قبائل البجا ومواقف تاريخية جميلة من بعض شيوخها وحكمائها
عمر طاهر أبو آمنة
تتكون قبائل البجا من نظارات الهدندوة والامرأر والبشاريين، وبعض العموديات المستقلة كالأرتيقة والكميلاب والأشراف، وتقع مناطقهم شمال شرق السودان، بين ساحل البحر الأحمر ونهر النيل، وتمتد جنوباً الى منطقة البطانة وشمالاً حتى الحدود المصرية، وهم السكان الأصليين لمنطقة شرق السودان. وعلى أرجح أقوال الباحثين والرحالة، العرب والعجم، فإن البجا يسكنون هذه المنطقة قبل 5000 سنة من الميلاد، ومنهم من يقول قبل 7000 عام من الميلاد، ولغتهم التي يتكلمونها هي لغة (البداويت) أو (التبداوي)، وهي من اللغات الكوشية الحامية، وهناك عمل عظيم وجهود كبيرة لكتابتها بالحرف اللاتيني، يقوم بها خبراء اللغات من أبناء المنطقة بمركز دراسات ثقافة البجا بجامعة البحر الأحمر سيرى النور قريباً.
من الناحية التاريخية ينقسم البجا إلى خمس ممالك، هي: البازين، البارين، ودقين وبقلين ومملكة قطعة، وقبائل البجا الموجودة حالياً إمتداد طبيعي لتلك الممالك التاريخية، هذا قبل التعرب والأسلمة بواسطة العرب المسلمين، وترجع أنساب جميع قبائل البجا، كغيرها من القبائل السودانية، إلى ما بعد الصحابة والرسول صل الله عليه وسلم. فالهدندوة، وهي أكبر قبائل البجا، يُرجعون نسبهم إلى العباس بن عبدالمطلب، حيث قال شاعرهم متحدياً المراغنة في أنسابهم:
نحن الهدندوة والأفراس من قدم الحرب منا وعثمان دقنة قائدنا
شن المغارة للذي مثلنا وللقوي هجوم الليل عادتنا
ونسلنا من قريش طاب بهم خير الورى من عباس نسبتنا
أما مناطق بقاء الهدندوة، فتمتد من مدينة كسلا إلى منطقة البحر الأحمر، ولقد قال الكاتب الأستاذ محمد عوض محمد في كتابه (الشمال السوداني سكانه وقبائله)، قامت في أرض الهدندوة أخطر مدينتين هي سواكن وكسلا، وتجري على أراضيهم من الأنهار (العطبرة، القاش وخور بركة)، وقال أن عدد أفراد القبائل زاد بعد قيام مشروع القاش الزراعي، وانتمت قبائل كثيرة لنظارة الهدندوة، ويتولى أمر هذه النظارة أعيان قبيلة (الويل ألياب)، وهي قبيلة الناظر الأشهر والأقوى في تاريخ البجا محمد الامين ترك، ناظر عموم قبائل الهدندوة، وناظر النظار ورئيس المجلس الأعلى لنظارات وعموديات البجا المستقلة الحالي. وينقسم الهدندوة الى أحد عشرة بيتاً، سبعة منهم أبناء الإبن، والاربعة الباقين أبناء البنت، أما أبناء الإبن فهم أولاد باركوين السبع ويل على، بأشوك ابو هاكول، كلاي ابو هميس، قورهب ابو هدل، غايد أبوهملة، أمير ابو سمار وشبودين ابو جميل، وأما أبناء البنت فهم القرئيب، البشارياب، السمارأر والشرعاب.
أما الأمرأر فينقسمون إلى قسمين، القسم الأول الأتمن وهم أبناء عثمان بن عبدالله المانجلك، ويشملون على وكُرب ونور وقويلاي أور، ولديهم مناطق في القنب والأوليب وأرياب الشهيرة بإنتاج الذهب والمعادن الأخرى والشريط المحازي لخور العرب لمحلية هيا. والقسم الثاني الفاضلاب، وهم أصحاب السلطة الفعلية التي كان يديرها الناظر والشاعر المعروف والحكيم (درب كأتي)، وهو الذي يُقطع له الطريق من المسافرين وأبناء السبيل وعرف بالكرم والشجاعة و(على اوريب)، وعدد قبائل الفاضلاب ثمانية قبائل تحت إدارة ثمانية مشايخ، ومناطق بقائهم المناطق المحازية لمناطق قبيلة الحمداب الهدندوية.
أما البشارين فهم ينقسمون الي قسمين ام ناجي وأم على، ومناطقهم تمتد من شرق نهر النيل شمالاً إلى مناطق حلايب المحتلة ومقر نظارتهم بنهر النيل منطقة (بعلوك)، ويمتلكون مساحة الأراضي الأوسع بين قبائل البجا قاطبة، وتعد مناطقهم مناطق غنية بالمعادن المختلفة، ويوجد جزء منهم في جمهورية مصر العربية، كما أن لديهم وكيلاً بمصر.
وورث الأرتيقا إمارة سواكن من أصهارهم أصحاب سواكن القدماء البوي كناب (أصحاب الدم)، ولكن في فترة التاريخ الوسيط ولى المماليك على سواكن حكاماً من قبيلة بلي العربية التي هاجرت إلى مصر عبر سيناء. فظلموا الناس في جمع الضرائب بعسف وتجبر. فأعاد المماليك الحكم للبجا الأرتيقا. وهي قبيلة عريقة من قبائل البجا، ذكرها إبن حوقل قبل ألف سنة .ومنطقة بقاء الأرتيقة هي المنطقة ما بين طوكر وسواكن بطريقة متقطعة لدخول قبائل أخرى في المنطقة، وهم لصيقين بالأشراف ويعملون بالتجارة والزراعة والرى كما أن أبناء هذه القبيلة معروفين وسط القبائل الأخرى بالإدارة، وكأهل (للحل والعقد) وقال المغني وهو يعدد محاسن البجا (أرتيقا وِنيتي) ويعني بذلك ان الارتيقة هم رؤساء القوم وسادتهم.
الأشراف يرجع نسبهم إلى الشريف محمد، ويوجدون في العديد من قبائل البجا كالهدندوة والامرأر والأرتيقة بصفة خاصة، ويمارسون مهن الزراعة والرعي ويوجد العديد منهم في منطقة إيتباي منطقة الشيخ الشريف ادروب صاحب الخلاوي المعروف، الذي وجد قبولاً منقطع النظير هناك بفضل الله، ثم نهجه وأسلوب دعوته في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم. وعلى ذكره هناك رواية، تقول أن مأمور بورتسودان كان يود زيارة خلوة الشيخ أدروب، ودعم الطلاب بالمواد وغيرها من المساعدات، فأرسل وفد مقدمة له ليتأكد ان زيارته ستتم وستكون وفق ما يريد، فقال الشيخ ادروب لا أمانع أن يزورنا بشرط أن لا يراني ولا أراه ويتحدث معي من وراء حجاب، وتحدث معه بالفعل من وراء حجاب ولكن المأمور غضب من موقف الشيخ، فكتب تقريراً يتنبأ فيه بقيام دعوة متطرفة وهذا ما تم التعرف عليه لاحقاً بعد أن تم تحرير البلد.
وتعد قبيلة الكميلاب من أقدم قبائل البجا، ويمتلكون مهارة خاصة في تربية الخيول وموجودين في المنطقة مابين طوكر وضواحيها وبورتسودان، وهناك رواية تحكي بأن الكميلاب والأشراف تشاجروا، ولما استصعب أمر حل الشجار تدخل داهية البجا وحكيمها طاهر سيباي، وطلب من جميع الحضور الصلاة على الرسول صل الله عليه وسلم بإستثناء الكميلاب، وهنا إحتج الكميلاب على هذا التصرف الغريب قائلين لماذا تمنعنا من الصلاة على الرسول؟ فقال يقيني أنه لن يقبلها منكم لأنكم تتشاجرون مع أبنائه وهم الأشراف، وهنا تجلت حكمته وإسلوبه العبقري والساحر لحل الصراع الذي نشب بين القبلتين وتصالحتا وانتهى الصراع إلى الأبد، وعادت المياه إلى مجاريها كما كانت وكأن شيئاً لم يكن.
وقال الشاعر موسي اتمان وهو يمدح زوجته (عليد أور): (أتمان إفريب إندا إفاطنة قالهن أوراو مرى تكتين هاي باباي)، ويعني بأن كل فرد من أبناء فاطمة كميل وأتمان جديرين بحل الإشكالات، التي تحدث بينهم دون الرجوع الي احد، ونريد هنا أن نوضح حقائق منها بأن الكميلاب هم كأقدم قبائل البجا أخوال الأتمن.
ونواصل بإذن الله.