تقارير

السودان يستقبل فيلتمان ويخشى تحول سدّ النهضة لـ«سيف مرفوع على رقاب» مواطنيه

بدأ المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، أمس الجمعة، زيارة إلى السودان تتناول ملفات بينها أزمة سد النهضة الإثيوبي، في حين أكدت وزيرة الخارجية مريم صادق المهدي، أنه في حال عدم وجود اتفاق ملزم يضمن تحقيق فوائد سد النهضة للبلاد سيصبح السد «بمثابة سيف مرفوع على رقاب السودانيين» لكنها أشارت في تصريحات آخرى إلى أن الخلافات بشأن السد يمكن حلها خلال ساعات إذا توفرت الإرادة السياسية.
ووصل فيلتمان إلى العاصمة السودانية الخرطوم قادما من مصر ضمن جولة تشمل أيضا إريتريا وإثيوبيا وتستمر حتى 13 مايو/أيار الحالي، وفق وكالة الأنباء السودانية (سونا).
ويلتقي خلال الزيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ووزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، ووزير الري والموارد المائية ياسر عباس.
وأضافت (سونا) أن المباحثات ستتناول قضية سد النهضة، والتوترات الحدودية بين السودان وإثيوبيا، دون تقديم تفاصيل أخرى.
والأربعاء، التقى فيلتمان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في قصر الرئاسة شرقي القاهرة، بحضور سامح شكري وزير الخارجية ومحمد عبد العاطي وزير الري (ممثلي مصر في مفاوضات السد) والسفير الأمريكي في القاهرة جوناثان كوهين، حسب بيان للرئاسة المصرية.
وأضاف أن «اللقاء شهد التباحث حول عدد من الملفات الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، في مقدمتها تطورات ملف السد».
وأكد فيلتمان أن «الإدارة الأمريكية جادة في حل تلك القضية الحساسة نظرا لما تمثله من أهمية بالغة لمصر وللمنطقة والتي تتطلب التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة».
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، عينت الولايات المتحدة الدبلوماسي المخضرم فيلتمان كمبعوث خاص للقرن الأفريقي، وكلفته بعدة مهام بينها معالجة الخلاف حول سد النهضة.
وتصر أديس أبابا على ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/ تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق. فيما تتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من المياه.

مصلحة السودان

في الموازاة، أكدت وزيرة الخارجية مريم صادق المهدي، أنه في حال عدم وجود اتفاق ملزم يضمن تحقيق فوائد سد النهضة للبلاد، سيصبح السد «بمثابة سيف مرفوع على رقاب السودانيين».
جاء ذلك في لقاء تنويري لوفد التفاوض الحكومي في الخرطوم لأعضاء الحاضنة السياسية للحكومة (قوى الحرية والتغيير وشركاء العملية السلمية) في وقت متأخر مساء الخميس، حسب وكالة الأنباء السودانية.
وأوضحت أن «البوصلة الأساسية في مفاوضات سد النهضة هي مصلحة السودان اولا وأخيراً دون انحياز إلى أي طرف آخر على حساب مصلحة البلاد».
وأشارت الوزيرة السودانية إلى وجود فوائد لسد النهضة، مستدركة «لكن في حال عدم وجود اتفاق قانوني ملزم يضمن تحقيق تلك الفوائد قد يصبح هذا السد بمثابة سيف مرفوع على رقاب السودانيين».
المهدي صرحت كذلك لقناة «بي بي سي» موضحة أن بلادها قادرة على إرغام إثيوبيا على عدم المضي قدما في الملء الثاني لخزان سد النهضة من دون اتفاق.
وزادت أن الخلافات بشأن السد يمكن حلها خلال ساعات إذا توفرت الإرادة السياسي،
وأن موقف بلادها ثابت بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل، متهمة إثيوبيا بأنها لا ترغب في ذلك وإنما تسعى لفرض الهيمنة وتركيع الدول الأخرى.
كما أكدت أن هنالك تنسيقا بين السودان ومصر على أعلى المستويات بشأن سد النهضة. وقالت إن التنسيق يتم بصورة مستمرة وكبيرة لمنع إثيوبيا من ملء خزان السد من دون اتفاق.

واستبعدت اللجوء إلى الخيار العسكري إذا استنفدت كل الخيارات المتاحة، موضحة أن السودان سيواصل ما وصفته بالتصعيد السياسي والقانوني عبر اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والتحكيم الدولي.
وبالعودة للقاء مع «الحرية والتغيير» فقد تحدث وزير الري السوداني، ياسر عباس، مشيراً إلى «ضرورة وجود اتفاق قانوني ملزم لتبادل المعلومات اليومية لكيفية التشغيل، وذلك لضمان عدم تضرر أي طرف».

وأعرب حسب الوكالة السودانية، عن عدم رضاه من طريقة تعاطي الجانب الإثيوبي حالياً في المفاوضات.
وأضاف «لذلك أطالب بوجود طرف رابع يتمثل في وجود خبراء يعملون على تقريب الشقة بين أطراف العملية التفاوضية».
وأيضاً شدد رئيس الجانب القانوني في فريق التفاوض، هشام عبدو كاهن، على «صحة وعدالة الموقف القانوني للفريق السوداني وفق مبادئ القانون الدولي».
وأكد حسب الوكالة الرسمية «إقرار السودان بحق إثيوبيا في إقامة السد وفوائده التي سوف تعود على الأطراف».
في الوقت نفسه أشار إلى «وجود أضرار ومخاطر جسام قد تنجم من السد في حال عدم وجود اتفاق قانوني ملزم، لذلك يجب أن يكون هناك اتفاق قانوني».
وصدر بعد اللقاء بيان مشترك لـ «قوى إعلان الحرية والتغيير» (التيار المدني في الائتلاف الحاكم) وأطراف العملية السلمية (الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام في جوبا) جاء فيه أن «اجتمعت في قاعة المجلس التشريعي مكونات الحرية والتغيير وأطراف العملية السلمية بالوفد المفاوض في سد النهضة برئاسة وزيرة الخارجية مريم الصادق ووزير الري ياسر عباس، حيث قدم الوفد المفاوض حيثيات موقف السودان من الجوانب الفنية والقانونية والسياسية والدبلوماسية. وبعد التنوير والتداول فإننا نؤكد على موقفنا الثابت والحازم في الدفاع عن مصالح بلادنا العليا وحقوقها الثابتة في حدودنا ومياه النيل وصالح وحقوق أجيالنا القادمة في الأمن المائي والتي لا تتحقق إلا بالتوصل لاتفاق قانوني وملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح كل الأطراف».
كما جاء في البيان «لا نقبل السياسات الاحادية وفرض الأمر الواقع والإضرار بالمصالح الحيوية لبلادنا وتهديد وسلامة تشغيل منشئاتنا المائية والتأثير السلبي على قدرتنا على تنظيم السيطرة على مواردنا المائية بما يضمن سلامة وأمن المواطنين وري مشاريعنا الزراعية وتوليد الكهرباء والحفاظ على الأنظمة البيئية والحد من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية السالبة لسد النهضة والتعويض العادل عن هذه الخسائر».
وزاد: «نقر ونعترف بحقوق الجارة إثيوبيا في الاستغلال الحالي والمستقبلي لمياه النيل وفقاً للقانون الدولي ومبادئ الاستغلال المنصف والمعقول لموارد المياه العابرة للحدود دون إلحاق ضرر ذي شأن بدول المصب».

تبادل المنافع

كما «نتطلع إلى تحويل مشروع سد النهضة الاثيوبي العظيم إلى نواةً وأساس لتعاون إقليمي إيجابي لتبادل المنافع والاستفادة المشتركة والمتبادلة من كل الموارد لتلبية احتياجات كل الأطراف وتحقيق الأمن المائي والغذائي لصالح تقدم وازدهار كل شعوب المنطقة».
وأضاف «نرفض تحويل السد الذي شيد بالدعم والتعاون الثنائي إلى أداة للهيمنة والسيطرة ووسيلة سياسية لتعديل التوازنات الإقليمية لتحقيق أهداف تتجاوز الأهداف المعلنة للمشروع والمتمثلة في توليد الكهرباء، وندعو لتعاون استراتيجي بين كل الأطراف، ونؤكد على حرصنا على التوصل لاتفاق يحفظ حقوق جميع الأطراف، لذلك جاء مقترح الوساطة الرباعية، والانفتاح على كل المبادرات الدولية».
ودعا التجمع «الحكومة الإثيوبية إلى تغليب صوت العقل والمصلحة المشتركة والعلاقات التاريخية بين شعبيّ بلدينا للتوصل إلى حل متفاوض عليه يفضي لاتفاق قانوني ملزم يخاطب مصالح ومخاوف كل الأطراف».
كما دعا «كافة قواعدنا السياسية والاجتماعية للاصطفاف الواسع حول التأكيد على سودانية الفشقة وسيادة السودان على أراضيه، وخلف موقفنا التفاوضي ونجدد ونؤكد ثقة شعبنا في قدرة أجهزته المختصة وفريقه المفاوض على حماية مصالح بلادنا العليا».
وحثّ «الحكومة وفريقها المفاوض للتشاور المنتظم مع القوى السياسية والشعبية والاجتماعية في البلاد لتبادل وجهات النظر بما يعزز قدرتها على الدفاع عن مصالح بلادنا العليا».

«هروب إلى الأمام»

في الموازاة، اعتبر السفير عبد المحمود عبد الحليم، سفير السودان السابق في القاهرة، أن الاتهامات والادعاءات الإثيوبية للسودان بتدريب مجموعات مناوئة لها لا تقوم على أي أساس أو صدقية بخلاف أنها هروب إلى الأمام من وطأة الوضع الداخلي في إثيوبيا.
وقال لـ«المصري اليوم»: «نرحب بزيارة رئيس الكونغو للسودان ليس فقط انطلاقا من واقع العلاقات الطيبة التي تربط بين البلدين والشعبين ودور السودان الإيجابي في إطار منظمة البحيرات العظمى التي تضم البلدين، وإنما أيضا في إطار أن الكونغو تترأس حاليا الاتحاد الأفريقي الذي أشدنا بدوره في مساعي حل المشكلات الأفريقية بواسطة أبناء القارة».
وتابع: «بالطبع فإن الرئيس تشيسيكيدي قد وقف على وجهة نظر السودان بشأن موضوع سد النهضة من خلال زيارة وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي لكينشاسا مؤخرا، وسوف تتيح الزيارة تأكيد رؤانا حول سبل ووسائل اخراج المفاوضات من النمط الدائري الذي لازمها دون تحقيق النتائج المرجوّة ».
وردًا على سؤال حول تزامن زيارة رئيس الكونغو الديموقراطية مع الجولة التي يقوم بها المبعوث الأمريكي للمنطقة، قال عبد الحليم «لعبت الولايات المتحدة دورا هاما في السابق رغم عدم بلوغه النجاح، وقد رحبت الحكومة السودانية بمهمة المبعوث الأمريكي الجديد الذي نأمل أن يدفع بأمر تحقيق اتفاق قانوني ملزم للملء الثاني والتشغيل كأولوية ومناهضة أي إجراءات أحادية تقنن لوضعنا أمام الأمر الواقع، وندعم جهود المبعوث انطلاقا من موقفنا الداعي بأن يكون النهر ساحة للتعاون وليس للصراع، وأن يكون الجميع رابحا».
وكانت إثيوبيا اتهمت الخرطوم بتدريب مجموعات مناوئة للحكومة الإثيوبية، وهو ما ردت عليه الخارجية السودانية، معتبرة الادعاءات الإثيوبية محاولة « للهروب من أزماتها الداخلية».
وأمس الجمعة، قال وزير الدولة في وزارة الخارجية الإثيوبية السفير رضوان حسين، إن مخاوف السودان بشأن سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق «يتم التعامل معها بشكل كاف».
وأضاف خلال جلسة عقدها مع سفراء مجلس السلام والأمن التابع للأمم المتحدة ودول أمريكا اللاتينية المقيمين في إثيوبيا أن «الطريقة العملية للخروج من المأزق بشأن محادثات سد النهضة تتمثل في مواصلة وإنهاء عملية المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان».
ودعا إلى «تعزيز دور المراقبين والخبراء لمساعدة الكونغو الديمقراطية، التي ترأس لاتحاد الأفريقي وتقود المفاوضات حاليا، في دفع المباحثات إلى الأمام».

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى