تقارير

توجّس ألماني من عنف الاتحادات الإسلامية ضد اليهود

فيليكس كلاين: لا يمكن تحميل اليهود مسؤولية أفعال الحكومة الإسرائيلية

يهود ألمانيا ينددون بمعاداتهم

يمثل التصعيد الإسرائيلي مع حركة حماس في قطاع غزة فرصة مواتية لبعض الاتحادات الإسلامية المتطرفة لتحريض الجالية المسلمة على ممارسة العنف ضدّ اليهود، وهو ما يثير قلل السلطات الألمانية التي استبقت هذه الأجندات وحذرت من مغبّة المضي فيها.

انعكس التصعيد في الأراضي الفلسطينية بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس في قطاع غزة على الوضع الأمني العام في ألمانيا التي تنشط على أراضيها العديد من الاتحادات الإسلامية، ما دفع السلطات إلى تحذير هذه الاتحادات التي عادة ما يتم توظيفها سياسيا وأيديولوجيا من قبل مموليها من مغبة العنف ضد اليهود وتحميلهم مسؤولية أفعال الحكومة الإسرائيلية.

عقب مسيرات احتجاجية معادية للسامية في العديد من المدن الألمانية، دعا مفوض الحكومة الألمانية لمكافحة معاداة السامية فيليكس كلاين، الاتحادات الإسلامية في ألمانيا إلى التهدئة و”النأي بنفسها عن العنف ضد اليهود وعن الاعتداءات على أماكن عبادتهم”. وقال كلاين إنه من المفزع بالنسبة له أن يرى “مدى وضوح تحميل اليهود في ألمانيا المسؤولية عن أفعال الحكومة الإسرائيلية التي لا يشاركون فيها على الإطلاق”، موضحا أن مثل هذا المنظور يعتبر “معاداة بحتة للسامية”. وأشار إلى أن التضامن مع الفلسطينيين أو انتقاد الحكومة الإسرائيلية ليسا مبرراً لأحداث مثل تلك التي وقعت في بون وجيلزنكيرشن ومدن ألمانية أخرى.

أُحرقت أعلام إسرائيلية ليلة الأربعاء/الخميس أمام معابد يهودية في مونستر وبون. وفي زولينجن أحرق مجهولون العلم الإسرائيلي الذي تم رفعه أمام مبنى البلدية مساء الخميس. وأوقفت الشرطة في جيلزنكيرشن مظاهرة معادية للسامية أمام المعبد اليهودي مساء الأربعاء. وحذر المتحدث باسم حكومة المستشارة أنجيلا ميركل الجمعة من أن ألمانيا “لن تتسامح” مع أي تعبير “معاد للسامية” على أراضيها، بعد تجاوزات في مسيرات مرتبطة بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

شتيفن سايبرت: لن نتسامح مع أي تعبير معاد للسامية على أراضينا

وقال شتيفن سايبرت في مؤتمر صحافي إن “أي شخص يستخدم مثل هذه الاحتجاجات للتعبير عن كراهيته لليهود ينتهك حقه في التظاهر”. وأضاف أن “كل من يهاجم كنيسا يهوديا أو يضر برموز يهودية يظهر أن الأمر لا يتعلق بانتقاد دولة أو سياسة حكومة، بل اعتداء وكراهية على دين والذين يعتنقونه”، مؤكدا أن “ديمقراطيتنا لن تتسامح” مع احتجاجات كهذه.

يأتي التحذير الألماني، في وقت ارتفعت فيه جرائم معاداة السامية في البلاد، فيما يمثل التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة حافزا إضافيا لتنامي جرائم العنف والكراهية. والأسبوع الماضي، أعلنت وزيرة العدل الألمانية كريستينا لامبرشت أنه من المقرر أن يتم التعامل مع أي إهانات تحريضية لليهود على أنها جريمة. وتسعى الوزيرة الألمانية بذلك إلى سدّ الثغرة بين الإهانة والتحريض في القانون الجنائي. ومن المقرر أن تتم المعاقبة بغرامات مالية أو السجن لمدد تصل إلى عامين، إذا اعتدى شخص على كرامة غيره بسبب موطنه أو عقيدته.

قبل هذا القانون كانت المحاكم مكتوفة الأيدي غالبا في التعامل مع مثل هذه الحالات، عند إرسال خطابات كراهية لأعضاء بالمجلس المركزي لليهود. ومن المقرر أن يتم إدراج النموذج القانوني الجديد لجريمة “الإهانة التحريضية” إلى مشروع قانون سيتم التشاور بشأنه في البرلمان الألماني (بوندستاغ) وهو على وشك اتخاذ قرار بشأنه. وأفادت وزارة الداخلية الألمانية في وقت سابق أن الأعمال الإجرامية التي تقف وراءها مشاعر معاداة السامية، ازدادت بنسبة 20 في المئة العام الماضي. وأما الأعمال الإجرامية، التي لها علاقة بمعاداة السامية فبلغت 1799 عملا بزيادة مشابهة بحدود عشرين في المئة.

تواجه أوروبا عموماً، وألمانيا خصوصاً، تحدياً حقيقياً يتمثل في تفاقم جرائم الكراهية والعنف ما ساهم في تراجع مؤشرات التعايش المنسجم وأثار مخاوف من الحفاظ عليه بين مواطنيها. ويعزو مراقبون ألمان تفاقم الظاهرة بشكل مقلق إلى وجود داعمين لإحياء التطرف الديني ماديا ولوجيستيا لاسيما من قبل الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (ديتيب). ويعد ديتيب أكبر مظلة إسلامية في ألمانيا تضم 900 مسجد بأئمة أتراك مدربين وممولين من تركيا. وشكلت لغة هؤلاء الأئمة والحاجز الثقافي إلى جانب ولاء العديد منهم للحكومة التركية دافعا للحكومة الألمانية للتعامل بشكل مكثف مع هذه القضية في السنوات الأخيرة.

تعول تركيا على المساجد التابعة لها في أوروبا للتأثير على المسلمين وبثّ خطابها السياسي، وهو ما أكدته أجهزة الاستخبارات الألمانية، حيث يُعتبر “ديتيب” وسيلة أساسية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الحاكم. وأظهرت دراسات أنّ الوعي المجتمعي في أوروبا لا يعتبر الإسلام دينا وإنما “أيديولوجيا سياسية”، وتُحذّر من أن التصورات العقائدية والدينية الصارمة و”عدم التسامح مع الأديان الأخرى” يمكن أن يضرا بالديمقراطية على المستوى البعيد.

يوظف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الاتحاد سياسيا وأيديولوجيا من أجل بث المزيد من الانعزالية داخل المجتمعات الغربية. ومع انخراطه في مهاجمة إسرائيل و”الانتصار لفلسطين” وهي هواية مفضلة للرئيس التركي الذي يقدم نفسه “حاميا للمسلمين” حول العالم دون أن يقدم لهم شيئا ملموسا سوى تسجيل نقاط سياسية ضد خصومه الإقليميين، بات تحرّك ديتيب على وقع المواجهات الجارية في قطاع غزة مقلقا للسلطات الألمانية التي حذرت من مساعي بث الفتنة والتحريض على العنف ضد اليهود. ووصف أردوغان الجمعة إسرائيل بـ”دولة الإرهاب” وهو خطاب يؤكد محللون أنه موجه للاستهلاك الإعلامي، فيما يكافح على جانب آخر من أجل استعادة العلاقات المتميزة مع تل أبيب التي عاد إليها السفير التركي في ديسمبر الماضي.

يعد تحريك أردوغان لأذرعه الإسلامية وشحنها ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وخطته لمواجهة الانعزالية الإسلامية، أحدث مثال على توظيف هذه الكيانات التي تتخفى تحت يافطات متعددة أبرزها العمل الخيري والنشاط الجمعياتي من أجل بث الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد.

في سياقٍ آخر، شهدت فرنسا مؤخراً مظاهرات تخللتها أعمال عنف ورفع خلالها شعارات مناوئة لمبادئ العلمانية الفرنسية احتجاجا على الخطة الفرنسية لمكافحة الإرهاب الإسلامي وتجفيف منابع تمويله وحواضنه الأيديولوجية، إلا أن ذلك لم يؤثر على حزم السلطات الفرنسية في المضي قدما.

وترى رئيسة المجموعة البرلمانية الألمانية التركية في ألمانيا سيفيم داغديلين أن أكبر جماعة إسلامية في ألمانيا هي الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، وهو الوكيل الرئيسي لتركيا في ألمانيا، معتبرة أنه “وسيلة أساسية للتأثير على المساجد التابعة لتركيا في ألمانيا وبث خطاب سياسي إسلاموي متشدد يتناسب مع سياسات أنقرة الداخلية والخارجية”.

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى