تحقيقات

تقنية بلوكتشين والبيانات في عصر الثورة الصناعية الرابعة

ظهر مصطلح تقنية بلوكتشين blockchain بالتزامن مع ظهور مصطلح العملة الرقمية (البتكوين Bitcoin) في العام 2008م التي توفر لها تقنية بلوكتشين المجال الآمن للتعامل بها، وهو ما جعل الكثيرين يربطون بين هذه التقنية والعملات الرقمية المشفرة، ويعتبرونهما شيئاً واحداً، وهذا أمر خاطئ، فكل ما في الأمر أن منهجية العمل المتبعة في تقنية بلوكتشين تماثل أسلوب العمل فيما يعرف في التعاملات المالية بدفتر الأستاذ العام الموزع، وهذا الدفتر يحصر كافة التعاملات المالية.
وتمثل تقنية بلوكتشين (BlockChain) بيئة رقمية آمنة وموثوقة تعمل من خلال نظام تسجيل وتحقق رقمي يسمح بالتثبت من المعلومات ويتمم العلاقة التعاقدية بين طرفي التعاقد مباشرة من دون الحاجة إلى طرف ثالث، وهو ما يميز تقنية بلوكتشين blockchain التي تعني في العربية (سلسلة كتل البيانات) بكونها حلاً مناسباً وملاذاً آمناً لتراسل واستقبال البيانات في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي تتسم بالتطور التقني الهائل، والاعتماد كلياً على البيانات، وتحليلها، واستثمارها بما يطور من قدرات الذكاء الاصطناعي، ويزيد من التعاملات التعاقدية المقصورة على طرفي المعاملة، من دون الحاجة إلى وسيط، مع ما يكتنف ذلك كله من مخاطر تقنية وأمنية، وتسعى هذه المقالة إلى توضيح علاقة تقنية بلوكتشين بتأمين البيانات ودورها المهم في الثورة الصناعية الرابعة، والتي تحمل في طياتها أملاً بمرحلة جديدة من موثوقية البيانات، وفك الاحتكار لوسطاء المعاملات التعاقدية في مختلف أنواعها، ومن هذا المنطلق ازداد الاهتمام بتقنية بلوكتشين باعتبارها من الموضوعات الحديثة، خصوصاً أن العالم في ظل جائحة كورونا قد اضطر إلى تسريع خطواته نحو التحول الرقمي في كل اتجاه، وازداد حجم استخدام التطبيقات الرقمية وتراسل واستقبال البيانات في المجالات الصحية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكافة مناحي حياتنا حتى أصبحت كافة التعاملات تتم في البيئة الرقمية، ونظراً للمخاطر والمهددات التي تكتنف هذا الاتجاه الكبير على مستوى دول العالم عند التوسع في التعاملات الإلكترونية، وإمكانية انتهاك خصوصية البيانات، والاعتداء عليها، أو الحصول على البيانات المهمة للأفراد، أو المنظمات، فإن الحاجة ملحة جداً لوجود بيئة نقل واستقبال للبيانات آمنة ومحمية بشكل مؤكد من العبث، أو التزوير، أو الانتهاك، وتتبنى تقنية بلوكتشين منهجية الند للند في تنفيذ المعاملة، وتلغي المركزية أو الطرف الثالث في أي مرحلة من مراحل التعامل أياً كان نوع هذا الوسيط، ولذلك فإن الخبراء والمتخصصون يرون في تقنية بلوكتشين (BlockChain) حلاً أمثل، وبديلاً رائعاً أمام هذه التحديات، نظراً لما تتمتع به هذا التقنية من قدرات هائلة على إيجاد بيئة رقمية آمنة، وموثوقة لكافة التعاملات الرقمية، حيث تعمل هذه التقنية المكونة من سلسلة كتل بيانات رقمية، من خلال تخزين المعلومات عليها، وفي هذه الكتل يتم حفظ البيانات عن طريق تعبئتها في مجموعات كتل مترابطة، وتتصل فيما بينها بسلسلة شديدة الصرامة في التشفير المجزأ إلى أجزاء كثيرة ومتغايرة، مما يجعل اختراقها أو تزويرها أمراً غير ممكن، وهذا سبب ضمان سرية معلوماتها، وموثوقيتها، ومقاومتها الشديدة للتزوير والتلاعب، وتستمر سلسلة كتل بلوكتشين في التمدد، والاتساع بنفس درجة الأمان والموثوقية كلما تم إنشاء كتلة بيانات جديدة.
ومما يميز تقنية بلوكتشين اتصافها بالحوسبة اللامركزية، وذلك لأن نظامها يمنع وجود أو تكوين سلطة مركزية، ويتحكم في إدارة هذه الكتل وصيانتها مجموعة من المتخصصين عبر شبكة اتصالات موزعة بينهم آمنة ومشفرة، ولها مفاتيح مشفرة تمكّن أولئك المتخصصين من أداء مهامهم في درجة عالية من الأمان التام.
ومما يميز تقنية بلوكتشين ويحعلها قادرة على مقاومة التزوير والاختراق قدرتها على التخفي بحيث يتم إخفاء هوية المتعاملين وموظفي الشبكة عبر إنشاء مجموعة مفاتيح وصول يمكن للعاملين فقط من خلالها إدراج البيانات عند إنشاء كتل البيانات أو المشاركة فيها.
وتسعى تقنية بلوكتشين إلى توفير الشفافية وإنشاء الثقة بين الكيانات المتعاملة فيما بينها بشكل مباشر.
كما تتميز تقنية بلوكتشين بخاصية العقد الذكي الذي يدعم عدداً من الخطوات الإجرائية بين الأطراف أو الكيانات التي لا يثق بعضها في بعض أو لا يعرف بعضها البعض الآخر بشكل موثوق وغير قابل للتلاعب أو التزوير، ويمكن توظيفها بكفاءة في مجالات الهوية الرقمية والتوقيع البنكي، والمعاملات الأمنية، وسجلات الأفراد والمنشآت، وتسجيل العقارات ونقل الملكيات، وفي وثائق التأمين، والملفات الصحية، وسجلات الطلبة في التعليم، والمنتجات الصناعية، وسلاسل الإمداد، وغيرها كثير، وللمزيد من المعلومات ومن لديه رغبة في التوسع في هذا الموضوع فيمكنه الرجوع إلى كتاب تقنية بلوكتشين في إنترنت الأشياء الذي تشرفت بنقله إلى العربية ونشرته دار جامعة الملك سعود للنشر هذا العام 1442هـ/2021م. وتقنية بلوكتشين قد بدأت بالفعل في العمل في الكثير من دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية التي تعد من أكثر الدول تطوراً في التحول الرقمي، وقدمت بالفعل حلاً يكفل مأمونية وخصوصية البيانات في التعاملات الرسمية وكذا التعاملات الشخصية وفق التشريعات التي تعمل بها الدول في مجال البيانات، من خلال معالجة البيانات وتحليلها في مستويات متقدمة جداً من قدرات الذكاء الاصطناعي، ولذلك فإن التعامل مع تقنية بلوكتشين لتأمين البيانات لم يعد خياراً، بل هو أمر ملح في ظل تزايد حجم البيانات الضخمة، مع ما يصاحبها من مخاوف أكبر تجاه حماية البيانات.

مجلة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى