المغرب يراهن على خط أنبوب الغاز مع نيجيريا لدعم التنمية في أفريقيا
مشروع إستراتيجي يعزز النفوذ الإقليمي للرباط كمنافس لنورد ستريم 2
اقتحم المغرب مشاريع الطاقة العالمية من أوسع الأبواب مع استعداده لبناء خط أنبوب غاز مع نيجيريا من شأنه أن يعزز النفوذ الإقليمي للمملكة من خلال قدرة هذا المشروع الإستراتيجي على منافسة خط الأنابيب الروسي نورد ستريم 2 وسيخفف التبعية الأوروبية لموسكو في هذا المجال، كما ستكون للمشروع فوائد اقتصادية هامة حيث سيشجع في حال إتمامه على اندماج بين منطقتي شمال وغرب أفريقيا، فضلا عن تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع مد الكهرباء.
عاد الحديث مجددا عن مد خط أنبوب غاز يربط المغرب بنيجيريا، بعد 5 سنوات من طرحه رسميا بين البلدين، وأربع سنوات على توقيع اتفاقية تفاهم لإنشائه، وهي خطوة تكتسي أهمية إستراتيجية لتداعيات وفوائد هذا المشروع على التنمية والاندماج الاقتصادي في القارة الأفريقية. وأعلن المدير العام لمؤسسة البترول الوطنية النيجيرية (حكومية) يوسف عثمان الثلاثاء أن الحكومة الفدرالية النيجيرية تستعد لبناء خط أنبوب غاز بين نيجيريا والمغرب. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بخاري قد اتفقا في ديسمبر سنة 2016 في العاصمة أبوجا على إنشاء هذا الخط الذي يتوقع مروره عبر 11 دولة.
يرى خبراء أنه بعد تضاعف الطلب العالمي على مادة الغاز الطبيعي المُسال أصبحت الحاجة كبيرة إلى الأنابيب العابرة للقارات التي تنقل تلك الطاقة، والتحكم بالمسار الجغرافي الذي تسلكه للوصول إلى الأسواق الأوروبية عبر تلك الأنابيب الضخمة، وهذا ما يجعل إنشاء أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا في اتجاه القارة الأوروبية يكتسي أهمية جيوإستراتيجية بالغة تتعلق بالأمن الطاقي والاندماج الاقتصادي والاجتماعي لمجموعة الدول التي يمر منها الأنبوب.
دواعي المشروع
يؤكد بعض الإستراتيجيين ومراكز الدراسات أن مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب ستكون له أهمية قصوى في المنطقة، وأن الإسراع بإنجازه يدخل في نطاق خاص وعام يتعلق بالسيطرة على موارد الغاز الطبيعي وممراته الجغرافية، ومثل هذه المشاريع باتت جزءا أصيلا من القوة الجيوسياسية في العالم اليوم. ومن هنا يمكن إدراك معنى التركيز المغربي – النيجيري في هذه المرحلة على الإسراع في إنجاز المشروع، الذي سيعزز موقعهما الجيوإستراتيجي المهم في المنطقة. وأوضح عثمان في حواره مع صحيفة “Nigerian News Direct” أن “الحكومة النيجيرية استكملت خطط تجسيد هذا المشروع الكبير”، مشيرا إلى أن “إنجازه تجسد بتوقيع اتفاق بين المغرب ونيجيريا في السنوات الأخيرة”.
تم توقيع اتفاق تعاون ضخم بين الرباط وأبوجا في يونيو سنة 2018، لمد أنبوب للغاز يربط بين البلدين عبر المحيط الأطلسي في غرب أفريقيا وذلك بمناسبة زيارة رسمية قام بها الرئيس بخاري إلى المغرب آنذاك، حيث يقوم المشروع على مد خط إلى المغرب من أنبوب للغاز مستخدم منذ العام 2010 يربط بين نيجيريا وبنين وتوغو وغانا. ويمتد خط أنبوب الغاز برا وبحرا على طول يناهز 5660 كيلومترا، وسيتم تشييده على عدة مراحل ليستجيب للحاجيات المتزايدة للدول التي سيعبر فيها وأوروبا خلال الـ25 سنة القادمة. وتقدر تكلفة خط الأنابيب بـ25 مليار دولار أميركي، وسيتم الانتهاء منه على مراحل.
