إقتصاد

✳✳✳☜☜لنا كلمة☞☞✳✳✳

✏بقلم الأستاذ/ سعد محمد أحمد
♨قراءة فى إقتصاد ما بعد مصفوفة السلام♨
كتبت هذا المقال عقب اتفاقية جوبا للسلام الذي لم تكن سلاما بتاريخ ٣ نوفمبر ٢٠٢٠ اعيد نشره لأهميته لم تكن مقالا غيبيا إنما قراءة استراتيجية لمالات تلك الاتفاقية العرجاء بسبب التدخلات المحلية والمحاور الإقليمية التي رعتها والدولية وتاثيرات اصابعها في الشأن السوداني سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا والتي تولدت منها انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ التي خلقت أكبر أزمة سياسية واقتصادية وأمنية في تاريخ السودان.
شهدت الساحة السياسية السودانية لغطاً كبيراً وفتوراً ونفوراً بِينا ورفضا تاما من معظم المكونات السياسية والمجتمعية وتباينات ملفتة ومغلقة بعد توقيع إتفاقية السلام مع المجموعة التى أطلقت على نفسها الجبهة الثورية ولها مسارات أسناد لتقوية جبهتها والتى إختارت التفاوض من
خارج الصندوق لقوى الحرية والتغيير أولا مع المكون العسكرى بحثا عن مصالح ذاتية بدلا من السير مع قوي الثورة والتغيير فضلا عن ادعائها انها الكفاح المسلح هذا المصطلح الذى لا يستقيم إلا مع الدول المستعمرة ولا يعبر عن دولة ذات سيادة فحسب بل دولة ثورة ديسمبر المجيدة.
الغريب ان هذه المصفوفة تسمح لهذه الحركات الاحتفاظ باسلحتها وعتادها لمدة سنوات فى المدن والارياف بما فيها المركز وداخل سكنات القوات النظامية مع تعدد الاجهزة الأمنية ولديها أحزاب مدنية فى المشهد السياسى مع غياب تام لاحصائية لحجم هذه الاسلحة ونوعيتها وهذا يشكل
خطورة على الأمن القومي السودانى والافزع جعل مصفوفة الاتفاقية للسلام المزعوم مرجعية وسيدة على وثيقة الدستور الانتقالى ويحق لهم تعديلها.
هذا الدستور الذى امهره دماء الشهداء فى ثورة ديسمبر وفض الاعتصام وكأن مصفوفة السلام اعدت لاجهاض الثورة والشراكة بعدد مقدر وبنسبة أعلى تتفوق على نسبة الثوار ومكوناته هذه الاتفاقية كشفت دون أن تدرى الكثير من المسكوت عنه بما فيها من موجهات واشارات
سياسية سيادية واقتصادية وامنية وإجتماعية لمكونات السودان الاثنية والمناطقية وبدلا أن تكون
هذا التنوع السودانى اثراء للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافيةحتى الأمنية للسودان كوطن للجميع حيث شابت كثير من القصور بنود هذه الاتفاقية فى جلها وخلق نوع من الغبن لدى كثير من مكونات المجتمع السودانى التى لم تستشار وتعرض عليها هذه البنود رغما أن كل السودان مهمش حتى داخل خارطة دولة المركز ودفعت الجميع أثمان هذه الحروب الأهلية اللعينة فضلا عن المكونات التى كانت تتفاوض باسم الدولة السودانية لم تفوض ودون خبرة ولبعضهم اجندات تحد من المناورة والحركة كما يرجع هذا الاخفاق إلى طبيعة الرعاية الدولية والاقليمية
لهذه المحادثات المارثونية مع تشابك وتقاطعات والاحلاف لهذه الرعاية لكل له أجنداته الخاصة، كل ذلك تجعل الاتفاقية بعيداً كل البعد عن إشكالات السودان الحقيقية منذ الاستقلال حتى الراهن إن كانت سياسية أم اقتصادية ام امنية فضلا عن الثقافية والاجتماعية بحيث كان الغالب توزيع السلطة والثروة وحراستها على اسنة الرماح مما فتح ويفتح الباب لصراعات مناطقية واثنية حول الحقوق وتوزيع الثروة.
