
خطر القبلية علي السودان
تختلف العادات والأعراف القبلية من مجتمع إلى آخر ومن قبيلة إلى أخرى في المجتمع السوداني و تمثل الأعراف القبلية إحدى ركائز بناء المجتمع ولكن للأسف يسوء إستخدامهما يمثل عائقاً أمام قانون الدولة كتشريع يتضمن مجموعة من القواعد والأسس التي تنظم سلوك أفراد المجتمع ويحكم العلاقات بين الناس ويفرض الأمان في المجتمع السوداني من الممارسات التعسفية ويضمن حقوق المواطنين.
السودان يعد من أكثر الدول نفوذاً للقبيلة فنحو 95% من السكان ينتمون مباشرة لإحدى القبائل البالغ عددها أكثر من 570 قبيلة حيث تمثل القبيلة إحدى طبقات المجتمع وتمثل ركيزة مهمه فيه لها أعراف وتقاليد تمتثل بها ولكنها تعزز التفاوت الطبقي بين أوساط المجتمع الواحد فترى كل شخص يعود إلى أي قبيلة من القبائل يتفاخر بنسبه إليها وهذه تمثل عنصرية مقيتة تعمل الأعراف القبلية على تعزيزها في ظل مشهد إستثنائي يمر به الوطن من تاريخه المعقد بالإضافة إلى التعصب القبلي الذي تتحالف فيه القبائل ضد قبيلة أخرى والنكف القبلي عند نشوب خلاف بينهما جنائي كان أو سياسي مما يولد حالة من القتال بين القبائل والمستغرب أن القبائل المتعصبة لا تنظر إلى صحة أو بطلان القضية التي يتقاتلون من أجلها مجرد تعصب قبلي فقط، الأمر الذي يجعلنا ندفع الثمن دوماً بتوترات أمنية ومشهد كارثي محتمل يعزل العرف القبلي الحياة الإجتماعية والقانونية عن محيطها في ظل وضعية متغيرة يقف العرف القبلي عائقاً أمام تطبيق عدالة القانون عندما يتدخل في أشياء من الواجب أن لا يتدخل فيها .
يقف العرف عائقاً أمام إجراءات حساسة من الواجب بل ومن الضروري أن الدولة هي من تقوم بها فالدولة بدستورها الإنتقالي وأحكامها المحلية اللامركزية وقوانينها هي الأم والحاضنة للجميع ويعيش الجميع تحت ظلها بينما الأعراف القبلية منحازة لأطرافها وهذه من الأخطاء الكبيرة في الأعراف القبلية فحينما يقوم الجاني بجريمته سيحتمي بالقبيلة والقبيلة ستحميه بينما من المفترض أن تسلمه إلى الدولة لينال عقوبته وبالتالي تكرس العنف بين المجتمع وأصبح أي شخص يقوم بأي جريمة أو تخريب بالإحتماء بالقبيلة فتساهل قوانين العرف القبلي مع المجرمين والأشخاص الخطيرين ويعزز من الثارات بين القبائل فالنكف القبلي يجعل القبائل تتكاتف لتقاتل بعضها البعض بدون حتى أن تعرف أحيانًا علامّ تقاتل .
أحيانا يكون الناس مُلمين بالأعراف أكثر من إلمامهم بالقوانين والإجراءات التي تخص الدولة وإن كان ذلك فهذا لا يعني أن تحل القبيلة محل الدولة وكما ذكرت هناك تعصب بينما الآخرون الذين لا ينتمون لها لن يكون لهم أي نصيب ولن يكون هناك أي قبيلة أو جماعة لتحميهم تحفظ الدولة الحقوق وتساوي بين المواطنين وتجعل القانون هو الحاكم بينهم فمن خالف يكون مرده إلى القانون وما على الدولة إلا التنفيذ فالمواطن يعيش بأمان وسكينه في ظل دولة قوية تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات والدولة هي الأمان وهي الإستقرار فلا مقارنة بين الدولة والقبيلة وإن كان لابد من قبائل فلابد أن تكون مساعداً للدولة وليست مقوضةً لها وساعيةً إلى إلغاء هيبتها بحجة العرف فالقانون المتمثل بدولة يجب أن تكون له الكلمة العليا بل أن تكون الدولة وقوانينها شيء مقدس لا يجب المساس به بأي سبب كان .
الدولة وحدها القادرة على تصفية مظاهر التمييز السائدة إجتماعياًوالمحصنة دستورياً وقانونياً وتقديم الضمانات لممارسة الحريات والحقوق فالأحكام العرفية ما زالت موضوعاً يواجه الكثير من الإنتقادات لأطراف متعددة من مؤسسات رسمية وشبه رسمية ومنظمات حقوقية وناشطين، ووفقا لهذه الإنتقادات تشكل بحد ذاتها قلقاً على سيادة الدولة ونظامها القانوني ومبادئ المواطنة وعدم التمييز .
ونقطة البدء لحل النزاعات والخلافات الأهلية تتمثل في التطبيق الفوري لأحكام الدستور والقانون ذات الصلة بهذه النزاعات دونما تمييز أو إنتقاء فوتيرة اللجوء إلى الأحكام العرفية كآلية بديلة لإحتواء النزاعات ساهمت في تعميق النزاعات وتحولت بعضها إلى مصدر إضافي لإنتهاكات متعددة لحزمة من الحقوق الدستورية للمواطنين إضافة إلى تهميش وتعطيل لدور الدولة وإستغلال فجوات في عمل الأجهزة بدل مساندتها وتدعيم حضورها .
وهذا لا يعني تجاهل تام لدور الأعراف القبلية العادلة بما لا يتجاوز دور الدولة علينا وضع هذا في الحسبان والتأسيس لدولة سيادة القانون نعيد للدولة السودانية مكانتها وهيبتها وعدالتها وحتى تصير واقع موضوعي لأن الواقع الموضوعي الآن يجعل من الرموز القبلية والتحكيم القبلي ذات وجود حقيقي وفاعل داخل المجتمع والدولة يصعب عمل الدولة وأجهزتها وقضائها في ظل مناخ تصاعدت فيه أعمال العنف المسلح مما يزيد من حالة التوتر والمواجهة بين دور العرف وقانون الدولة .
َالجنـــــــــــــــــــــــــــــــــــينة
الإثنين 16/يناير /2023م