رداً على سؤال حول الجدول الزمني لإنجاز خط الأنابيب، أوضح المسؤول النيجيري أنه “تم الانتهاء من دراسة الجدوى، ويجري التصديق على قرار التمويل النهائي”، موردا أن نيجيريا ستطلق في السياق ذاته المخطط المديري لعشرية الغاز لتعزيز قابلية استمرار هذا المشروع الكبير. وتقوم المرحلة المقبلة على إشراك الدول التي سيعبرها الأنبوب والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، ومقاربة الزبائن الأوروبيين، وبدء محادثات مع بنوك دولية للتنمية بهدف الوقوف على مدى استعدادها لتمويل هذا المشروع، وتحضير الوثائق الأولية.
حسابات سياسية واقتصادية
ارتباطا بالحسابات الاقتصادية وبالاعتبارات السياسية والإستراتيجية البعيدة المدى، تقفز إلى السطح مشكلة خط أنبوب الغاز الذي يربط إسبانيا والمغرب والجزائر الذي أنشئ بموجب اتفاقية موقعة بين الأطراف المعنية لمدة 25 سنة، تنتهي في نوفمبر المقبل. وفرضت الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا على المغرب عدم تجديد تلك الاتفاقية والاستغناء عن هذا الخط القادم من الجزائر التي بدورها وظفت الخلاف في مواصلة عدائها الممنهج ضد المملكة.
يشير محسن الندوي رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية في حديثه لـ”العرب” إلى أن “المغرب وبرؤيته الإستراتيجية استبق تداعيات الأزمة الدبلوماسية بين الطرفين التي انتقلت إلى الجانب الاقتصادي، بمشروع جيوإستراتيجي مهم وهو إنشاء أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا، خامس أكبر مصدر للغاز في العالم والأول في أفريقيا”.
ورغم أن المحللين الجزائريين ينكرون تأثير مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب على وضعية تصدير الجزائر للنفط والغاز إلى أوروبا، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الخط المزمع الشروع في تنفيذه انطلاقا من نيجيريا سيؤثر لا محالة على القوة التصديرية للجزائر على مستوى الكلفة والقيمة التجارية.
ولفت الندوي إلى أن خط المغرب – نيجيريا للغاز سيجهض حلم الجزائر بإنشاء مشروع خط أنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر ونيجيريا.
كما من شأنه أن يعزز النفوذ الإقليمي المغربي من خلال اندماج اقتصاد المملكة مع دول الجوار الأفريقي الغربي، إضافة إلى العمل على تحقيق الاندماج الاقتصادي بين شمال وغرب أفريقيا، حسب تقديره.
ويعتقد خبراء في الاقتصاد أن أوروبا تعد من المستهلكين للغاز وترى في المشروع الأفريقي خيارا مهما يخفف تبعيتها لروسيا في هذه المادة الحيوية، خصوصا وأن ألمانيا تستورد نحو 30 في المئة من احتياجاتها النفطية والغازية من روسيا، إذ قامت روسيا بتنفيذ بعض هذه الخطوط لنقل الغاز إلى شمال أوروبا وجنوبها، لتعزيز موقعها في سوق الطاقة الأوروبي على المدى البعيد، وأبرز هذه الخطوط “السيل الشمالي” و”السيل الجنوبي”، اللذان يتجهان إلى أوروبا عبر بحر البلطيق والبحر الأسود.
تبعا لذلك يدعم الأوروبيون والأميركيون خطوطا أخرى للحدّ من هيمنة الروس على سوق الطاقة الأوروبي والعالمي، ويعد خط أنابيب الغاز النيجيري الذي يمر من المغرب وعدد من الدول الأفريقية نحو أوروبا، بديلا لخط أنابيب الروسي نورد ستريم 2. ويبيّن خبراء الاقتصاد أن الأوروبيين يهمهم ضمان استقرار تدفق هذه المادة والتكلفة، وهذا ما سيساعد في تحقيقه عامل الاستقرار السياسي في بلدان المنشأ وبلدان العبور، وهو ما يتحقق واقعيا في المسار الجغرافي لهذا الخط.
اعتبر الندوي أن روسيا تبدو قلقة من خسارة سوق غرب أوروبا التي من المرجح أن تستغني عن الغاز الروسي أو جزء منه بالاعتماد على البدائل الواردة من نيجيريا عبر الخط الجديد. وفي تقديره، ينبغي على روسيا أن تدرك أن المغرب بات قوة إقليمية ذا بعد إستراتيجي وله أوراق ضغط يستطيع التحكم بها أمام موقف موسكو اتجاه قضية الصحراء المغربية في مجلس الأمن الدولي.
أكدت وكالة Newslook الأميركية أن مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي سيخدم مصلحة أوروبا والولايات المتحدة، وسيفيد واشنطن اقتصاديا وسياسيا بالإضافة إلى حوالي 300 مليون مواطن أفريقي. ويتحمس نورمان رول المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، الذي أدار العديد من البرامج السياسية والاقتصادية وبرامج الطاقة في الشرق الأوسط، إلى خط الغاز بين نيجيريا والمغرب، معتبرا أنه سيكون مهمّا سواء للولايات المتحدة والأوروبيين وكذا للأفارقة، ونظرا إلى أن المغرب الشريك الاقتصادي والسياسي المستقر الذي يمكنه قيادة جهد اقتصادي وسياسي في هذه المنطقة.
من وجهة نظر إستراتيجية، لا يمكن للأوروبيين والنيجيريين أن يغامروا بالتوجه إلى الطريق الذي اقترحته الجزائر والذي سيمر لا محالة بدول الساحل والصحراء وما تعرفه من عدم استقرار، ما يجعل المشروع المغربي – النيجري آمنا ومستقلا عن أي قوة دولية. وعلى مستوى العلاقات المغربية – الأوروبية، فإن تحقيق هذا المشروع من شأنه تعزيز التعاون المغربي مع الاتحاد الأوروبي. ويتوقع الندوي أن يحقق المشروع نقطتين هامتين: الأولى، تراجع الاتحاد الأوروبي عن دعم إسبانيا في أزمتها الدبلوماسية مع المغرب التي ما فتئت تستقوي بالاتحاد الأوروبي وتعتبر أن مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين مدينتين أوروبيتين.
ثانيا، إن الاستفادة الأوروبية الكبيرة من هذا المشروع الغازي ستدخل في إستراتيجية أوروبا العامة لتنويع مصادر الطاقة والافتكاك من الهيمنة الروسية على مجال الطاقة حيث تزود روسيا السوق الأوروبية بأكثر من 40 في المئة من استهلاكها من الغاز الطبيعي.
يضمن مشروع خط الغاز المغربي – النيجيري فوائد اقتصادية وتنموية للدول التي يمر منها ويخدم إلى حد كبير أهداف التنمية في القارة الأفريقية الغربية، ما يجعل القارة تمتص البطالة وتفتح فرص العمل أمام شبابها، ما من شأنه أن يخفف من الهجرة غير النظامية نحو أوروبا عبر المغرب. ويحصي الندوي الفوائد الاقتصادية بتأكيده أن هذا المشروع الإستراتيجي من شأنه تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والجيوإستراتيجية للمغرب، حيث ستتم الاستفادة من تدفق الغاز بشكل مستمر بأثمان مناسبة، وهو ما سيخفض من الفاتورة الطاقية للمغرب وكلفة الطاقة التي تشكل عنصرا أساسيا في الواردات الحالية تعزيز العلاقات بين المغرب والدول الأفريقية التي سيمر منها خط الغاز وربحها لصالح القضية الوطنية سياسيا والتعاون الاقتصادي في منطقة غرب أفريقيا. كما سيساهم المشروع في تحقيق الإقلاع الاقتصادي للصحراء المغربية بعد اقتراب الحل النهائي لهذا الملف.
يجمع الخبراء على أن الفائدة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية ستعم على كل الدول التي سيمر منها أنبوب الغاز، وهي بينين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا. ويعكس هذا المشروع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية القوية بين المغرب ودول أفريقيا. ويؤكد المغرب أن الجدوى الاقتصادية من هذا المشروع أنه سيشجع على اندماج بين منطقتي شمال وغرب أفريقيا، فضلا عن تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع مد الكهرباء، كما أقرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا خط أنابيب الغاز البحري المغربي – النيجيري بهدف تعزيز التكامل الإقليمي وتعزيز أمن الطاقة لدول غرب أفريقيا.
كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد قيمت بشكل إيجابي مشروع أنبوب الغاز المغربي – النيجيري، معتبرة أنه سيحقق تفوقا للاستثمار المتبادل وللتعاون الاقتصادي بين الدول التي يمر منها الأنبوب من خلال التركيز على تطوير مجموعة من القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية الإستراتيجية.
العرب