سعد محمد أحمد يكتب .. واقع ميؤوس مالم!!؟
ثمة مساران للانهيار الحاصل اما التعامل معه مباشرة فى العمق أو الهروب منه والتعامل مع النتائج التى تسلكها قوى السلطة الانتقالية حالياً تصر على تجاوز الانهيار والتعامل مع نتائج خلقتها هي كأن الانهيار ليس حاصلا كأن التداعيات التى نعيشها جاءت بالصدفة أحاديث قوى الحكومة بادواتها المباشرة أو أدواتها «المقنعة» يتركز على اشكالية الاستمرار فى الانكار أو يسعى فى نقاش مزيف عنوانه إعادة توجيه الدعم المادى للأسر ولا يتطرق أبداً إلى الاهداف التى تكرس لوجود هذا الدعم إلى تغطية الخساير بطباعة النقد وافلات التضخم خلق أسعار متعددة للجنيه مقابل الدولار يعد رفع الدعم عن كل إحتياجات الأسر من خبز ومحروقات وكهرباء وغيرها كل ذلك لا يعنى إلا مزيداً من المعاناة أصلا لاثقة باي من أطراف السلطة ولا باي من أطرافهم هم يعملون على شراء الوقت فقط كل منهم يشترى الوقت لغاية فى نفسه أما ما يقومون به اليوم فهو الانغماس أكثر فى النفق الاسود الانغماس فى الإنهيار يعنى تدمير المجتمع يعنى لا خيار سوى هجرة الشباب والاسبوع الماضى شهد غرق قوارب فيها عشرات السودانيين فى البحر الابيض المتوسط للاسف فى ظل الحكومة الانتقالية الثورة قادها هؤلاء الشباب من اجل حياة كريمة أو مواجهة ثورة الجياع والفقراء.
فى ظل تعنق الانهيار الاقتصادى السودانى يجب بحث مقاربة الازمات بحقيقتها منها ازمة تفتيت منظومة الاقتصاد السياسى السودانى لا يجوز بعد اليوم القبول بمنطق أن الازمة إقتصادية بحتة أو أنها تتعلق بمشاكل قطاعية أو إستثمارية أو بظروف موضوعية بات واضحاً أن تفتت هذه المنظمة حاصل لا محالة هى قائمة على القروض والمنح الغربية ووكلاءها السودانيون والمحاصصات الحزبية والمسارية لا بوادر بترميمها إلا بقدوم تلك المنح والقروض بعد حملة مسرحية التجسير وتعويم الجنيه التى لم نرى لها اثراً إيجابياً بناء على ذلك فان اعادة تشكيل منظومة الاقتصاد السياسي السودانى عملية لابد منها إلا انه فى ظل تسارع الاحداث وتزاحم الازمات المعيشية يغيب السوال الأساسي كيف يعاد تشكيل هذه المنظومة هل يتم ذلك عملية عشوائية تتحكم بها القوى التى ستحتفظ بعد اكتمال الانهيار بهيمنتها على الاطر الجماعية والسوقية؟ ام ان العملية ستتم بشكل ممنهج عبر اتفاق القوى السياسية والحزبية المختلفة يسبق التفتت الكامل؟
الاجابة ستحدد أي القوى السياسية السودانية ستشترك فى اعادة تشكيل المنظومة لذا يمكن تقدير أي من السمات التى تطبع علاقات القوى السياسية السودانية المؤثر منذ الحراك الثوري ستضمن فى عملية اعادة التشكيل.
لذا لابد من قراءة للمشهد السياسى الاقتصادى السودانى قراءة سريعة حيث اكتسبت الزبائنية السياسية قوتها من خلال حكم ثلاثين سنة لنظام الانقاذ توصل فيها المراقبون بوصف تعريف دولة السودان انها دولة زبائنية سياسية وهى ميدان ممارسات يحرمها الدستور والقانون ويظهر الوقائع على وجه التحديد قوتها من خلال المحاصصة من بيع وشراء الذمم وزواج المال والسياسة وخلق مليشيات وحركات مسلحة وأصحاب منافع وبيوتات دينية وعشائرية استشرى فيها استخدام الموارد العامة للمنفعة الخاصة استخدم فيها السياسيون الادارة العامة كأداة طيعة إنهارت بسببها مقدرة الدولة الادارية والتنموية حين يكوب دأب النخبة السياسية تجيير الموارد العامة لتوزيع منافع خاصة اي تعاطي السياسيون معها وكأنها ارث لهم وفى ظل الانقاذ كان يتم تحديد الحصص فى السلطة استناداً إلى توافقات غير رسمية وغير مكتوبة وتجرى غالبا فى الظل وهي كانت وصفة ناجحة لتامين النظام من السقوط طالما بقى النظام قادر على حفظ حصص ممثلى الاثنيات فى المناصب السياسية وفى المناصب الادارية وفى الموارد العامة لكن على الوجه الاخر للصورة تمثل بالتردى الهائل لفعالية الدولة التنموية باعتبار أن توزيع المواقع والمصالح كان يجرى لمصلحة المحاسيب وأن التمثيل فى الادارة العامة كان يتم على حساب الاستحقاق والانتاجية.
الغريب ان تسير السلطة الإنتقالية فى نفس المنهج والمسار فى ظل الحكومة الانتقالية اصبح شروط المحاصصة وجود اطراف خارجية من دول المحور وأفراد يشرف على نظام المحاصصة توافقيا بين كيانات قائمة على أساس الهوية واجندات خاصة لتبادر بالتساؤل هل تنفيع المحاسيب أو محاباة الأقارب أو غير ذلك من الاعتبارات المشابهة هو ما يملى السطو على الاموال العامة؟ يوضح ما نعيشه اليوم ان الهدف أولاً واخيراً لدى السياسيين الجدد هو مراكمة الثروة أ ما يميز تعاطيهم مع الشأن العام هو الرغبة فى تكوين ثروة يمكن منهم ذلك حين تجد سياسياً دخل للتو إلى حلبة العمل السياسى والشأن العام يمكن أن يستفيد بصفقة واحدة مبلغ يوازى ملايين الدولارات وهو مبلغ يتقضى اجيالا من العمل الاستثمارى المنتج للحصول عليه يعول هؤلاء على موقعهم لتحويل الخصخصة وسيلة للاثراء يمكن وضع حقبة ما بعد اتفاقية جوبا بكاملها تحت عنوان تحول ميزان القوى إلى مصلحة سياسيين ضد الادارة الدستورية والقانونية وسمح بذلك الطابع الهجين للدولة وقد أصبحت ارادة الاقطاب السياسية اقوى من الدستور وتشكلت شبكات محاور اقليمية ورجال أعمال مرتبطة بهم وطغت التعيينات المحاصصية واصاب الانحطاط كل مفاصل الخدمة المدنية لا يستثنى اي قطاع أن كان خدمية أو قانونية أو منتجة أو غيرها إرتبطت بالسياسة شبكات بعلاقات منفعة وهم لم يكونوا جزء من الثورة ولا يظهرون فى الصورة ولا يعرفهم الجمهور ويمثلون فئة المستفيدين من القرارات الحكومية والصفقات تجرى فى الخفاء وتستفيد منها شبكاتهم وتقوم اي بادرة من مبادراتهم على توسل السياسة لتحصيل ريوع وتقع عليهم فى ميادين مختلفة مثل توفير المحروقات والقمح والادوية وغير ذلك وليست الحكومة كتجسيد للسلطة التنفيذية هم من يتخذون القرار بل هم من ينفذون مشيئة الاقطاب السياسيين وتظاهر الاستقصاءات ان لبعض رجال الاعمال دوراً مباشراً فى اختيار الوزراء الذين يعول عليهم للسير بخصخصة المؤسسات الحكومية فما يرى البعض ان الخصخصة لم تكن بالضرورة خيار جميع السياسيين بل ان الابقاء على الادارات والمؤسسات العامة لتوزيع المنافع بدأ للبعض خياراً أفضل وهو ما يسمونه «الدولنة لمصلحة المحاسيب»
إنما تعنيه السودان من أزمات والفشل فى التنمية بسبب الافكار التى يبثها تيار النفعيين الجدد ومدرسة الاقتصاد السياسي الجديد اللذان عمدا إلى شيطنة الدولة وتسويغ إنسحابها بالكامل من الاقتصاد مع تحرير التجارة الخارجية وخفض دور الدولة فيها انفاذاً لسياسات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى يخفض مداخيل العاملين كجزء من برامج التصحيح الهيكلى وزيادة الضرائب وتخفيض النفقات لحرمان الناس من الصحة والتعليم وغيرهما من خدمات في ظل غياب ضمان إجتماعي لأن هؤلاء فى النهاية يلتحقون ببرامج المؤسسات الدولية التى يتلقون منها الريع.