المنضوية في قوة الساحل الخماسية G5Sahel بما فيها تشاد نفسها التفكير في مرحلة ما بعد إدريس ديبي , ولهذا إستدعي الأمرمبادرة الرئيس الفرنسي Emmanuel Macronالرئيس الغربي الوحيد الذي شارك في هذه الجنازة بعقد إجتماع مع رؤساء دول مجموعة الساحل الخماسية في N’Djamena علي هامش مشاركتهم في جنازة الرئيس التشادي لبحث موضوعات من بينها مستقبل التحالف القائم لمواجهة ما يُسمي بالإرهاب ومستقبل القوة العسكرية التشادية المُشاركة (1200 فرد)في القوة الخماسية والعاملة بمنطقة الحدود بين دول ثلاث بالمجموعة والتي تُدعي Liptako Gourma والتي من المُرجح خاصة مع تولي العسكريين التشاديين للسلطة الإنتقالية أن يستمر معظم أفرادها هناك .
خذ مثلاً بوركينافاسو ففي مذكرة أصدرها بتاريخ 26 أبريل 2021حزب Le Faso Autrement (تأسس في بوركينافاسو في 12 سبتمبر 2011) تضمنت دعوة قادة دول مجموعة الساحل الخماسية G 5 Sahel التي تأسست في 16 فبراير 2014 إلى “العمل على إقامة حوار مع المعارضين من أجل إيجاد حلول مناسبة لتخفيف معاناة سكان منطقة الساحل ” و أن هناك حاجة لطرح أسئلة موضوعية حول المستقبل القريب لمجموعة الساحل الخماسية وأنه يُخشي أن تختفي هذه القوة بعد مصرع ديبي كما إختفت قوة تجمل الساحل والصحراء (سين / صاد) بعد مصرع القذافي في 20 أكتوبر 2011 في سرت وأشارت تلك المذكرة إلي أن فعالية مكافحة الإرهاب في منطقة مهام مجموعة G 5 Sahel محدودة بسبب ضعف هذه الدول الأعضاء مما يجبرها على التعاون مع الجهات الفاعلة الأخرى (فرنسا) فالمجموعة تتكون من دول ضعيفة للغاية من وجهة نظر اقتصادية ومالية وأمنية وصحية وعسكرية مما يؤدي بالضرورة إلى اعتماد قوي على الجهات الفاعلة الدولية الأخرى”, كذلك قال مصدر أمني كبير في بوركينافاسو في 27 أبريل 2021 “أنه من المُؤسف للغاية أعدام 3 غربيين منهم إثنان أسبان على أيدي إرهابيين , وأضافت المصدر أن المهاجمين كانوا على متن سيارتين بيك أب و 12 دراجة نارية وإنهم سرقوا بعد الهجوم آليات وأسلحة مختلفة , وأشار مراسل فرانس 24 في مدريد أن وزير الخارجية الإسباني Arancha Gonzalez Laya أكد أن جثتين من الجثث التي عُثر عليها في بوركينا فاسو كانتا لصحفيين إسبان مفقودين وهم من شمال إسبانيا وكانا يعملان على فيلم وثائقي عن كيفية تعامل سلطات بوركينا فاسو مع الصيد الجائر وعن مجتمعات الأشخاص الذين يعيشون في الغابة .
في تقديري أن مصرع إدريس ديبي عرض كاشف ليس إلا , عن ضعف الإستراتيجية الفرنسية الفاشلة بمنطقتي الساحل والصحراء إذ أن فرنسا فضلت إستخدام القبضة العسكرية لإستلاب موارد دول هاتين المنطقتين بدلاً من الإساليب الحضارية في التعامل داخل المجتمع الإنساني , وبالتالي فلا أعتقد أن مصرع هذا الرجل / الأداة ليس سبباً لإضعاف التحالف الفرنسي مع دول المجموعة الخماسية للساحل G 5Sahel ولا حتي سبباً لتناقص الإسهام التشادي الذي يُضخم الإعلام الفرنسي أثره فيما يُعرف إعلامياً “بمكافحة الإرهاب” , فالإسهامات العسكرية التشادية ممولة من فرنسا ومن دول أخريليس لتشاد إسهام فيها إلا بالأفراد فقط , ففي 13 ديسمبر 2017 عُقدت قمة مُصغرة في Celle Saint-Cloud بالقرب من العاصمة الفرنسية ضم بجانب الرئيس الفرنــسي Macron رؤساء دول القوة الخماسية مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا (رفضت الجزائر الإنضمام لهذ ه الجهود) بهدف تسريع وضع القوة الخماسية موضع التنفيذ في ضوء إفتقاد التمويل اللازم والذي يُقدر حده الإدني آنئذ بنحو 250 مليون يورو , وقد أعلن الرئيس الفرنسي أمام هذه القمة عن تعهد السعودية بالمساهمة بنحو 100 مليون يورو وكذلك عن مساهمة الإمارات بنحو 30 مليون يورو وهو ما يفي بالإحتياج وفقاً للرئيس الفرنسي علي إعتبار أن مساهمتي الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ستسد الفجوة التمويلية المُتبقية , وقدرت الأوساط المعنية الفرنسية أن الإتحاد الأوروبي سيمكنه التعهد بمبلغ يتراوح ما بين 50 إلي 80 مليون يورو , ثم واصلت فرنسا جهودها من أجل أن تقف قوة الساحل الخماسية علي أقدامها فعقدت في 15 يناير 2018 إجتماعاً وزارياً في باريس ضم وزراء دفاع ورؤساء أركان دول قوة الساحل الخمس إستقبلهم وزيرة الدفاع الفرنسية (التي قامت بزيارة مالي في مستهل 2018) وحضر هذا الإجتماع ممثلي 8 دول مساهمة و3 منظمات هي الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي , ومما قالته وزيرة دفاع فرنسا فيه ” إن الهدف (من الإجتماع) هو الخروج بخارطة طريق وجدول زمني بالعمليات خاصة في المنطقة التي تلتقي عندها حدود النيجر ومالي وبوركينافاسو” , وأستمرت فرنسا في ب ذل جهودها الدبلوماسية من أجل عقد مؤتمر دولي عن الساحل لدعم تمويل إقامة القوة الخماسية و ذلك في بروكسل في 23 فبراير 2018 هو مؤتمر للمانحين , وكان واضحاً من الهيئة التنظيمية لإجتماع باريس الذي ضم وزراء الدفاع ورؤساء الأركان و8 دول مساهمة أن مشكلة التمويل كانت تمثل العقبة الرئيسية التي تُؤرق فرنسا التي يبدو أنها تعمل علي وضع القوة موضع التنفيذ بأسرع ما يمكنها لتخفيف العبء العسكري من علي كاهلها في شمال مالي ولمآرب أخري ليس أقلها التدويل العسكري لمنطقتي الساحل والصحراء .
يؤكد ما تقدم صحيفة Politico الإليكترونية الأمريكية التي أشارت إلي أن الرئيس Macron يجب أن يدرك أن استراتيجيته لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل من خلال محاربة الجماعات الإرهابية قد فشلت (وهو ما يرفض Macron الإعتراف به) مما يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يتدخل لتشجيع دول المنطقة على الانخراط في إصلاحات سياسية واقتصادية (يخصص الإتحاد حوالي مليار يورو سنويًا لبرنامج رئيسي للتنمية والتدريب الأمني والمساعدات الإنسانية بمنطقة الساحل) , فصحيفة تُشير إلي أنه “من خلال النظر إلى عدم الاستقرار في منطقة الساحل على أنه مشكلة لمكافحة الإرهاب يجب حلها عن طريق العمل العسكري ، وليس على أنه فشل عميق للحوكمة والتنمية الاقتصادية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والنمو السكاني السريع ” .
لكل ذلك ففي إعتقادي أن أزمة تشاد الحالية تمثل محنة لسياسة Françafrique ككل وهي السياسة التي اعتقد كثير من المراقبين الفرنسيين أنها أتت أكلها منذ وفاة الرئيس Mitterrand François , وهذا غير ممكن علي الأمد البعيد فهذه السياسة بالحسابات النهائية وبتبسيط شديد لا تخرج عن كونها شبكة سرية للغاية من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية المتشابكة التي تربط النخب الفرنسية والأفريقية أي أنها سياسة إدارة الفساد علي الجانبين .
بناء علي ما تقدم فإن مستقبل الوجود العسكري الفرنسي والدور التشادي المتعاون مُقبل علي تغييرات عدة يمكن تتبع إتجاهها من واقع الحقائق والأحداث التالية لمصرع إدريس ديبي وذلك علي النحو الآتي:
1- إعتمدت فرنسا في تمويل حملتيها العسكريتين في شمالي مالي وهما علي التوالي SERVAL وBARKHANE ( الأخيرة قرر الرئيس الفرنسي في فبراير 2021 الإبقاء علىها عند مستواها الحالي) إضافة إلي تكوينها لمجموعة الساحل الخماسية G 5 SAHEL علي شركاؤها العرب (السعودية والإمارات) والإتحاد الأوروبي وعلي مضض أسهمت الولايات المتحدة فيها , و من الواضح أن الإتحاد الأوروبي سيُجري تقييماً لعلاقته التمويلية والعسكرية مع الفرنسيين علي ضوء تناقص مردودية الدور العسكري الفرنسي فيما يتعلق بما يُسمي “محاربة الإرهاب” في الساحل , فالمفهوم الفرنسي للإرهاب بات مكشوفاً ومُستهلكاً للكثيرين كما أنه أصبح مُكلفاً للأوروبيين وهم يتابعون الأداء العسكري الفرنسي في الساحل الذي لا يخرج عن كونه تكرار لمستنقع أفغانستان الذي خاضته العسكرية الأمريكية طيلة 18 عاماً وقررت علي ضوء فشل مماثل للفشل الفرنسي الإنسحاب ودس أنفها في الرغام ولذلم تشعر فرنسا بالرعب جراء قرار الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان لأنه سيكون عليها أمام قطاع من الرأي العام الفرنسي الإعتراف بالفشل والإنسحاب من مالي والكف عن العناد إذ أن أمريكا فعلتها مما يمثل ضغطاً إضافياً علي القرار الفرنسي في هذا الشأن , نظراً لطول الفترة منذ عام 2012تاريخ بدء عملية Servalالتي إنغمست فيها العسكرية الفرنسية بدون تحقيق نتائج ملموسة في إجتثاث شأفة من يُطلق عليهم “إرهابيين” في الساحل الذين يزداد خطرهم علي مصالح فرنسا والأوروبيين كل يوم , لذلك من المُرجح أن يتناقص التضامن الأوروبي مع فرنسا هناك ومما يدل علي ذلك تصريح أدلت به وزيرة الدفاع الألمانية Annegret Kramp-Karrenbauerفي 27 أبريل أشارت فيه إلي أن هذه التحديات (الأمن في الساحل) لا يمكن أن تتغلب عليها أي دولة أوروبية بمفردها , لذلك فمن المهم ضمان قدر أكبر من الإستقلال الاستراتيجي الأوروبي وهي نقطة مشتركة مع فرنسا ، على الرغم من اختلاف الرؤى الاستراتيجية بين البلدين ” , لكن هذا التصريح الألماني لا يعكس إلا الحد الأدني من التضامن الألماني مع فرنسا فهناك في خلفية هذا التصريح اختلاف الرؤى الاستراتيجية بين البلدين , فكثيراً ما انتقدت فرنسا ألمانيا بسبب إحجامها عن التدخل العسكري وذكر تقرير صادر عن لجنة العلاقات الفرنسية الألمانية (Cerfa) الأسبوع الماضي أن دول الناتو ينفد صبرها بشكل متزايد مع “التحفظ الألماني”.
2- نشر موقع The Defence Post بتاريخ 22 ديسمبر ما 2020صرح مصدر به غير مُسمي بمكتب الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron حيث قال : “قد تدعم فرنسا المحادثات مع بعض العناصر الجهادية في منطقة الساحل المضطربة في أفريقيا ، وسيكون الحوار مع بعض عناصر مجموعة دعم الإسلام والمسلمين (GSIM) “ممكنًا ” .
3- يُلاحظ أن هناك إرتباكاً فرنسياً بين المؤسسات الدبلوماسية (الخارجية) والعسكرية والمالية (التمويل فهناك إشارات مُتضاربة مصدرها هذه المؤسسات إضافة للإعلام الفرنسي عن مستقبل الدور العسكري الفرنسي في منطقتي الساحل والصحراء فمثلاً في الأشهر الأخيرة بدا أن فرنسا تتجه نحو طلب المساعدة والدعم الأوروبي لمواصلة حربها بالساحل. وحول هذه النقطة بالتحديد , وجدير بالنظر أن إيطاليا إستجابت للدعوة الفرنسية وأنضمت إلى مهمة Takuba (عملية تهدف إلى رفع مستوى القتال ضد “الإرهاب” الجهادي في هذه المنطقة) وقد وصلت الوحدة الأولى مؤخرًا إلى مالي وفاء لإرتباط مخطط له يصل إلى 400 جندي , وفي تقديري أن ذلك يُشير إلي أنها أحد الصفقات الصغيرة بين فرنسا وإيطاليا في الملف الليبي فكلاهما يري أن التنسيق علي محور الساحل سيسمح بزيادة قدرة أوروبا على التدخل في منطقة الساحل ومنطقة حزام جنوب الصحراء بأكملها من القرن الأفريقي إلى خليج غينيا ، ووضعهما في نظام متكامل مما يؤدي مباشرة إلى استقرار ليبيا .
4- صرح رئيس نيجيريا Muhammadu Buhari في 27 أبريل 2021 في إجتماع علي الفيديو مع وزير الخارجية الأمريكي Antony Blinken أنه “بالنظر إلى سلسلة الاشتباكات الأخيرة مع المتمردين المسلحين بالإضافة إلى الجهود المستمرة لصد الجماعات الإسلامية المتشددة مثل بوكو حرام ينبغي على الولايات المتحدة التفكير في نقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM لأفريقيا وذلك في ضوء التحديات الأمنية المتزايدة في غرب ووسط أفريقيا وخليج غينيا ، ومنطقة بحيرة تشاد والساحل التي تثقل كاهل أفريقيا بشكل كبير مما يؤكد علي الحاجة إلى أن إعادة الولايات المتحدة النظر في نقل المقر الرئيسي لـ AFRICOM من Stuttgart في ألمانيا إلى أفريقيا لتكون بالقرب من مسرح العمليات” , وفي الجانب الفرنسي المقابل وإزاء تدهور الوضع في تشاد بعد مصرع ديبي فقد تبحث العسكرية الفرنسية إن تأزم الموقف في تشاد لدرجة لا تحتملها عن بديل لتشاد لإعادة تمركز القوة الفرنسية التي في تشاد وقوامها 5100 جندي , ومع أن ذلك الإنتقال يعد إحتمالاً ضعيفاً إلا أنه مُتصور خاصة إن إستطاعت المعارضة التشادية المُسلحة دخول N’Djamena , ومن بين أفضل الدول المُرشحة توجو (تساهم بنحو 1100 عسكري في القوة الأممية بمالي Minusma) فهي ليست في جوار مباشر مالي ولا النيجر ويعزلها عن بوركينافاسو وهي دولة موالية تماماً لفرنسا ومساحتها محدودة كما أنها تطل بميناء لومي علي المحيط الأطلسي وبالتالي فمن الوجهة اللوجيستيكية ستكون أفضل من تشاد , كما أن توجو بقدر ولائها للسياسات الفرنسية فهي نقطة وثوب صهيوني لأفريقيا ومنطقة الساحل علي وجه الخصوص , فقد عرض الرئيس التوجولي Faure Gnassingbé في لقاء بينهما في 9 أبريل (قبل مصرع ديبي) (بوركينافاسو) .
في الوقت الذي تواجه فيه العسكرية الفرنسية تداعيات وتحديات مزدوجة في منطقتي الساحل والصحراء جراء فقدانها أحد أكبر سدنة مصالح فرنسا في أفريقيا جنوب الصحراء وهو أدريس ديبي تواجه هذه العسكرية تصاعداً في عمليات المقاومة المُسلحة التي تستهدف ببساطة إخراج الفرنسيين من هذه الأراضي علي غرار ما فعلته طالبات بالقوات الأأمريكية والمتحالفة معها من أفغانستان , وهو وضع ربما تفضله العسكرية الأمريكية التي تنتابع الخطط البديلة لدي الفرنسيين للتعامل مع هذا الوضع الحرج المُتأزم ومنها خطة الإنسحاب تدريجي أو إعادة إنتشار أو كلي , فالعسكرية الأمريكية تعمل حالياً وفقاً لما نشرته The New York Times علي توسيع قاعدة تابعة وكالة المخابرات المركزية للطائرات المُسيرة بدون طيارفي Dirkou بمحافظة AGADEZبشمال النيجر (تم إنشاؤها منذ 3 سنوات إضافة إلي قاعدة أخري في نيامي) لاستخدامها في شن ضربات والمُراقبة بهذه الطائرات وتغطي هذه القاعدة مراقبة جنوب غرب ليبيا وأجزاء من منطقة الساحل في النيجر وتشاد ومالي .
5- هناك حديث ثار منذ شهور قليلة في منطقة الساحل عن خفض في القوات الفرنسية المُتمركزة هناك في شمال مالي علي نحو خاص وعن تفاوض قد يجري مع المقاومة الإسلامية المُسلحة , لكن الفرنسيين لم يُؤكدوا بصفة مُحددة ورسمية حديث الخفض ولا حديث التفاوض , لكن بعد قرار الإدارة الأمريكية إتمام الإنسحاب العسكري من أفغانستان في 11 سبتمبر 2021إزداد موقف فرنسا حرجاً خاصة وأن عسكريتها لا يمكن مضاهاتها بقوة العسكرية الأمريكية التي يرافقها قوات من حلف الأطلنطي NATO هناك وهو ما تفتقده فرنسا في الساحل تماماً خاصة مع إمتناع واضح عن مشاركة فرنسا من قبل قوة عسكرية قادرة كألمانيا مثلاً , وكأن بعض الدول الأوروبية ومنهم ألمانيا وحتي إيطاليا التي تتظاهر بالتنسيق مع فرنسا في الساحل إنطلاقاً من الملف الليبي , كأنهم يهدفون إلي المزيد من توريط فرنسا في مستنقع الساحل لإستنفاذ قواها , ويأبي الرئيس الفرنسي برغم تهاوي أحد أعمدته وهو الرئيس ديبي بمصرعه في معركة محلية في Kanem شمال العاصمة N’Djamena وبالرغم من أن عمليتي Serval و Barkhan لم تسجل نجاحاً يجعل المرء مُتاكداً من تناقص مخاطر التنظيمات الإسلامية (وغير الإسلامية) المسلحة في منطقتي الساحل والصحراء بل إنها زادت بل إن طول مدة المواجهة العسكرية مع الفرنسيين زادت عناصر هذه التنظيمات دربة ومران خاصة مع توفر حقيقة لا أعتقد أن الفرنسيين يغفلون عنها وهي أن الجيوش النظامية بدول الساحل قبلية أي أنها مُعرضة لإختراق دائم وتسرب معلومات لصالح التنظيمات المُسلحة التي تحاول المخابرات الفرنسىة بدورها إختراقها لكن حتي الآن المعركة أنهكت القوات الفرنسية , ومع ذلك يصرح الرئيس الفرنسي Macron في 16 فبراير 2021 بأن ” الإنسحاب الفرنسي سيكون خطأ ” وتعهد في تصريحه بالإبقاء على القوات الفرنسية بمنطقة الساحل للمساعدة في “قطع رأس” الجماعات المتمردة المرتبطة بالقاعدة والتي تكافح الحكومات المحلية لردعها , لكنه أي Macron إستدرك قائلاً ” لن يكون هناك سحب “فوري” لقوة Barkhane التي يبلغ قوامها 5100 فرد وأن فرنسا تتوقع أن يكون وجودها أخف بكثير بمرور الوقت , وأستطرد قائلاً بعد قمة فيديو مع زعماء بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر : “التغييرات التي من المرجح أن تكون مهمة سيتم إجراؤها على انتشارنا العسكري في منطقة الساحل عندما يحين الوقت لكن لن يتم إجراؤها على الفور”ثم أكد لهؤلاء الرؤساء علي أن الجهود ستركز الآن على محاربة جماعة دعم الإسلام والمسلمين (GSIM) وعلى وجه الخصوص إحدى مجموعاتها المسلحة الرئيسية كتيبة Macina المرتبطة بالقاعدة وفقاً لرؤيته وأستدرك Macron وكأنه ينبه عليهم بألا يتفاوضوا فقال : ” إن زعماء مجموعة الساحل الخماسية اتفقوا على عدم إجراء مفاوضات مع متمردين مثل إياد أج غالي زعيم جماعة GSIM أو Amadou Koufa من كتيبة Macina وهو أمر نظرت فيه حكومة مالي العام الماضي وقال إن هذين الرجلين “أعداء ولا يعتبران بأي حال شريكين في المناقشة”من أجل إنهاء التمرد وختم تصريحه بالقول بأن”فرقة العمل متعددة الجنسيات Takuba (عملية عسكرية أوروبية قوامها ألفي فرد تعمل بشمال مالي تحت قيادة فرنسا بالتنسيق مع قوة الساحل الخماسية وعملية Barkhane) يجب أن تتولى المسئولية .
لكن الأمر المؤكد برغم مزاعم العسكريين والساسة الفرنسيين أن فرنسا فشلت فشلاً مبيناً في الساحل وأكد ذلك Jean-Herve Jezequel دير مجموعة الأزمات الدولية (ICG) إذ قال : ” إن الاشتباك العسكري التقليدي فشل في توجيه ضربة قاضية وأن الجهاديين قادرون على إدارة ظهورهم وتجاوز النظام والاستمرار” , هذا التخبط الفرنسي بين الإنسحاب أو إعادة نشر القوات أوالإنسحاب التدريجي أوخطأ الإنسحاب وفقاً للتصريحات الفرنسية المختلفة , إنما يشير مدئياً بأنه لا توجد إستراتيجية فرنسية مُتماسكة لمرحلة ما بعد مصرع إدريس ديبي الرجل الوحيد القادر بين رؤساء دول الساحل الخمس المنضوية في G 5 Sahel القادر ولديه الجرأة ليقذف بجنوده في الموجات الأولي لأي قتال , ولست أري منطق من المبالغة في قدرة تشاد علي الحسم العسكري بينما قتل مسلحو بوكو حرام 92 جنديًا تشاديًا في الهجوم الأكثر دموية في تشاد في مارس 2020 , وعلي جثثة هؤلاء وغيرهم يتقدم الجند الفرنسيين ومع ذلك لم يفلحوا .
كل ذلك يعني بوضوح أن هناك “خطة” فرنسية لإنسحاب تدريجي لكنه العناد الفرنسي يكبح الإعلان عنها حتي لا تبدو فرنسا وهي تضعف أمام الرؤساء الأفارقة المساكين والذي بدأوا يفقدوا الكثير من صبرهم والأقل من ثقتهم في قدرات فرنسا العسكرية والإتجاه مباشرة للتفاوض مع المعارضة الإسلامية للوجود العسكري الفرنسي علي أراضيهم .
6- هناك تأثير سلبي بقدر ما جراء إنهيار أحد أعمدة التدخلات العسكريىة الفرنسية في الساحل علي عمليةعمليات بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد MINUSMA بشمال مالي حيث تتواجد القوات التشادية بعدة مناطق تعمل فيها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في شمال ووسط مالي بما في ذلك منطقة Kidal حيث نفذت الجماعة هجوم 2 أبريل , وقد يُؤدي إضعاف بعثة الأمم المتحدة تلك إلي تقوية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتحقيق أهدافها الأوسع مدي , إذ أن قادة القاعدة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين أعلنوا عزمهم على التوسع في دول غرب أفريقيا الساحلية وبدأوا في استخدام مالي وبوركينا فاسو كمنصات انطلاق لهذا , وفي سبيل تحقيق ذلك من المتوقع بالتضافر مع هجمات المعارضة التشادية المُسلحة بقيادة جبهة التغييروالوفاق أن تتحرك عناصر حركة نصرة الإسلام والمسلمين وتشن هجمات في تشاد أو ضد الجنود التشاديين المتبقين في قوة MINUSMA فقد سبق وأن حدد زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أج غالي تشاد كهدف في أبريل 2017 بسبب العلاقات الوثيقة بين تشاد وفرنسا وأعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم أسفر عن مقتل 10 من جنود حفظ السلام التشاديين التابعين للأمم المتحدة في شمال مالي في يناير 2019 رداً على تجديد تشاد العلاقات مع الكيان الصهيوني , وفي هذه الحالة ستضعف قبضة المجلس العسكري بقيادة أبن الرئيس ديبي وربما تتحول تشاد إلي بؤرة فوضي تمتد إلي شمالي مالي وشرق وجنوب النيجر وفي مرحلة تالية بوركينافاسو , وهذا هو السبب وراء جنوح قادة دول مجموعة الساحل الخماسية للتحرك إستباقياً نحو التفاوض فهم سيخسرون إستقرار وأمن بلادهم أما فرنسا فلن تخسر إلا بقدر ما هي علي إستعداد لخسارته وتحمله .
7- إزاء تعثر الإستراتيجية العسكرية الفرنسية في الساحل وتردد فرنسا في إتخاذ قرار حاسم بشأن تواجدها العسكري المُكلف هناك , ربما بادر الإتحاد الأوروبي أكبر شركاء فرنسا في عملياتها العسكرية بالساحل بمراجعة إستراتيجيته بالمنطقة الموضوعة منذ أكثر من 10 سنوات والقائمة علي نهج الأمن والتنمية , بمعزل عن الفرنسيين أو بالحد الأدني من التنسيق معهم , والإستراتيجية الأوروبية تلتقي جزئياً مع الفرنسية في أن كلاهما يسعي لضمان أمن بلدان منطقة الساحل والذي من المفترض بدوره أن يعزز النمو الاقتصادي ويحد من الفقر , وأدوات الأوروبيين في ذلك بذل الجهود الدبلوماسية بصفة متواصلة بالتضافر مع وجود عسكري وأمني أوروبي مكثف بالمنطقة بما في ذلك دعم القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس ، وضخ استثمارات كبيرة في التعاون الإنمائي والمساعدات الإنسانية المشكلة , ومع ذلك فماتزال التحديات الأخرى في هذه المنطقة هائلة : الصراعات والجفاف المتكرر الذي أدي لتناقص الأمن الغذائي (ازداد انعدام الأمن الغذائي بنسبة 25٪ في بوركينا فاسو و 91٪ في مالي و 77٪ في النيجر) والفيضانات المرتبطة بتغير المناخ والحوكمة الضعيفة والنمط الزراعي غير المناسب والنزوح القسري وعدم المساواة الاجتماعية , وجاءت طامة Covid-19 لتضيف عقبة اخري أمام الجهود الإنمائية الأاوروبية , مجمل هذه الأوضاع سواء علي صعيد دول الساحل أو الفشل الفرنسي في الحسم العسكري ألزم الإتحاد الأوروبي بمراجعة استراتيجيته لمنطقة الساحل وإعادة تحديد الجوار والتعاون الإنمائي الدولي ، ويعتقد الساسة الأوروبيين بالإتحاد الأوروبي أن مراجعة استراتيجية الساحل للاتحاد الأوروبي ستوفر فرصة لإصلاح نهجه بحيث يجب أن تضع الإستراتيجية سكان منطقة الساحل في قلبها وتلبية احتياجات الفئات الشعبية, كما أنه من الضروري الابتعاد عن النهج الذي يغلب عليه الطابع الأمني والتركيز أكثر على صمود السكان .
إذن سيكون علي فرنسا توقع إستراتيجية جديدة للإتحاد الأوروبي تولي أولوية أولي للتنمية قبل الأمن أو مُترافقة معه وستطبق بالاتفاق مع دول المنطقة ومع منظمات المجتمع المدني والسلطات الإدارية والمجتمعات المحلية من خلال حوار أكثر تنظيماً وانتظاماً مع بعثات الاتحاد الأوروبي وخدمات المفوضية الأوروبية وخدمة العمل الخارجي الأوروبي .
إن منطقتي الساحل والصحراء تُعدان من الإهتمامات الإستراتيجية الأوروبية خاصة الطاقوية , فللدول الأوروبية فرداي أو مجتمعة مصلحة في إستقرار وإستتباب الأمن بمنطقتي الساحل والصحراء وهنام مشروعين طاقوين في هذا الإطار الأول مشروع مؤسسة الألمانية لتوليد الطاقة الكهربائية من آشعة شمس الصحراء الكبري وتكلفته التقديرية 555 مليار يوروي ومتوقع أن يفي بنحو 25% من إحتياجات الطاقة الأوروبية , هناك مشروع آخر يتعامل مع المديين القصير والمتوسط لإستراتيجية أمن الطاقة الأوروبية وهو مشروع خط الأنابيب العابر للصحراء فسيمر خط أنابيب الغاز القادم من دلتا النيجر بنيجيريا المجاورة لتشاد مُخترقاُ إياها من جنوبها إلي شمالها حيث ولايات نيجيريا ذات الأغلبية المُسلمة ( بطول 1,050 كم ) ماراً بأراضي جار تشاد المباشر/ النيجر في صحراء العير AIR ( بطول 750 كم ) صاعداً للجزائر مُخترقاً ( بطول 2500 كم ) صحراءها المتسعة المفتوحة علي إمتداداتها في تشاد والنيجر بصحراء العيرAIR المفتوحة هي أيضاً علي صحراء شمال مالي المعروفة بالأزواد AZWAD حيث أنصارالدين وجماعة التوحيد والقتال MUJAO Al-Qaeda Organization in the Islamic Maghreb وهي منطقة يعتبرها الأوروبيون والأمريكان وغيرهما ملاذاً للتيار الإسلامي ” الإرهابي ” أو بالمفهوم المُنقلب للجهاد ” “جهاديون ” , وبعد هذه الرحلة التي يبلغ طولها 2800 ميل ( حوالي 4,300 كم ) يصل الخط موانئ الجزائر ومنها يعبر المتوسط ليصل للمستهلك الأوروبي , وهذا الخط يتكلف ما بين 13 إلي 20 بليون دولار, ولهذا فإن الإسهام الأوروبي في تنمية الص حراء الكبري (والساحل) لابد وأنه سيؤدي إلي إستقرار سياسي يوفر أفضل تأمين ممكن لخط انابيب الغاز العابرة للصحراء , هذا جزء مهم من المشاريع الطموحة والواقعية في نفس الوقت والتي تسعي فرنسا والإتحاد الأوروبي في إطار أعم إلي تحقيقها من أجل إستراتيجة صلبة ومنتظمة لأمن الطاقة , أو ليس ذلك بأمر يستحق من فرنسا التحرك بالقوة العسكرية في مستعمراتها السابقة حيث يحكم رجالها الأوفياء شعوب مقهورة تزداد فقراً وخشية من المستقبل .
8- إن موجات الغضب الشعبي بل وبعض النخب بمنطقتي الساحل والصحراء يدركون أن الدخل العسكري الفرني في المنطقتين منذ 8 سنوات أدي إلي تفاقم الأوضاع الأمنية ولم يؤد إلي أي درجة مقبولة من الإستقرار بل وأثر سلباً علي النسيج الإجتماعي في مجتماعاتهم القبلية ومن ثم أصبح الإتجاه العام علي المستويات الإجتماعية يميل إلي ضرورة التخلص من الوجود العسكري الفرنسي المقيت , وسيعقب ذلك وربما يُصاحبه في تقديري تجديد الدعوات للتخلص من التبعية الإقتصادية والنقدية لفرنسا من خلال إلغاء أو التفاوض مع فرنسا لإعادة تقييم الفرنك الأفريقي F CFAوهي العملة التي إبتكرتها فرنسا بعد إستقلال مستعمراتها عنها , التي من خلالها إمتص الإقتصاد الفرنسي خيرات إقتصاديات هاتين المنطقتين وأضاع حاضر ومستقبل شعوبها , فمازالت السياسات النقدية الإمبريالية الفرنسية من خلال قاعدة التبادل شبه الثابتة بين الفرنك الفرنسي (اليورو) والفرنك الأفريقي فرنك CFA F مُستمرة في شل الاقتصادات المحلية وتقويض الديمقراطية وتآكل السياسات النقدية / المالية بالفضاء الفرانكفوني بأسره , فالفرنك CFA إعادة تغليف للاستعمار إذ أصبح عملة رسمية في المستعمرات الفرنسية في إفريقيا (FCFA) خلال الحقبة الاستعمارية وبعد الاستقلال تحول ليكون فرنك الجماعة المالية لأفريقيا (F CFA) لغرب إفريقيا وفرنك التعاون المالي لوسط إفريقيا, فالحكومات الفرنسية المُتعاقبة متخصصة في إعادة صياغة الهياكل الاستعمارية باستخدام أسماء جديدة , وعندما قررت غينيا / كوناكري إبان عهد الرئيس أحمد سيكوتوري إصدار عملتها الوطنية الخاصة بها في عام 1960 وهي الـ Cyli ، نظمت فرنسا عملية تخريبية لزعزعة استقرار الدولة الجديدة ، وإرسلت عملاء مخابراتها لإغراق الاقتصاد بأوراق نقدية مزيفة وتعطيل كل شيء وكان هذا الموقف الفرنسي رسالة واضحة للبلدان الأخرىالمُرتبطة بالفرنك الفرنسي وتأسست قاعدة أدركها الحكام الأفارقة في مرحلة ما بعد الإستاقلال وهي قاعدة :” إذا كنت تريد البقاء في السلطة فيجب أن تكون على علاقة جيدة مع فرنسا ” .
الــتــقـــديــــر :
إختفاء الرئيس التشادي إدريس ديبي أعتبره في تقديري جرس إنذار أخير لفرنسا وعسكريتها للإنسحاب الآن بقليل من الكرامة من شمالي مالي والنيجر وتشاد قبل أن تضطر إلي الإنسحاب لاحقاً بلا كرامة علي غرار الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان المُقرر في 11 سبتمبر 2021 , فقد ظلت العسكرية الفرنسية منذ 2013 تحاول مواجهة المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية المُسلحة في هذه المناطق دون تحقيق نصر حاسم فالأرض تعمل لصالح مقاتليها كما أن هؤلاء المقاتلون مُؤمنون بقضية تتعلق بالعدالة والحق أما الفرنسيين فقضيتهم بلا محتوي جقيقي أو مُتفق عليه قضية الحفاظ علي نهب موارد ومقدرات شعوب هذه المناطق بلا حسيب أو رقيب تحت دعوي محاربة الإرهاب وهم صانعوه , وكل التظيمات العسكرية في منطقتي الساحل والصحراء محكوم عليها بالفشل فكلها مجتمعة لا تكافئ قوة الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان مُضافاً إليه دول من حلف NATO ومع ذلك فشلوا في الإتيان بنصر ولو رمزي , فهل تصدع فرنسا بما تؤمر فتنسحب قبل أن تدس المقاومة المشروعة أنفها في الرغام ثم لماذا تحلل فرنسا المقاومة السرية للنازي وتحرمها علي شعوب الساحل ؟
رأي اليوم