فان ربط مشاريع اعادة الاعمار بالاقتصاد السياسى ليس هاجسا سودانيا خاصا بل هو ارتباط عضوى يتدرج من العلاقة بين اعادة الاعمار ولاسيما بعد الحروب وبين مسارات السياسة فى الدولة ولاسيما بعد سيطرة النيوليبرالية على العالم. فى السياق النيوليبرالي يصنف الباحثون اعادة الاعمار تحت مظلة بناء «السلام الليبرالي » الذى يركز على مركزية اقتصاديات السوق لرسم معادلة تربط بين السلام والازدهار فان المعنى الرئيسي للسلام الليبرالى هو إجماع واشنطن الذى يكرس تمثيل صندوق النقد والبنك الدوليين فى
صنع السلام واعادة الاعمار وبذلك أصبحت برامج التقشف والخصخصة واطلاق يد السوق جزءاً من عمليات السلام بالاضافة إلى اعادة توجيه الاقتصاد مع قيود صندوق النقد والبنك الدوليين.
السلام الليبرالى بمثابة وصفة موحدة تزكيها وتدعمها المنظمات الدولية والدول الغربية المركزية والمؤسسات المالية الدولية تعتمد هذه الوصفة بدرجة عالية اشراك العديد من المنظمات غير الحكومية والنخب المحلية فى عملية صناعة «السلام الليبرالى » ما يحد من تطبيق نماذج
بديلة أو محلية لصناعة السلام أو لاعادة التعمير فتصبح الوصفة واحدة فى كل مناطق النزاعات والدمار بمعزل عن السياقات والحاجات المحلية وهذا ما يدفع إلى الجزم بأن السلام الليبرالى ينتج فى العادة سلاما رديئاً فتستمر العداوات بين الاطراف وتبقى معدلات المشاركة السياسية منخفضة اضافة إلى توسيع المكاسب بشكل غير متساوي العاملان الرئيسيان اللذان يساهمان فى فرض
وصفة السلام الليبرالى هما موارد القوى التى تتبنى الوصفة وإرتباطات الدول بالامم المتحدة ومفاعيل الاستعمال المكثف لمصطلحات مثل «المجتمع الدولي » و «السلام .»
فى الحقيقة الشرح عن السلام الليبرالى يصب وتراً حساساً عند الشعب السودانى لانهم عاشوا محاولات فرضه فى التجربة التى أعقبت إتفاقية السلام الكامل «نيفاشا » التى أنتجت سلاما هشا وردئياً وإستمرار العداوات بين الاطراف حتي إنفصال جنوب السودان، ان اعادة مشروع اعادة الاعمار بعد إتفاقية نيفاشا لم تحدث إطلاقاً لم يكن سوى مجرد عودة إلى ليبرالية إقتصادية والآن بعد ثورة ديسمبر المجيدة وفى ظل الحكومة الانتقالية التى أدعت وانها فرضت إستيعاب
تكنوقراط على رأس المؤسسات الحكومية مثل وزارة المالية وغيرها ما ميز هؤلاء التكنوقراط انهم كانوا موظفين سابقين لدى المصارف الدولية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى هؤلاء جسدو النيبوليبرالية معتمدين على الرعاية السياسية لرئيس الوزراء الذى ينتمى إلى تلك المدارس والذى وفر لهم رأس المال السياسى بينما هم يوفرون رأس المال الثقافى هكذا يتأثر السودان بشدة بالوصفات النيوليبرالية يعتمد بشكل كبير على النمو الاقتصادى الموجه نحو السوق واستهلاك النخب بينما تجاهلت نسخ و رؤي الاخرين بما فيهم رؤي اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير وأوغلت فى توجهها نحو الخصخصة والتسليع والتسويق على حساب الرموز المألوفة والمعالم والذاكرة هذا المسار جرد الدولة من ابعادها الاجتماعية والسياسية وذاكرته الجماعية وتساهم هذه الوصفة كما هو واضح فى تثبيت إقتصاد السودان السياسى على مسار نيوليبرالى.
لقد مر السودان بتجربتين خلال الثلاثة عقود السابقة الأولى عبدت الطريق نحو تثبيت النيوليبرالية كقواعد عمل للاقتصاد السياسى السودانى بعد عام 1992 م علي يد عراب إقتصاد الكيزان حمدى بينما الثانية تحايلت وكانت بعد إتفاقية السلام الشامل نيفاشا وخلال تلك الفترة
شهدت السودان متوسط نمو 5٪ بسبب ازدهار النفط وإرتفاع قيمته عالمياً وبسبب بعض الاستقرار السياسي بسبب عملية السلام وما تبعها من بعض الهدوء فى الحرب رغم إستمرار العقوبات الاقتصادية ولكن للاسف لم تشهد هذه الفترة اي عملية تنموية حقيقية أو إقامة مشاريع إنتاجية بل
شهدت الاقتصاد الريعي الذى وسع معونه وافسد الحال الاقتصادى وقنن الفساد داخل المؤسسات
الذى أدى إلى إنفصال جزء عزيز من الوطن الأم إنفصال الجنوب عام 2011 م عرى الاقتصاد السودانى تماماً حيث اخذ الجنوب معه 75 ٪من النفط السودانى الذى كان يشكل المورد الحقيقى.
كل هذا يقود إلى التساؤل لماذا تسير الحكومة الانتقالية على نفس النهج فى المسارات الاقتصادية الفاشلة تجربتها ولماذا نقبل بطرح الفدرالية المالية لا السياسية فقط هذا المشهد الذى نرى امام أعيننا ترجمة واقعية للنظرة الدولية لصراع اطراف سودانية مختلفة فى لحظة إنقسام
اقليمى ودولى حاد دون النظر للعيوب البنيوية السياسية والاقتصادية للسودان ارجو الا ندفع ثمنها.
ثم أن الفقر الذى يعانى منه غالبية الشعب السودانى بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة لا يمكن ردمه من دون سياسات ضريبية خارج الوعاء التقليدى وكثير من الدول لجأت إلى هذه السياسات وهي ان إنتشال الأسر من الفقر يتطلب فرض ضريبة على شريحة 10 ٪ من الأكثر
ثراء فى السودان بمعدل محدد سنوياً من ثرواتهم واستخدامها فى مجالات مكافحة الفقر .
تداعيات كوفيد 19 فى السودان والتى مازالت مهددة فضلا عن الركود الاقتصادى زاد ويزيد من فى معدلات الفقر المدقع هذه الفجوة الكبيرة بين الفقراء والاغنياء يمكن ردمها عبر ضريبة التضامن وهذه الضريبة لابد أن تعبر عن نقل إلى ما فوق خطوط الفقر علماً بأن من يعيشون بأقل من 8 دولارات يومياً يعتبرون من فئة الفقر المدقع.
الفجوة التى تعانى منها السودان سببه الانهيار المالى الذى ادى إلى تدهور سعر الصرف وإرتفاع كلفة الانتاج والاستيراد معا فى ظل شبه إنعدام للانتاج المحلى وتسليم أمر استيراد القمح والنفط والدواء لاجندات الخصخصة التى تدفع أثمان جشعها المواطن مع إحتكار صادر الذهب
الذى يشكل موارد الصادر الرئيسي فى راهن السودان لتلك الفئة ايضا فازدادت الاسعار بشكل هائل وإنكمش الاقتصاد بوتيرة حادة نتج عنها خسائر جسيمة في الوظائف والرواتب والأجور وتقلص معدلات الاستهلاك إلى الحدود الضرورية وجاءت الطامة الكبرى برفع الدعم عن الوقود والطاقة التى أدى بدوريهما إلى إرتفاع جنوني فى الأسعار كل ضرورات الحياة والنقل والترحيل وجاءت النتيجة إنزلاق عدد كبير من أبناء الطبقة الوسطي إلى الفقر والتى تشير إلى أكثر من
٪85 نسبة الفقر وأن السودان يحتل أعلى المعدلات العالمية حيث يحتل مركزاً متقدماً عالمياً.
وهناك نماذج عالمية يمكن الاستفادة منها وهى ضريبة التضامن وهي فكر ليبرالية بالكامل وهي قابلة للتطبيق ففى عام 1991 م طبقت فى المانيا بعد توحيد شطريها الشرقي والغربي بهدف تأمين رأس المال لاعادة إعمار المانيا الشرقية يومها فرضت ضريبة بمعدل 7.5 ٪ على جميع
الدخل لمدة سنة واحدة إلا أنها فرضت مرة أخرى للمساعدة على تطوير الاقتصاد فى المانيا الشرقية وهنا يمكن توجيهها إلى جميع مناطق السودان المهمشة والمنسية.
وفى فرنسا أيضا منذ عام 1988 م ضريبة تضامن على الثروة إلا أن هذه الضريبة أصبحت منذ عام 2018 م تفرض على الاملاك بتفادى التهرب الضريبي.
نحن فى حاجة إلى إعادة قراءة مصفوفة السلام التى أصبحت عبئاً على المواطن بدلاً أن تكون خيراً وفيراً وأمناً وسلاماً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى