مقالات

حسن أبو زينب عمر يكتب.. من وراء الرمال المتحركة في الشرق؟

حسن أبو زينب

إنني مندوب جرح لا يساوم

علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي

وأمشي ثم أمشي فأقاوم

محمود درويش

مع اعترافنا بحرية أي كاتب في أن يكتب في ما يراه ويؤمن به، إلا أن الملفت في أطروحات أخونا محمد جميل، أنها تأتي دائما محمولة على رافعة اتهامات عشوائية بالعنصربة والقبلية، وغير مسنودة بأدلة، يوزعها يمنةً ويسرى لأبناء البداوييت. وهو تكرار ممجوج وممل، وأسطوانة مشروخة لا تتحدث إلا لنفسها.

(2)

انتظرناه  كثيراً أن يخلع جلبابه العدواني، ويأتي لنا بجديد يغير فيه اللغة الخشبية، ويتخلى عن النهج العبثي الاستفزازي الذي يدوس به على الثوابت والاعراف، ويكون فيه داعية لقلة من أهله ملأوا الدنيا وشغلوا الناس بمزايدات كاسدة، وادعاءات رخيصة عن ملكيات لهم في أرض لا تمت لهم بصلة، كانت للأسف وراء الشرارة التي اندلعت بسببها الحرب الأهلية في شرق السودان، وقلبت أرض التعايش السلمي عاليها سافلها لأول مرة منذ افتتاح ميناء بورتسودان عام 1906.

(3)

ماوددننا في هذا الشهر الكريم أن ننكأ جراحات أحداث مضت، وإن لم تلتئم، ولكن ما حيلتنا مع هذا الكاتب الذي نسمع في كل مقالاته فحيح الكراهية، وهو يتجاهل ناسياً أو متعمداً فظاعات تشيب لها رؤوس الأجنة في أرحام النساء في أحياء بورتسودان الطرفية، تورطت فيه قلة من أهله لم تكتفِ بإزهاق الروح، بل مضت كمن أخذتهم العزة بالإثم بصب الزيت على الجثة وإضرام النار فيها، وإلقائها طعاماً للكلاب الضالة في الفلاة.. لا يعلق على فاجعة اغتيال إمام مسجد من الركع السجود، ذبحوه ذبح الشاة أمام منزله ثم لاذوا بالفرار، ولا تهمه نهاية مأسوية لرجل مختل العقل، أحاطت به مجموعة من أهل محمد جميل وأوسعوه ضرباً بالعصى حتى لفظ أنفاسه، فإذا لم تكن هذه الجرائم المنتقاة عنصرية فماذا تعني العنصرية؟ وإلى متى يرمي الناس بدائهم ويَنْسَلْ؟

(4)

رغم أن كل هذه الاغتيالات سُجِّلَت ضد مجهول وأُرخِيَ الستار عليها، إلا أنها بقيت في النفوس جراحاً لن تندمل، ونيراناً لن تطفئها مياه المحيطات، ومع ذلك لا تحرك شعرة في رأس الكاتب الذي يترك كل هذا ويجرنا إلى قضايا انصرافية يتهم فيها البشير بتسييس الكيانات القبلية وإدخالها في إدارة الشأن العام.

(5)

أقولها بالفم المليان أنه إذا كانت هناك جريمة للبشير تنافس في خطورتها ونتائجها الكارثية جرائم (الهولوكوست)، المتهم بسببها في دارفور والمطلوب للمثول أمام محكمة الجنايات، فهي بدون منازع إطلاق يد وزير داخليته والرجل الثاني في الحزب الحاكم، للعبث بلوائح وقوانين الجنسية التي هي استحقاق كامل الدسم لوزارة الداخلية، بعد أن نزع منها هذا الحق ومنحه للشيوخ والعمد لنجر أكبر عملية تجنيس في تاريخ السودان ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى.

(6)

استباح هؤلاء اللاجئون الوطن، بعضهم كمشروع استيطان، وبعضهم كمنصة انطلاق إلى العالم الخارجي، مسلحين بالجواز السوداني، وباتوا يشكلون الآن مسمار جحا الذي سيطول الجدل حول اقتلاعه. هؤلاء يتحملون وحدهم وزر العنف الذي مزق النسيج الاجتماعي في مدينة التعايش السلمي، والرئة التي يتنفس بها كل السودان، والتي كانت مسرحاً لجرائم يندى لها الجبين، مرة ضد إثنية البداويت، ومرة ضد إثنية النوبة، وكانت صقور البني عامر والحباب، التي يبدو أنها تقتات من الكتابات التحريضية للكاتب هي القاسم المشترك والأعظم فيها .

(7)

الذي يستوقف هنا، أنه وضمن حربه المعلنة التي ينتاش فيها رموز البداويت بسهامٍ صدئة، انزلق قلم الكاتب في عبارة أعتقد أنها ممعنة في خطأ المعنى واللفظ، فالذين يصفهم بأنهم حفنة من حملة الدكتوراة تحت إمرة ناظر قبيلة ليسوا رجرجة من عوام الناس، بل عالمين يلتمع نجميهما في سماء العلم والمعرفة، ليس في السودان فحسب وإنما في العالم أجمع، بسمعتهما وعطائهما في الاقتصاد والطب، وكلاهما حجة يُشار إليه بالبنان كل في مجاله.

(8)

الدكتور أوشيك سيدي أبو عائشة، المتخصص في فرع نادر في الطب، وهو المخ والأعصاب، رَصَّعَ هامة السودان، وربما العالم الثالث بجائزة (جلبت) بعد إحرازه عام 2019 المركز الأول في المسابقة العلمية الأكاديمية المفتوحة، وهو إنجاز متميز فريد. إضافة إلى ذلك فهو رجل حباه الله بهواية البحث، وسعة الاطلاع في كل ضروب المعرفة، يمتلك ناصية الحديث في السياسة، ويبهرك حينما يتحدث عن التاريخ والتراث، وهو يستحق أن ينال لقب مؤسسة، ومن حق البداويت وجميع السودانيين أن يفخروا ويعتزا به ويترنموا مع الفرزدق:

أولئك أبنائي فجئني بمثلهم

اذا جمعتنا ياجرير المجامع

(9)

نقولها للمرة الألف، أننا لن ننجر للتورط والمشاركة في عداوات مع البني عامر والحباب، الذين أكلنا معهم العيش والملح منذ مئات السنين، يشهد على ذلك نادي البحر الأحمر بحي الأملاك في بحري، الذي جمعنا للمساهمة في تنمية منطقة حدودها قرورة جنوباً وحلايب شمالاً. ولو كانت كابينة القيادة، في يد أمثال الراحلين المقيمين، الدكتور محمد نور محمد موسى ومحمد عثمان كوداي وجعفر محمد على، والقامة السامقة قاسم ضرار متعه الله بالصحة والعافية، لما أنزلقت الأمور إلى الدرك الأسفل من الهاوية.

(10)

مشكلتنا وسبب الرمال المتحركة في الشرق قِلَّة (ضَلَّ سعيها في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)، هؤلاء بقايا لاجئون يسبحون عكس التيار، ويبحثون عن وجود بدبج المقالات، ورفع الصوت في الأسافير، وهو دربٌ مسدود، لن ينالوا من ورائه شيئاً، حتى لو جاء مدعوماً بالمدعو قلواك، مبعوث العناية الإلهية في آخر الزمان. الآن وُلِدَ  تيارٌ من رحم المعاناة، يقوده الناظر دقلل وعمدة بيت معلا أحمد حامد اركا، بات على قناعة تامة بأن السلام الذي يراعي الأعراف والقيم والقوانين المحلية، والقائم على الثوابت والاحترام المتبادل، يعلو ولا يُعلى عليه، وهو الضمانة الوحيدة للأمن والاستقرار والنماء الذي طال انتظاره.

* مراجعة الهوية واجب وطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى