بايدن في علاقة مضطربة بحروب الولايات المتحدة
منذ أن تولى بايدن منصب نائب الرئيس في عهد أوباما لم يبرهن في الواقع على مواقف متجانسة في الأمور العسكرية
عندما ألقى الرئيس السابق دونالد ترامب خطاب تنصيبه في العشرين من يناير عام 2017 تعهد بوقف “المذبحة الأميركية”، مؤكدا أنه الوحيد القادر على إصلاح أمة معطلة تواجه واقعا كئيبا.
ومع اختتام رئاسته في يناير الماضي كان قد خلف وراءه “مذبحة أميركية” أكبر تجلت في بلد أكثر انقساما يموت فيه الآلاف يوميا بوباء كوفيد – 19، فضلا عن اقتصاد تضرر بشدة وعنف سياسي متصاعد، وليس أقله مسألة انتشار القوات الأميركية في الخارج، التي لم يجد طريقة ملائمة لمعالجتها رغم كل الخطط التي أعلن عنها.
واليوم يريد خلفه الديمقراطي جو بايدن، الذي أعلن الأربعاء الماضي عن بدء خروج القوات الأميركية من أفغانستان، تقديم نفسه على أنه معارض شرس لـ”حروب أميركا التي لا نهاية لها”، وكذلك ربما بسبب هاجس تصويته المثير للجدل لمصلحة التدخل في العراق في عام 2003، والذي ما زال يلاحقه إلى الآن.
وعبر رئيس الولايات المتحدة الحالي والبالغ من العمر 78 عاما مرات عدة عن ندمه على موافقته، عندما كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية التي تتمتع بنفوذ كبير في مجلس الشيوخ، على غزو العراق في إطار “الحرب على الإرهاب” في عهد الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش.
وما زال هذا التصويت الذي جرى قبل عشرين عاما وصمة في مسيرته السياسية الطويلة. وفي كل المناظرات انتقده بيرني ساندرز، الذي كان منافسه الرئيسي في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر نوفمبر الماضي، على هذا الخيار على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون.
وفي كل مرة بدا السياسي السبعيني نادما؛ فقد اعترف مثلا في يوليو 2019 بأنه “ارتكب خطأ في الحكم”. لكن الاعتراف لا يزال جزئيا، ويكشف عن علاقة بايدن المضطربة بالحروب في بلاده.
وقال السياسي الديمقراطي النافذ خصوصا إنه أخطأ في تلك الفترة بوضع “ثقته” في الرئيس بوش، الذي أكد له أنه طلب من الكونغرس الإذن باستخدام القوة لممارسة ضغط دبلوماسي على نظام صدام حسين. وعندما جرى الهجوم في شهر مارس 2003 قال بايدن “عبرت عن معارضتي”.
لكن الوقائع عكس ذلك، ففي صيف 2003 وبعد أشهر من اندلاع الأعمال العدائية ضد العراق كان السناتور بايدن لا يزال يدافع بقوة عن تصويته الأول وضرورة “طرد صدام من السلطة”. ولم يغير رأيه إلا لاحقا في مواجهة الانزلاق الأميركي ثم دافع بقوة بصفته نائب الرئيس باراك أوباما عن الانسحاب من العراق الذي انتهى في 2011.
وقال مدافعا خلال الحملة الرئاسية “كنت مسؤولاً عن سحب 150 ألف جندي من العراق وكان ابني أحدهم”، لكن في هذه الحالة يعتبر معظم المراقبين أن رحيل القوات الأميركية يعد خطأ فادحا آخر في العراق الذي غرق في فوضى وتم قضمه تدريجيا من قبل تنظيم داعش المتطرف ما أدى إلى تدخل دولي جديد بقيادة أميركية في 2014.
ويقول مراقبون إن بايدن لم يبرهن في الواقع على مواقف متجانسة في الأمور العسكرية وقد صوت ضد حرب الخليج الأولى في 1991 والتي تعتبر الآن في أغلب الأحيان ناجحة.
في المقابل كان بادين مؤيدا في البداية للتدخل في أفغانستان على غرار الطبقة السياسية الأميركية بأكملها تقريبا التي روعتها اعتداءات الـ11 من سبتمبر 2001، ثم تبنى أخيرا موقف الرأي العام الأميركي الذي يشعر بالسأم من العمليات الخارجية التي لا تنتهي والمكلفة والدامية.
وبالتأكيد ساهم إرسال ابنه الأكبر بو بايدن إلى العراق في 2008، حين كان يخوض حملة للبيت الأبيض إلى جانب الرئيس الأسبق باراك أوباما، في هذا التحول.
وأصبح نائبا للرئيس بصفة والد عسكري مشارك في الحرب آنذاك. وتماشيا مع مواقف آلاف العائلات دافع على مدى ثمانية أعوام عن توخي الحذر الشديد حين يتعلق الأمر بإرسال قوات إلى الخارج. وقال بايدن الأربعاء الماضي بتأثر خلال توضيحه قرار الانسحاب “ما وجهّني كان ذكرى ابني الراحل بو الذي شارك في حرب العراق والأثر الذي تركه ذلك عليه وعلينا نحن الذين كنا ننتظره في المنزل”.
وباتت تحفظات الرئيس الأميركي الحالي معروفة الآن حول العملية الخطرة، التي توجت بنجاح لتصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان عام 2011. والأمر المعروف أكثر هو احتجاجه على إرسال تعزيزات إلى أفغانستان في عام 2009.
وكان الرئيس الجديد آنذاك (أوباما) يتعرض لضغوط من البنتاغون لنشر آلاف الجنود الإضافيين من أجل إحداث فارق ضد طالبان. وكان نائبه بايدن يعارض ذلك. ويستذكر المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان آنذاك ريتشارد هولبروك مشادة كلامية حصلت في ذلك الوقت حول هذه القضية.
وكان الدبلوماسي هولبروك قد ناشد بايدن الذي يعرفه منذ فترة طويلة زيادة دعم الأفغان للحفاظ خصوصا على حقوق المرأة التي انتهكتها حركة طالبان. لكن نائب الرئيس آنذاك قال “لن أعيد إرسال ابني إلى هناك لكي يجازف بحياته باسم حقوق المرأة”.
وخسر بايدن في النهاية معركته وقام أوباما بنشر 17 ألف جندي إضافي. لكن الاتجاه انعكس منذ ذلك الحين مع انخفاض تدريجي للقوات الأميركية. واليوم، وقد بات رئيسا للولايات المتحدة، يمكنه أخيرا أن يبدي ثباتا في مواقفه من خلال إعلان الانسحاب الكامل للقوات بحلول الذكرى العشرين لاعتداءات الـ11 من سبتمبر. فهل يفعل ذلك؟
العرب