إقتصاد

أزمات (الاحتكار الطبيعي) ل(اقتصاد الشبكات)*

*☽☜ لنا كلمة ☞☾*

*☽☜ لنا كلمة ☞☾*
*✏بقلم الأستاذ /سعد محمد احمد*
☜☜☜☜☜☜☞☞☞
*جون فيكرز وجورج باردو* باحثان قدما ورقة عن (المنظور الاقتصادي للخصخصة) تبدأ عملية إعادة توزيع الثروة من الدولة إلى الشركات الشارية للقطاعات حيث تستحوذ هذه الشركات على القطاعات بأسعار أقل من أسعارها السوقية، وهذا الانتقال من أموال دافعي الضرائب إلى ثروة الشركات الخاصة ولكن بشكل غير مباشر يحدث الانتقال في الثروة من خلال ارتفاع كلفة الخدمات على المقيمين في الدولة، وهي أيضا عملية انتقال الثروة من مستهلك الخدمات إلى الشركات الخاصة التي تولت مسؤولية تقديم الخدمات.
وبهذا النهج سار النظام الاقتصادي للإنقاذ على مدى ثلاثة عقود عجاف من سياسة الخصخصة للمؤسسات العامة بدواعي تغطية خسائر هذه المؤسسات وكان أول قطاع تم خصخصته قطاع الاتصال وتم بيع قطاع الاتصال بكل بنياته التحتية بثمن بخس ليلحق به قطاعات النقل والكهرباء وغيرها ولا يدري الشعب السوداني إلى يومنا هذا بكم تم بيع هذه القطاعات واين ذهبت ريع بيع هذه الشبكات.
من خلال دراسة (اقتصاد الشبكات) كشفت أن التصرف الذي تم في هذه القطاعات كان وبالا على الاقتصاد السوداني وسرقة مقننة لموارده ومداخيل الناس برفع أسعار الخدمة دون مبرر ودون مشورة وبعقود اذعان وتهريب الرساميل والاغراق في الاحتكارات التجارية ببيع الأملاك العامة بادعاء تخفيف خسائر الموازنة العامة للدولة لكن الهدف الحقيقي كان هو الاستحواذ على هذه القطاعات لتحقيق الريوع على حساب القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين هذا ما أظهره مشروع الخصخصة ونتائجها من خلال مفهوم (اقتصاد الشبكات) لأنها قطاعات متصلة بين المصدر الأساسي للخدمات وبين المستهلك عبر شبكة وهذا الامر ينطبق على قطاعات الكهرباء والماء والغاز والنقل والهاتف والتعامل مع اقتصاد الشبكات يكون مختلفا جذريا عن التعامل مع القطاعات الأخرى القائمة ضمن النظام الرأسمالي، وحسب مايراه الباحث (هانز فيرنر) في دراسته عنب اقتصاد قطاعات الشبكات بأن النماذج الاقتصادية الرأسمالية تحاول أن تقدر طريقة عمل الأسواق في القطاعات التقليدية مثل الزراعة أو الصناعة من خلال افتراض (المنافسة المثالية) في الأسواق. والمنافسة المثالية هي نظرية رأسمالية الأصل تعود إلى منتصف القرن الثامن عشر وتشير إلى أن سيناريو (مثالي ) تحدد قيمة الأسعار من خلال العرض والطلب من. دون تدخل أي عامل خارجي على أن تكون جميع المنتجات المتاحة من مختلف الشركات متشابهة وان يكون ربح الشركات محصورا فقط بما تحتاج إليه للبقاء في السوق الذي ينتج من سعر التوازن بين جانبي العرض والطلب، اي ان الشركة التي تحاول أن تحقق نسبة ربح أكثر مما هو حاصل في السوق من خلال رفع السعر، لن تجد زبائن مستعدين لشراء سلعتها ودفع سعر أغلى بسبب وجود منتجين آخرين مستعدين للبيع بأسعار أقل علما بأن ولوج الشركات إلى السوق وخروجها منه هما أمر لا عوائق في سبيله.
بشكل عام يتعامل النظام الرأسمالي من المنافسة في القطاعات التقليدية على أنها تسهم في خفض الأسعار إلى مستوى تنافسي، وبشكل يؤسس رفاهية المستهلك لجهة مستوى الأسعار ونوعية الإنتاج لكن في الوقت نفسه أن التعاطي مع قطاعات الشبكات أمر مختلف تماما إذ أن التكاليف في هذا القطاع مرتفعة وبالتالي لا يمكن الدخول إلى السوق من دون تكبد اكلاف عالية ولا يمكن الخروج منه من دون تكبد خسائر مرتفعة اي ان الدخول إلى السوق والخروج منه فيهما عوائق مادية كبيرة وهو عكس حال (المنافسة المثالية) كما أن حركة الأسعار في هذه القطاعات لا تخضع لقواعد العرض والطلب فنوع المنتج المعروض مختلف بجوهره عن أنواع المنتجات التقليدية. وعلى سبيل المثال أن الحياة الافتراضية للمنتج في قطاع الشبكات تعد قصيرا جدا (يمكن التفكير هنا بالكهرباء التي نحتاج إليها بشكل متواصل على مدار الساعة لأن الكيلواط المنتج يستهلك خلال أجزاء من الثانية) ولكل هذه الأسباب وأسباب عديدة أخرى لا يمكن التعاطي مع قطاعات الشبكات بنفس طريقة التعاطي مع القطاعات التقليدية لذلك لابد من الحوض في اقتصادات قطاعات الشبكات بقواعدها الخاصة التي شكلت في العقود الماضية علما فريدا يمكن تلخيص الهاجس الأكبر في ما يتعلق بقطاعات الشيكات بمصطلح (الاحتكار الطبيعي) بحسب تعبير أندرياس كولمان حيث يقول في اطروحته (مقالات عن صناعة شبكات الخصخصة والتنظيم وقياس الإنتاجية) أن قطاعات الشبكات تعتبر استثمارها مكلفا جدا فراس المال المطلوب للدخول إلى القطاع ضخم والاكلاف الثابتة التي يحتاج إليها الدخول إلى القطاع ضخمة جدا مثل انشاء معامل توليد الكهرباء أو محطات إنتاج وضخ المياه ومثل انشاء شبكات توزيع الكهرباء والمياه والاتصالات كل هذه الآكلاف الرأسمالية تصنف اكلافا غارقة اى انها غير قابلة للاسترجاع وهذا ما يجعل الدخول إلى القطاع بالنسبة لشركة جديدة ناشئة أمرا عالي المخاطر وهو ما يعطي الشركات القديمة والخبيرة والقادرة ماليا الأفضلية على الجديدة بمعنى آخر هذا الأمر يعد أهم موانع الدخول في المنافسة وبالتالي هو أهم مسهل للاحتكارات ولا يقف الأمر عند الآكلاف المرتفعة والمخاطر العالية بل يمتد إلى حقيقة متصلة بطبيعة هذا القطاع الذي يحتاج إلى شبكات ضخمة ممتدة إلى المستهلك ٠٠بشكل مباشر اي ان المستهلك لا يستطيع أن يختار بين الشبكات لأن وجودها بحد ذاته هو أمر مفروض عليه وهو ما يعطي الشركة المالكة الأفضلية واضحة على الشركات الأخرى بحسب (كولمان) فحتى لو كان استعمال الشبكات متاحا لمقدمي الخدمات الآخرين تبقى أفضلية الشركة المالكة للشبكات موجودة لأنها تكسب من الريع الاقتصادي من (تأجير) هذه الشبكات للشركات الأخرى، من ناحية أخرى يضيف بأنه بمعزل عن أن المنافسة في هذه القطاعات غير ممكنة فإنها (غير محبذة) أيضا فيما أن هذه القطاعات هي قطاعات خدمات عامه فمن الضرورة أن تكون هذه الخدمات متوفرة لجميع المقيمين في البلاد ودخول شركات منافسة على القطاع يهدد توفر الخدمات لأن هذه الشركات تسعى لتقديم الخدمات في المناطق ذات الاكلاف الأقل وذات الطلب الاعلي لتضمن ربحية عالية وهذا الأمر تجعلها تتوجه بشكل طبيعي إلى المناطق الحضرية حيث الكلفة أقل والطلب أعلى بسبب الكثافة السكانية والمساحات الصغيرة وهذا الأمر يجعل الاستثمارات في الأطراف أقل وبالتالي يجعل الخدمات هناك أقل جودة لذا إن الاحتكار الطبيعي لقطاعات الشبكات يفرض التعامل معها بشكل حذر، فالاحتكار هو المسار الطبيعي لهذه القطاعات وأفضل طريقة لاحتوائه هو أن يكون مملوكا للدولة.
هذا الأمر يبدو واضحا وبيننا من خلال نتائج الخصخصة في قطاعات الخدمات العامة في السودان ففي معظم الأحيان تم التعامل مع هذا الموضوع بالقواعد نفسها التي تتعامل فيها الرأسمالية مع الملكية الخاصة في القطاعات التقليدية الا ان معاينة اقتصاد الشبكات يتبين بوضوح أن الأمر مختلف شكلا ومضمونا عن القطاعات التقليدية حتى أن القواعد بينهما مختلفة وعلى سبيل المثال لا ينطبق على قطاع الشبكات القاعدة التي تقول إن الملكية الخاصة تؤدي إلى إنتاجية أعلى إذ أن ميل هذه القطاعات إلى الاحتكار الطبيعي يسهل على الشركات المحتكرة التحكم بالأسعار كما تريد ومع غياب المنافسة المثالية لا رادع اقتصاديا أمام الشركات للتلاعب بالأسعار والخدمات، يزيد ربحيتها أو بشكل لا تضمن حتى تحسين الخدمات المقدمة وكل هذا يشكل الان واقع معاش في حياة السودانيين من رداءة الخدمة ورفع أسعار المنتجات وهذا واضح وجلي في قطاع الاتصال والكهرباء والمياه.
بشكل عام الخصخصة هي تطبيق للأفكار النيوليبرالية نابع من تقليص دور الدولة في الاقتصاد لكن المسار النيوليبرالي يتم التراجع عنه عالميا منذ أكثر من عقد، بدأ هذا الأمر مع الأزمة المالية في عام ٢٠٠٨ من خلال تدخل الدول لإنقاذ قطاعاتها الحيوية كما حصل في أمريكيا تدخلت لإنقاذ أكبر مصارفها واستكمل مسار الابتعاد عن النيوليبرالية بعد جائحة كورونا مع تدخل الحكومات حتى أكثرها تطرفا راسماليا بشكل أساسي في استمرار الاقتصادات وفي محاولات التعافي. لذا لا يبدو منطقيا أن يستمر السودان في هذا الحال، فهناك أحاديث تجري تداولها كثيرا عن الانعكاسات السلبية للخصخصة على الاقتصاد ولا سيما في ما يخص اتساع فجوة إعادة توزيع الثروة بسبب نتائج الخصخصة وامامنا تجربة مرة في خصخصة قطاع الشبكات وعلى سبيل المثال وليس الحصر قطاع الاتصالات التي تم بيع بنيتهالتحتية وشبكاته دون مقابل حتى أرقام عملائه مع ارتفاع أسعار المكالمات الذي يتم حسب امزجة أصحاب الشركات دون رادع وكذلك قيمة الإنترنت وسرقة الأرصدة باسم خدمات دون إذن مسبق أو مشورة العميل كل ذلك (كوم) ورداءة الخدمة وانقطاعها (كوم آخر) كل ذلك رغم أن القيمة مدفوعة مقدما اما الحديث عن حال الإقاليم والارياف تحدث ولا حرج تعاني من رداءة الخدمات التي سددت قيمتها.
اما ان الاوان لمراجعة عملية الخصخصة خاصة بما يعني اقتصاد الشبكات وعلى رأسها قطاع الاتصال الذي يشكل تهديدا لمدخرات الناس وامتصاص موارد البلاد ومالكا لاسرار الدولة للخروج من هذا الاحتكار الطبيعي وتعود ملكيتها للدولة لضرورات أمنية وخدمية واقتصادية لأن معاناة الناس مع شركات الاتصالات وصلت ذروتها.
…………………………………

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى