سلطان عمان يتحرك سريعا لتطويق الاحتجاجات
قرارات بتنفيذ خطة لتوظيف 32 ألف شاب، وكف يد السلطات الأمنية ومنع التعرض للمتظاهرين
تحرك السلطان هيثم بن طارق بسرعة استجابة للشباب المتظاهر المطالب بفرص العمل، وأمر بتنفيذ خطة لتوظيف ما يزيد عن 32 ألفا من الشبان العاطلين عن العمل، بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها عُمان نتيجة الوباء وتراجع عائدات الدولة في ظل تراجع أسعار النفط.
ولاحظ مراقبون عمانيون في تصريحات لـ”العرب” أن السلطان هيثم تحرك أسرع من كل أجهزة الدولة التي يفترض أنها هي من تباشر الملفات وتعدّ الحلول، معتبرين أن الأمر يعود إلى قناعة السلطان بأن دور الدولة هو التعامل مع مطالب الناس بجدية مهما كانت ظروفها، وخاصة حين يتعلق الأمر بالشباب الذين هم عماد الدولة ومستقبلها. وبث التلفزيون الحكومي العماني لقطات ظهر فيها السلطان بينما كان يرأس اجتماعا بشأن البطالة بين الشباب.
قال السلطان هيثم إن “الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب… نحن حريصون على الاستماع لهم وتلمّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم”. وقالت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إن السلطان أعلن أيضا عن توجيهات جديدة لإيجاد ما يصل إلى 32 ألف وظيفة بدوام كامل أو لبعض الوقت في الإدارات الحكومية. ومن بين تلك التوجيهات أيضا تقديم إعانة حكومية لأولئك الذين ينضمون لقوة العمل للمرة الأولى.
أشار المراقبون إلى أن معالجة الاحتجاجات هذه المرة كانت مختلفة، وإضافة إلى المسارعة بالإعلان عن خطة التوظيف، فإنه كان واضحا للجميع أن أوامر سلطانية قد صدرت بالتعامل اللين مع المحتجين وكفّ يد السلطات الأمنية عنهم، وعدم التعرض لهم أو اعتقالهم. وظهر رجال الشرطة في بعض الفيديوهات يقدمون الماء للمتظاهرين في تغيير للنهج من مظاهرات الاثنين عندما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات وألقت القبض على مجموعات من المحتجين.
عزا محمد مبارك العريمي رئيس جمعية الصحافيين العمانيين ما جرى خلال اليومين الماضيين من مطالب إلى “تراكمات
امتدت لأكثر من عشر سنوات نتيجة الوضع الاقتصادي عمانيا وعالميا”، مؤكدا على عدم احتجاز أو إيقاف أيّ من الأفراد الذين شاركوا في الاحتجاجات. وقال العريمي في تصريح لـ”العرب” إن “التجاوب السريع للسلطان هيثم بن طارق يدلل على العديد من الأمور منها اطّلاعه المباشر على أوضاع وطنه وشعبه منذ أكثر من ربع قرن وإشرافه المباشر على بناء رؤية عمان 2040 ومتابعتها وتلمّسه الحثيث لاحتياجات الناس”.
وذكّر بأن النظام الأساسي للدولة في السلطنة كفل حرية الرأي من خلال استخدام كافة وسائل التعبير شريطة ألاّ تمس بمصالح الوطن والمواطن وأمنهما، “وهذا ما شاهدناه في هذه الوقفات خلال اليومين الماضيين والتي عبّرت عن النضج الذي يكنّه شباب عمان لوطنهم وسلطانهم”.
بدت الاستجابة الأولية لجهاز الدولة، سواء من ناحية توفير فرص العمل أو التحرك الأمني، أسيرة لما حدث قبل 10 سنوات في الاحتجاجات التي تزامنت مع موجة “الربيع العربي”. وبدا من الواضح أن هذه الأجهزة قد تناست أن الذين يتظاهرون اليوم هم جيل جديد لا علاقة له بما حدث قبل 10 سنوات حتى وإن تشابهت مطالب المحتجين وجغرافية التحركات. واختار المحتجون استعادة رمزية الساحة التي استقطبت الجيل السابق من المحتجين في صحار والتي تمت إزالتها واستبدالها بجسر لخط طريق سريع.
اعتبر سالم بن حمد الجهوري الباحث العماني في الشؤون الدولية أن تحرك السلطان هيثم في اتجاه تسريع إجراءات توظيف الباحثين عن عمل بعد الوقفات الاعتصامية التي شهدتها بعض المحافظات “يهدف إلى دعم مطالبهم وإيجاد حلول سريعة لها ومعالجة أوضاعهم الحياتية”. وأشار الجهوري في تصريح لـ”العرب” إلى أن عوامل الضغط الاقتصادي على عمان “كانت كبيرة لاسيما تراجع أسعار النفط وتراجع تنفيذ المشاريع والبرامج وجائحة كورونا كلها مجتمعة أدت إلى توقف الحركة الاقتصادية”.
ولفت خالد بن حمد الرواحي مدير القوى العاملة في العاصمة مسقط إلى التحديات التي واجهتها رؤية عمان 2040 الاقتصادية والاجتماعية بعد أن وضعت الحكومة برنامج عمل لتوظيف 12 ألفا في القطاع العام وحوالي 13 ألفا في القطاع الخاص وإقامة المشاريع الخاصة بالشباب وتوجيههم نحو العمل للحساب الخاص مع إعطائهم منحا وقروضا ميسّرة.
وقال الرواحي في تصريح لـ”العرب” إن الأزمة الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا “تسببتا في تأخير تنفيذ بعض برامج هذه الخطة مما دفع بعض الشباب الباحثين عن عمل إلى الخروج في تجمعات لمطالبة الحكومة بالإسراع بعملية تشغيلهم”. ونوه إلى وجود 15 ألف فرصة عمل خلال سنتين، فضلا عن صرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي بما مقداره 200 ريال للفرد.
وأضاف مدير القوى العاملة في مسقط أن السلطات ماضية في استكمال إجراءات تعيين 12 ألف وظيفة ضمن خطة التوظيف لعام 2021، بحيث يتم طرح ألف وظيفة شهريا في القطاع الحكومي المدني والعسكري حتى نهاية هذا العام. وتوفير ألفي فرصة عمل بالقطاع الحكومي بنظام العقود المؤقتة. وأكد على أن وزارة العمل ستعلن عن دعم أجور الداخلين الجدد لسوق القطاع الخاص بما مقداره مئتي ريال عماني على أن يتحمل صاحب العمل فرق الراتب.
أفادت وكالة الأنباء العمانية عبر حسابها على تويتر بأن “السلطان أسدى توجيهاته للجهات المعنية بسرعة تنفيذ المبادرات التشغيلية بتوظيف ما يزيد عن 32 ألف فرصة عمل خلال هذا العام”. ومن بين هذه الوظائف “12 ألفا في القطاع الحكومي المدني والعسكري وفق الاحتياجات الفعلية للجهات المختلفة”، بحسب المصدر ذاته. وأوضحت الوكالة أن مبادرات السلطان تشمل أيضا توفير ألفي فرصة عمل بالقطاع الحكومي بنظام العقود المؤقتة، وتوفير مليون ساعة للعمل الجزئي وفق ضوابط ستعلن وزارة العمل عنها.
تشمل المبادرات بندين هما دعم رواتب العمانيين الداخلين الجدد إلى سوق العمل في القطاع الخاص بما مقداره مئتا ريال عماني، على أن يتحمل صاحب العمل فرق الراتب المتفق عليه لخمسة عشر ألف فرصة عمل وذلك لمدة سنتين، وستقوم وزارة العمل خلال شهر يونيو القادم بالإعلان عن الضوابط والآليات التنفيذية اللازمة لذلك.
كما تشمل صرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي بما مقداره مئتا ريال ولمدة ستة أشهر للعاملين لحسابهم الخاص المؤمّن عليهم لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية المتأثرة أعمالهم بسبب الوضع الاقتصادي ومن في حكمهم، والبالغ عددهم قرابة 15 ألفا، إلى جانب صرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي بما مقداره مئتا ريال للمنتهية خدماتهم من العمانيين العاملين بدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لمدة ستة أشهر.
العرب