إقتصاد

الصادق علي حسن يكتب.. تضارب واضطراب في خطاب قائد الدعم السريع (٦)

( *كمال عبد المعروف وليس عمر عبد المعروف)


سمعت خطاب حميدتي أكثر من مرة لغرض التدقيق في تناول خطابه بالتحليل ، وظللت أقوم بتدوين ما ورد بالخطاب من وقائع وأسماء، ومن الأسماء المذكورة في الخطاب اسم الفريق أول كمال عبد المعروف وجاء ذكره في سياق حديث حميدتي للفريق أول عوض بن عوف بتنحى كل من رفضه الشعب، في المقال السابق بالرقم (٥) كتبت إسم عمر عبد المعروف بدلا عن إسم كمال عبد المعروف، عدد من القراء الكرام فطنوا لما قصدته، وتم تنبيهي بالإتصال والكتابة والتعليق ويلزمني التصحيح بأن المقصود هو كمال عبد المعروف .
هل فعلا حميدتي لا يمتلك حزب أو تنظيم ؟ :
في تبسيط شديد دفع حميدتي بأنه لا يمتلك حزب أو حركة مثل حزب المؤتمر الوطني أوالحركة الإسلامية وأنه ليس له أي طموح في السلطة مثل حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية التي ترغب في العودة إلى الحكم بأي وسيلة . صحيح حميدتي ليس له تنظيم حزبي أو حركة عقائدية مثل حركة الإسلام السياسي ولكن في واقع الحال صار يمتلك مؤسسة عسكرية وسياسية و إقتصادية وإجتماعية متكاملة وقد صارت قواته (الدعم السريع) القوة الأكثر نفوذا وتأثيرا في الدولة السودانية منذ تأسيسها في عام ١٩٥٦م ولولا تقديرات الحرب الدائرة بينه وبين حليفه السابق وغريمه الحالي البرهان وقبل ذلك نتائج الانقلاب على شراكة الوثيقة الدستورية ضد المكون المدني لكان من السهل أن يصل حميدتي لرئاسة البلاد في ظل الإنتخابات التي تقوم على الصوت الإنتخابي وليس البرنامج وقد ضعفت الأحزاب وصارت نخبها مفصولة تماما عن قواعدها، كذلك إذا تحقق له الإنتصار على البرهان وأعوانه في الحرب الدائرة حيث ليس من المتصور أن يكون حميدتي قد خاض هذه الحرب بكلفتها الباهظة من أجل تحقيق الديمقراطية والحكم المدني للبلاد ، لذلك حديث حميدتي عن عدم إمتلاكه لحزب أو حركة سياسية أو عقائدية مثل الإخوان المسلمين لا يحجب حقيقة أنه يمتلك ما لا تمتلكه كل الأحزاب ،لقد منح حميدتي أكثر من الف ومائتي سيارة جديدة لقادة الإدارات الأهلية وهذا هو الرقم المعلن عنه، والكثير من المنح والعطايا والسيارات للقيادات والنافذين المحليين ووجهاء المجتمع كما وصار يتلقى التأييد من زعماء القبائل بكل أرجاء البلاد شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ووسط البلاد في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة كما اكرمه بعض زعماء القبائل بمدن السودان المختلفة وعرضوا عليه المصاهرة والزواج بكريمات القبائل تعبيرا عن الشكر والإمتنان وتقوية الروابط الإجتماعية،وفي جانب المجتمع المدني تواصل مع المنظمات المدنية كما وسعى لرعاية التكوينات والتنظيمات المدنية وقام عدد من أبناء دارفور من كل ألوان الطيف القبلي والإجتماعي يتقدمهم المهندس صالح عبد الله رئيس مجلس شوري الزغاوة بتاسيس منظمة مدنية قام حميدتي برعايتها ومن داخل هذه المنظومة خرجت مبادرة للترويج بأن حميدتي هو الأكثر جاهزية للترشح في الإنتخابات العامة القادمة لمنصب الرئيس، وقد كان حميدتي يتحسب للمسارين المدني والعسكري معا ، لذلك حديثه عن عدم إمتلاكه للحزب السياسي أو التنظيم ليعزز به أقواله بأنه لم يكن وليس له أي طموح في السلطة، فهذه مزاعم لا تسندها الحقائق.
شعار بإستثناء المؤتمر الوطني :
في الممارسة السياسية العامة ونظم الحكم في الدولة الحديثة هنالك ثلاث حالات لمنع وحرمان الأحزاب ومنسوبيها والتنظيمات والأفراد من ممارسة الحقوق الدستورية المجردة، والحالات الثلاث هي القانون -الشرعية الثورية – الانقلاب العسكري.

الحالة الأولى : المنع والحرمان بالقانون :

جريمة تقويض النظام الدستوري من أكثر الجرائم جسامة وهي الأشد خطورة وعقوبة في كل أنظمة الدول ، لقد نص قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة ١٩٩١م بمنع المدان بأرتكاب الجرائم المخلة بالشرف والأخلاق من تولي الوظيفة العامة إلا بعد إنقضاء سبع سنوات من العقوبة المقررة، وبموجب أحكام القانون يعزل المدان من الوظيفة العامة كما يمنع من الترشح للوظائف والمناصب العامة مثل عضوية البرلمان، لقد كان الإجراء السليم لمنع وحرمان مرتكبي جريمة تقويض النظام الدستوري في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م- من منسوبي حزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي- من تولي المناصب والوظائف العامة وحظر الحزب نفسه هو ان يكون ذلك بالقانون ولكن المؤسف حقا تم تجاوز القانون وضاعت مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة .

الحالة الثانية : المنع والحرمان بالشرعية الثورية.

الشرعية الثورية من وسائل التغيير التي تكفل للثوار إحداث التغيير الكامل وأشهر الثورات في العالم الثورة الفرنسية كما شهد السودان ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥م المجيدتين، وفي الثورتين المجيدتين استرد الشعب السلطة من العسكر بالكامل، عقب نجاح ثورة أكتوبر تم تكوين لجنة من ثلاثة قضاء للتحري مع قادة إنقلاب نوفمبر ١٩٥٨م برئاسة القاضي صلاح شبيكة وأحالت السلطة التنفيذية تقرير اللجنة المذكورة للجمعية التأسيسية وفلت عبود وأعوانه من المساءلة الجنائية، وعقب ثورة أبريل ١٩٨٥م تمت محاكمة أعوان النميري بالسجن لعدة سنوات ولم تكن العقوبات رادعة وظل النميري خارج البلاد حتى وقوع إنقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م وقام البشير بإسقاط التهم الموجهة للنميري وعن زملائه المدانيين بموجب أحكام قضائية مثل خالد حسن عباس وأبو القاسم محمد إبراهيم ومامون عوض أبو زيد ثم تولى أبو القاسم محمد إبراهيم منصب بدرجة وزير بالمجلس الوطني لنظام البشير ،إما عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في ٢٠١٨م وبموجب أحكام الوثيقة الدستورية المعيبة تم اقتسام السلطة ما بين قوى الحرية والتغيير وأعضاء اللجنة الأمنية لنظام البشير ، وتعد هذه حالة فريدة في التجارب ، وبموجب شراكة اقتسام السلطة تم تعطيل استعادة الحياة الدستورية للبلاد كما استطالت إجراءات محاكمة قادة إنقلاب نظام الإنقاذ حتى وجدوا السبيل ممهدا للخروج من السجون عقب الحرب الدائرة.

الحالة الثالثة : المنع والحرمان بسلطة الإنقلاب العسكري أو المعارضة المسلحة.

في الحالة الثالثة تمتلك القوة الإنقلابية او المعارضة المسلحة إذا وصلت للسلطة زمام الأمور بالدولة وتفعل ما تشاء كما حدث في تجارب الانقلابات الثلاثة (نظام عبود -نظام النميري -نظام البشير ) ولم تعرف البلاد الوصول إلى السلطة عن طريق وصول المعارضات المسلحة كما يحدث في دول الجوار الغرب الأفريقي.
إن من يتملك السلاح وينتصر يمكنه أن يفرض شروطه ، ولكن من لا يستخدم السلاح كوسيلة للتغيير ووسيلته الوحيدة العمل المدني لا يستطيع ان يمنع الأحزاب أو الأفراد من ممارسة العمل السياسي ومباشرة الحقوق الدستورية إلا بالقانون، ولم تفطن قوى الحرية والتغيير لنجاعة تلك الوسيلة .
لقد سمح تجاوز القانون لحزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي بالعودة للساحة السياسية عقب الحرب، وتحت غطاء الاستنفار عاد أعضاء الحزب المذكور والحركة المذكورة وهم الآن في أرض المعركة وأي مطالب لإبعادهم بخلاف القانون لا قيمة لها وهم يحملون البنادق ويهددون بها .
في المقال القادم نقرأ من خلال خطاب حميدتي نذر الحرب الأهلية الشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى