
حواكير قبائل شمال السودان في الوثائق الرسمية لحكومة الولايات المتحدة..!

كمال حامد
في الشمال يطلق عليها إسم حيازات، وهي نفسها ولو قلنا أنها تعادل حواكير دارفور لظلمنا حيازات قبائل الشمال والوسط ، لأن الوثائق التاريخية تفيد بأن حواكير دارفور كانت أنواع، فمنها حاكورة قبيلة تمنح بصك من السلطان للانتفاع ولكن تظل الملكية للسلطنة وهذا ما لم يكن في حواكير الوسط والشمال، ومنها حواكير أفراد تمنح لهم من السلطان للانتفاع وتورث ولكن يظل من حق السلطان استردادها بمقتضى الحال.
والغرب والمجتمع الدولي ومن قبله أوروبا، جميعهم رصدوا ودرسوا جغرافية هذا السودان ورسموها زقاق زقاق ..زنقة …زنقة، بدءاً من القرن التاسع عشر خليك من زمن الأقمار الصناعية والجوجل إيرث.
ليست هذه مبالغة، فقد حددوا جغرافية كل قبيلة بالإحداثيات، واسم كل جبل صغيراً كان أم كبير، وكل نهر وكل خور وكل بلدة وكل قرية حتى لو كانت عشرة قطاطي.
ولذلك حين كنت أعمل في تجهيز خارطة مسار جيش هكس، تتبعت المسار في الجوجل إيرث، وحين وصلوا قريباً من العقيلة قال الضابط المصري، عباس بك، صاحب مذكرات عباس بك المشهورة، أن شمال هذه المنطقة بمسيرة 4 ساعات يوجد جبل كون، قال عباس بك يصف اشتباكاً وقع يوم عيد الأضحى، وكان يوم الجمعة 12 أكتوبر 1883م الموافق 10 ذو الحجة 1300هـ: (ولا يخفى ما لضجة مدافع الكروب ونويت أتمشى في الليل ولقد تصورنا أن لا بد وأن يسمع صيحات المدافع بجبل كون الذي يبعد عن هنا بمسافة أربعة ساعات تقريباً إذ كما بلغنا أن هناك تجمع للأشقياء تحت قومندانية نجل الياس باشا العاصي بكردفان)، وبحثت عن جبل كون فوجدته بنفس اسمه من سنة 1883م، وقست المسافة بمسطرة جوجل فوجدتها قرابة 35 كيلومتر، وكانت الحملة قادمة من الصراخنة نحو العقيلة ولم تمر بالقرب من جبل كون، حتى تعتقد أنه عرفه لأنه مر بالقرب منه.

المصريون أيضاً أفترض أنهم يعرفون جغرافيا السودان جيداً، لأنهم كانوا هم الحكام من 1821م حتى 1885م، ولم تكن تلك الفترة كلها ضرائب وظلم فقط، ولكن قبلها وخلالها تم تحديد كثير جداً من المواقع والثروات من معادن وغابات ومحاصيل، وتم في تلك الفترة تركيب شبكة من خطوط التلغراف وصلت حتى فوجا Foga في دارفور وسواكن وكسلا وسنار وكل المدن السودانية، وكانت الشبكة تتجمع في الدبة وتمر شمالاً حتى تتصل بشبكة التلغراف المصرية، وفي 1879م كان بإمكان المراسل الصحفي الإنجليزي إرسال التقارير الصحفية لصحيفته من الأبيض، فيضمن وصولها لمكتب الصحيفة في لندن خلال 30 دقيقة.
ولكن قبائل الوسط والشمال كان مفهوم الحاكورة عندها مختلف، فلم تكن تناكف الدولة في الملكيات الفردية، ولهذا ظل التمازج والتعايش منساباً لأنك بإمكانك أن تتملك قطعتك السكنية وتسجل شهادة البحث بإسمك سواء كنت في حاكورة جعليين أو كنت في حاكورة حسانية أو غيرهم فلن يعترضك أحد. ولكن حمية القبيلة كانت تتحرك في حالة الاستثمارات الزراعية التي تحجز الأرض بالمساحات الشاسعة فظهرت مشكلة الحيازات وهي دليل على عدم احترام حكومات الخرطوم للحقوق التاريخية.
المستثمرون، وخاصة العرب، فهموا مشكلة الحيازات وتعاملوا معها بواقعية، فصاروا بعد إكمال إجراءات التسجيل والتراخيص والحصول على الأرض من الحكومة وقبل أن يدقوا فيها مسمار يسعون للتواصل مع قيادات المجتمع المحلي للتفاهم والوصول إلى تسوية.
في 2015م جلست مع مستثمر عربي، أعرفه من سنواتي خارج السودان، فحكي لي عن تجربة الاستثمار في السودان، وقال لي أنهم بعد الحصول على كل التراخيص تواصلوا وجلسوا مع شيوخ المنطقة وأظهروا لهم أولاً الإحترام ثم قالوا لهم: هذه تراخيصنا وهذه أوراقنا من الحكومة ولكن نحن نعلم أنو مافي أرض هاملة في السودان وكل أرض لابد ولها أسياد، وأنتم أسياد هذه الأرض وإذا لم نصل معكم لاتفاق مكتوب وتسوية بالتراضي لن ندق فيها ولا وِتِدْ واحد.
وقد كان، تم عمل عقد مكتوب وتم سداد مبلغ محترم وصل منه نصيب محسوب لكل مواطن بالمنطقة فضلا عن توظيف عدد من أولادهم بالمشروع.
لذلك، فالخرطوم عبارة عن حيازات (حواكير)، وأم درمان كذلك حيازات (حواكير)، وقد أنشر خلال الأيام القادمة مواقع الحيازات التاريخية للقبائل في وسط وشمال وشرق السودان، وكذلك دارفور اعتماداً على الوثائق الرسمية المعتمدة لدى الحكومة الأمريكية.