مقالات

القصة وطن يا هؤلاء..!

عبد الله أوبشار

عبدالله أوبشار

قد لا يفهم الكثيرون طبيعة ما يجري في محيطهم، ربما لأن قراءتهم لما يجري كانت بعجلة وتسارع، ولو تأنوا قليلاً لكان

استيعابهم غير. وقد تتقزم أفكار البعض، لدرجة شرعنة الاحتلال بقصد أو تجاهل أو دون ذلك سبباً. ولعل صبية وأطفال فلسطين يلهمون مجتمع الغافلين، بأن الوطن غالٍ، ومهره دماء الشهداء من أبنائه، أو كما قال الشاعر:

وطني ولو شغلت بالخلد عنه

لنازعتني إليه في الخلد نفسي

فليعلم المدعون الغزاة الجدد، بأنه ليس من السهل أن ينالوا من السودان عموماً، وشرقه خصوصاً، وأنه ضربٌ من المحال. لأن عزيمة أبنائه المستعدون للتضحية من أجله لا تلين، وما لا يفهم في تخطيطهَم بعد أن أصابتهم موجة الغباء، وقادهم تفكيرهم الضحل بمحو أهل المصلحة الحقيقيين، لينفردوا برعاية وممارسة سياسة الإطفاء، ويستخدموا بعض الضعاف، الذين ارتضوا أن يكونوا مجرد أداة في أيدي المحتل، المنتحل شخصية المناضل، ويقوم بشراء الذمم ليتسلل ويحكم سيطرته، وقد يستخدم كل الوسائل ليظهر بأنه جزء من البعض، متسلقاً على ظهر القبيلة تارة، وداعياً للهوية المزدوجة لإنسان الشرق (الارتريوسوادنية) تارةً أخرى.

قد يعتقد المتابع للأحداث في شرق السودان، بأن الصراع محتدم بين قبائله وأنها تتناحر في ما بينها، وتمارس القتل والترهيب ولا تعرف الرحمة، ولكن الأمر مختلف تماماً، فقد عرف إنسان الشرق بالإلفة والمحبة، وأصبح رمزاً للتعايش السلمي، بما يمتلكه من أعراف أهلية أشد قداسة وتطبيقاً من القوانين نفسها، وقد أقحمت بعض القبائل في هذا الصراع وأصبحت ضحية لذلك المخطط الخبيث، الذي يريد شراً بالجميع، دون استثناء، حتى أولئك الذين تسمَّى الوافدون  باسمهم زوراً وبهتاناً.

وهنا يجب أن يعرف ما ناشدو الحقيقة بأنَّ إنسان الشرق كان يعيش آمناً مستقراً، حتى ظهرت أطماع المجموعات التي تسللت وتسلقت على ظهر اتفاقية سلام جوبا، لتختطف مسار الشرق، عبر امتطاء ظهر القبلية. فعند قدومها الأول، أعلن قادتها في مطار الخُرْطُوم بأن هناك قبائل في الشرق أقلية، بل ذهبوا أكثر من ذلك، حين طالب أمينهم العام في لقاءٍ بولاية كسلا، بالجنسية المزدوجة لشرق السودان، جاهلاً بالدور التاريخي والنضالي لإنسان الشرق في القضايا الوطنية والقومية. وتلك كانت نقطة فاصلة بين الوقوف بخط الوطن والزود عنه، أو التخاذل وتسليمه لمجموعات تريد اختطاف الشرق وبيعه لمجموعات لا علاقة لها بالسودان وأهله، وتنادي بالعبث بالهوية الوطنية، ويمكن للجميع الرجوع لخطاب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير والعدالة، والمفاوض الرئيسي للشرق في المسار.

بعد هذه المهازل، التي لا يمكن السكوت عنها، انتفض أهل الشرق في ولاياته الثلاث، وأعلنوا رفضهم القاطع للمسار، وبعد التصعيد والتصدي امتطى قادة المسار ظهر القبلية، وأقاموا ذلك الحشد الإثني الذي أرادوا أن يشعلوا به الشرق، والعبث بدماء وأشلاء المواطنين العزل في البحر الأحمر، معتقدين بأنهم يستطيعون أن يفرضوا علينا احتلالاً ناعماً وجديداً، وجَهِلوا تماماً أن استهدفهم، واجهوا الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، وسجلوا أروع الانتصارات في تاريخ السودان، كنصرهم الفريد في تاماي (كسر المربع الإنجليزي).

استشعر الجميع بأن قادة مسار جوبا ما هم إلا دعاة فتن، يمتطون ظهر القبلية ليفرضوا أنفسهم رغماً عن إرادة أهل الشرق الأصيلين، ودونكم دعواتهم الشيطانية لتحويل الشرق إلى رواندا، مما دفع أهل (مجتمعين) لمحاربة باعتباره تدخلاً خارجياً سافراً، إذ لا يعقل أن يسكت إنسان الشرق، على تجاوزات الأجانب والمتغولين.

من الأهمية أن يعلم جميع السودانيين، بأن البجا لا يقودون صراعاً قبلياً في الشرق، وإنما يناهضون غزاة ويدافعون عن أمن وسيادة السودان، ومهروا نضالهم بدماء وأرواح طاهرة لأجل هذا الوطن.. فالقضية الآن قضية وطن أرض.. قضية تاريخ يجري تحريفه لشرعنة وجود الأغراب  في الحاصر والمستقبل. ونحذر آكلي فتات دُعاة المسار، بألا يعترضوا نضالات البجا ومجلس نُظارهم الموقر، لأننا لن نترك أرضنا ونغفل عن جماية وطننا، وسنعتبرهم غُزاة كأربابهم المتغولين، وحينها لا يلومون إلا أنفسهم، ولا نامت أعين الجبناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى