السيطرة في البحر الأحمر
بعد 30 يونيو، وإنقاذ مصر من مخطط السقوط فى براثن الإرهاب، تغيرت الفلسفة السياسة والعسكرية للإدارة المصرية، فاتجهت إلى تنويع مصادر السلاح والتزود بأحدثها، وبناء القواعد العسكرية التى أعطت للجيش المصرى ثقلًا وترتيبًا متقدمًا بين جيوش العالم، فأصبح التاسع عالميًا، والأول إقليميًا، فضلًا عن تأمين جميع الحدود المصرية، ومجابهة أى تحديات تواجه العمق الاستراتيجى.
قاعدة برنيس الجنوبية تشكل مع قاعدة محمد نجيب العسكرية الشمالية نقطتى ارتكاز للقوات المسلحة المصرية ضمن رؤية مصر المستقبلية.
فى منتصف شهر يناير عام 2020، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي- القائد الأعلى للقوات المسلحة قاعدة برنيس العسكرية أو «رأس بناس»، الواقعة جنوب شرق البحر الأحمر، والـمجاورة لمطار برنيس الحربى شرق أسوان.
أقيمت قاعدة برنيس فى أقل من عام على مساحة 150 ألف فدان، وتعتبر ثانى قاعدة عسكرية فى مصر، وأكبر قاعدة بحرية وجوية فى البحر الأحمر، حيث تضم عددًا من الممرات كل منها بطول 3 آلاف متر وعرض من 30 إلى 45 مترًا، بالإضافة لعدد من دشم الطائرات ذات تحصين عال، وهنجر عام لصيانة وإصلاح الطائرات.
كما تضم قاعدة جوية تشمل 45 مبنى ومنطقة إدارية تشمل 51 مبنى، إلى جانب قاعدة بحرية متطورة ذات أرصفة حربية، وأرصفة أخرى لتخزين البضائع العامة وساحات تخزين الحاويات، ومحطة استقبال ركاب، ومطار مدنى يتكون من ممر بطول 3650مترًا وعرض 60مترًا وترمك مدنى يتسع لنحو ثمانى طائرات وصالة ركاب لاستيعاب 600 راكب فى الساعة وبرج مراقبة بطول 58 مترًا.
تحتوى قاعدة برنيس أيضًا على العديد من ميادين الرماية، وتشمل مستشفى عسكريًا مجهزًا بأحدث التجهيزات الطبية، كما تضم محطة لتحلية مياه البحر بطاقة 3400 متر مكعب فى اليوم، وقد تم ربط جميع المنشآت بشبكة من الطرق الرئيسية بإجمالى أطوال 40كيلو مترًا وطرق داخلية بالقاعدة العسكرية بأطوال تصل إلى 110 كيلومترات أعمال الشبكات والمرافق وعدد من الأعمال الصناعية لمواجهة أخطار السيول.
تتنوع المنشآت العسكرية لقاعدة برنيس العسكرية، حيث تضم فى الشق البحرى رصيفًا حربىًا بطول ألف متر وعمق 14 مترًا، تسمح بمتطلبات الوحدات البحرية ذات الغاطس الكبير مثل الميسترال والفرقاطات والغواصات، فيما تضم القاعدة العديد من ميادين التدريب، وجار العمل على إنشاء ميناء تجارى يضم عدة أرصفة بطول 1200 متر وعمق 17 مترًا وعدد من المنشآت الخدمية.
مسافة السكة
تأتى الأهمية الاستراتيجية لقاعدة برنيس العسكرية من وقوعها فى أقصى الجنوب الشرقى لمصر، كما أن المنطقة متلازمة مع أهمية مضيق هرمز، ومع أهمية الخليج العربى على خريطة الاستراتيجيات العالمية، تعد سهلًا ساحليًا ضيقًا وسط سلاسل جبال البحر الأحمر تمنح تفوقًا استراتيجيًا لمن يتحصن ويتركز بها، وعندها تتوافر أقل مساحة بحرية على شاطئ البحر الأحمر بين مصر والسعودية، وأقل مساحة طيران بين مصر والخليج العربى كله، كما تعد نقطة عبور استراتيجية إلى منطقة القرن الإفريقى، ونقطة التقاء بحرية وجوية بين قارتين وثلاثة بحار استراتيجية ومحيطين كبيرين.
وقد أدخلت فى قاعدة برنيس العسكرية، أحدث الفرقاطات ولنشات الصواريخ والغواصات وحاملات المروحيات الميسترال بما لها من خواص استراتيجية وتكتيكية تعزز من القدرات الهجومية والدفاعية للجيش المصرى، ليكون على أهبة الاستعداد فى أى وقت.
ويؤكد اللواء طيار د. هشام الحلبى – المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا – أن الهدف الاستراتيجى لإنشاء قاعدة برنيس العسكرية هو حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية وتأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها، فضلًا عن حماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية فى نطاق البحر الأحمر.
ويشير اللواء الحلبى إلى أن ضرورة وجود قواعد عسكرية فى مصر يرجع لعدة أسباب، أولًا: مهام تدريبية، لأن القواعد تستوعب حجمًا كبيرًا من القوات من تخصصات مختلفة، وبالتالى تستطيع أن تتدرب فيها على الأسلحة الحديثة والمتطورة، كما تتيح هذه القواعد التدريب بين جميع التخصصات معًا لأن أى معركة فى الأساس هى معركة أسلحة مشتركة.
أما من الناحية العملياتية فقاعدة برنيس يمكن الاعتماد عليها هى وقاعدة نجيب وغيرهما من القواعد العسكرية فى مصر لحماية المنشآت عالية القيمة فى البحر الأحمر أو المتوسط، وتأمين حقول البترول وغيرها من الأهداف الحيوية، فهى تعد مركزًا لانطلاق القوات المسلحة المصرية لتنفيذ أى مهام توكل إليها فى هذا النطاق برًا وبحرًا وجوًا.
يرى اللواء د.هشام الحلبى أن بعد 30 يونية، تم تغيير الاستراتيجية المصرية فى بناء وتحديث الجيش المصرى، وخاصة بعد التنبؤ بوجود إرهاب عابر للحدود داخل المنطقة ترعاه دول بأكملها، وبالتالى سيستهدف إمكانيات قد تكون على الحدود، أو يتم التخطيط لها من خارج الحدود، وهنا تأتى المهمة فى تدمير تلك المخططات قبل أن تصل لداخل مصر، وبناء عليه اتجه الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى بناء القواعد العسكرية الموزعة بشكل استراتيجى على جميع أنحاء الجمهورية، وتهدف إلى الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وحماية الحدود البحرية والجوية والبرية.
صباح الخير