أعمدة رأي

الولاء المؤسسي وقتل الابداع في شمال كردفان

 د. صالح احمد البشير صالح: 🔥
قبل الخوض في تفاصيل العنوان أعلاه، لابد من التطرق لنقطة هامة دائماً ما نسمعها تتردد على لسان كثير من المسؤولين، ضمن سياق حثهم الموظفين على الالتزام بها، وأعني بها مسألة «الولاء المؤسسي».
هذا «الولاء» يعد من أهم أسس صناعة الانتماء للوظيفة والمهنة، وهو المنطلق لدى أي موظف حتى «يُخلص» في عمله، وحتى يقوم به على أكمل وجه، وأرضيته تكون مبنية على القناعة الراسخة لدى الموظف بدوره وأهميته، والرسالة العامة للقطاع الذي يعمل لديه.
وهنا سنجد فارقاً كبيراً بين الولاء المؤسسي لجهة عمل في القطاع الخاص، وجهة عمل في القطاع الرسمي.
الأولى، أي الخاص، يكون فيها الولاء للمؤسسة ككيان «منفرد»، ويكون الالتزام من الموظف لأجل وظيفته ومدخوله أكبر ومقدم على الولاء لرسالة المؤسسة الخاصة وأهدافها.
لكن في النوع الثاني، نحن نتحدث عن قطاع عام مرتبط بمنظومة الدولة، ما يعني أن أهدافه منبثقة من أهداف الدولة، ودورنا فيه يدخل ضمن الواجب الوطني وبناء الوطن والحفاظ على مكتسباته وتحقيق الإنجازات له، وطبعاً مقابل ذلك هناك المدخول المادي.
حتى نخلق هذا الولاء المؤسسي في قطاعاتنا، بالتالي نوجد شريحة كبيرة من الموظفين الذين يجتهدون لأجل النجاح الذي سيحسب للوطن في النهاية، لابد من تحويل مواقع العمل في القطاعات، لمواقع «محببة» لدى الموظفين، لمواقع تستقطب شغفهم وحبهم للعمل، لمواقع تدفعهم على الإنجاز، وطبعاً الإنجاز لا يصنع إلا في بيئات عمل صالحة ( وليس 🔥🔥).
أعود هنا للحديث عن العنوان أعلاه، إذ بالتأكيد سنجد في كثير من مواقع العمل موظفين مخلصين ومجتهدين ومثابرين، يؤمنون بأهداف عملهم، ويرون فيه أنه يمثل جزءا من المنظومة الشاملة للدولة، وعليه فإن النجاح فيه يمثل إسهاماً يتقاطع مع إسهامات جهات رسمية أخرى، بما يعني في النهاية تسجيل النجاح لمخرجات منظومة العمل في الدولة.
حينما يجد المدير المٌنصف… موظفًا مبدعًا، شغوفًا بالعمل، متجاوبًا مع التكليفات، فإنه يعيش أزهى مراحل حياته العملية، معتمدًا على طاقات هذا الموظف الذي أصبح بلا شك قيمة مٌضافة للعمل
المدير غير “المٌنصف”، والمدير “غير المٌدرك”، والذي يُداري “كرسيّة”… يخشى كثيرًا “الموظف المبدع”، ويسعى دائمًا إلى “تهميشه”… لأنه يعلم تمامًا أن تهميش هكذا موظف سيدفعه إلى الخروج، والبحث عن بيئة عمل جديدة تستقبله.. وتدعم إبداعاته… وتنصفه.
للأسف الشديد… كثيرًا من بيئات العمل لدينا هي بيئات عمل يسيطر عليها “مدراء” غير “مٌدركون”، لا يكترثون للإبداع… ولا يشجعون على الإنتاجية… ويعززون من ثقافة الإحباط… ويستخدمون وسيلة “التهميش” كأداة لـ”تطفيش” كل من هو ناجح يا سعاتك.
هذه النوعية من المدراء… لا يسعد بهم سوى موظف “ يجيد تكثير النلج كما يقولون” … اما ذاك ولا يستطيع أن يبدع ويتميز… مثل هذا الموظف يعتبر التهميش “مكافأة له”…. حيث ستمر الأيام، والأشهر، والسنوات… وهو مهمش.. لكنه في نهاية كل شهر.. يقبض راتبه… والسبب (مٌدير غير مدرك).!
أما المدير الجديد.. الذي يحكم على موظفيه بمجرد “السماع” من الآخرين دون أن يتثبت ويتحقق ويتابع… متجاهلًا الوقوف على تجربتهم العملية… وإمكاناتهم الشخصية… هو مدير يبحث فقط عن موظف “يسمَع” و”يسمّع”… لا يناقش، وينفذ كل شيء يصدر من هذا المدير… حتى وإن كان التنفيذ مُضرّ لمنظومة العمل… وغير سليم من حيث النتائج… وفيه هدر للجهد والمال والممتلكات.!
ختامًا…
أيها المُدير غير المُدرك… يجب أن تُدرك أن “التهميش” ليس انتصارًا بالنسبة لك… لأنه خسارة محققة لمنظومة العمل
لكن الظاهرة المؤسفة التي يمكن بسهولة رصد أمثلة عليها، تتمثل بوجود أعداد كبيرة من الموظفين المجتهدين والمخلصين في مواقع عملهم، لكنهم للأسف «مهمشين»، لا يحظون بالتقدير اللازم، ولا يتحصلون على المعاملة الصحيحة، بالتالي شيئاً فشيئاً يُقتل فيهم الولاء المؤسسي، ورويداً رويداً يموت حماسهم، ويتحول موقع العمل لديهم إلى كابوس، يسعون للخروج منه بأسرع طريقة ممكنة، بل يتحول التعاطي معه، من الحب إلى المقت، وهنا تكون المصيبة التي تداعياتها تضر المنظومة بأكملها، ومن ثم تضر الدولة.
السبب في ذلك ينحصر أولاً وأخيراً في أساليب الإدارة، هذه الأساليب التي يمكن أن تحول مواقع العمل إلى جنة إدارية، يحب الناس العمل فيها، ويتمسكون بها، ولأنهم مرتاحون فيها فإنهم ينجزون ويبدعون وحتى يضحون بوقتهم، في المقابل يمكن للأساليب الخاطئة أن تحول مواقع العمل إلى جحيم، تتذمر شريحة كبيرة منه، يقتل فيه الطموح، وتتقاعس الناس عن العمل والإنجاز.
حتى نصنع الولاء المؤسسي، لابد من البحث عن المجتهدين المخلصين وتقديرهم، وتجنب «تهميشهم» أو «تحطيمهم»، سواء أكانت الأسباب تعود لظواهر إدارية خاطئة مثل وجود شللية ولوبيات تحيط بالمسؤول، أو بتركيبة المسؤول نفسه إن وصل لمرحلة يظن فيها أنه أكبر من المؤسسة، وأن المؤسسة يجب أن تخدم أهدافه الشخصية، لا أن يخدم هو أهدافها العامة.
لذلك المثل الذي يقول «لكل مجتهد نصيب»، لم يورد هكذا عبثاً، لأن المجتهد والمخلص والمتفاني في عمله إن لم تقدره، بل قابلته بالتهميش والظلم، فإنك ستخسره للأبد، وستحوله من عنصر فاعل إلى عنصر خامل، وفي النهاية الكيان الأكبر هو الخاسر، ولا أحد وطني مخلص يحب لوطنه أن يخسر بأي شكل كان.
👍 ومن وزارة/ لا اقصد من بيتنا في شمال الصحوة بالابيض سلام. 19/3/2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى