مقالات

ثقافة التغيير في التعليم الجامعي

د. خالد محمود

د. خالد محمود حسين الخضر*

الناظر إلى  أوضاع التعليم العالي في الآونة الأخيرة يرى بجلاء تسارع الجامعات نحو تحديث وتغيير كل معاييرها وأنظمتها التي تتعلق بالعملية التعليمية، وذلك بغرض المواكبة لهذا العصر الذي شهد الثورة الإلكترونية والانفجار المعرفي لا سيما أن الجامعات تمثل طليعة المجتمعات وتقع على عاتقها مسئولية الرقي بالإنسان حتى يلبي مقتضيات الحياة في هذا الزمن الذي يقوم كل شيء فيه على أساس معرفي. فالتعليم العالي كما يقول هاشم (2009) جزء من عملية التعلم المتجدد وهو شكل عام يمثل كل  أنماط التعلم الأكاديمي و المهني والتكنولوجي والتربوي الذي يقدم من خلال مؤسسات التعليم العالي ويضطلع بدور محوري في تلبية حاجات التنمية من القُوَى البشرية المؤهلة علمياً والمزودة بالمهارات الفنية والمتسلحة بالأخلاق الحميدة. إذاً، فهدف التعليم العالي- أيا كان نوعه- كما يراه هاشم هو تلبية حاجات المجتمع من تحصيل المعرفة المفيدة وتعليم الأخلاق الحميدة.

يعتبر فهم نظريات وعمليات التغيير وما يدعم أو يعوق التغيير  من أهم عناصر  الأساس المعرفي للإدارات التعليمية، ويري جين ماكدونالد (2005) أن فهم التغيير هو أساس الأساس المعرفي الذي يجب أن يسود في مؤسسات التعليم وأن التغيير يجب أن يكون شاملا وليس في شيء دون الآخر ولا في الشكل دون المضمون، فتغيير المناهج فقط معناه تغيير الظاهر فقط  ولكن الفائدة تكمن في أن يشمل التغيير الثقافة وطريقة التفكير والعقلية والمعتقدات التي تشكل السياسة التعليمية ككل فإذا تم تجاهل هذه الاشياء فإنه ربما يبدو أنه قد طرأ على المؤسسة تغيير شكلي ولكنها في الواقع تكون في نفس وضعها. نعم، فالتغيير إذا كان في المناهج والمعينات ولم يتعداها الي العقلية السائدة فلا بد أن تنتج عنه عدة مفارقات تنسف العملية التعليمية بأكملها فمثلا إذا كان المقرر بعيدا عن عقلية الطالب فلن يستطيع تقبله وإن أحرز فيه نجاحا أكاديميا واذا كان بعيدا عن عقلية المعلم فإنه لن يستطيع توصيله للطالب بطريقة فعالة وإن استطاع تدريسه والجامعات القديمة غالبا ما تكون متفوقة على الجامعات الحديثة، وإذا سألنا انفسنا لماذا, نجد الإجابة في الثقافة التعليمية والعقلية التراكمية. فلو أن تطور الجامعات قائم على بناء حديث ومعينات ومناهج مطورة فقط لكان بالإمكان إنشاء جامعة اليوم تكون من اللحظة الاولى أفضل من الجامعات التي أنشئت قبل مئة عام، ولكن هذا الأمر أشبه بالمستحيل.

التغيير كما يراه  ليفي (1986) ينقسم إلى قسمين تغيير ثانوي لا ينتج عنه اختلاف كبير في البنية الأساسية للمؤسسة مثل إعادة الهيكلة, مراجعة المقررات,  طرق التقويم وطرق التواصل…فهذه وإن كانت ضرورية, لا تؤثر كثيرا في الرقي بالمؤسسة التعليمية وليس من شأنها, كما يري الكثيرون, تحقيق أياً من أهداف التعليم العامة. أما التغيير الكبير وفقا لما جاء عن ليفي فيكون عندما تغير المؤسسة ثقافتها بإعادة تصميم  البنية الأساسية, الأهداف, الرؤية والقيم. وفي هذا الإطار يكون التغيير جزء من الأساس المعرفي الذي هو جزء من الإطار المفاهيمي للمؤسسة.

من الواضح، بناءً على ما سبق، أن التغيير الثانوي محدد وسهل ويمكن تحقيقه بالإمكانات المادية والعقلية المتوفرة لدى المؤسسة ويمكن قياس مدى النجاح أو الفشل في إنجازه في أي لحظة  وهو خاضع للبرمجة والتجزئة بحيث أنك لو قررت أن تبدأ بعنصر وتترك عنصر أمكنك ذلك لأن العناصر فيه مستقلة عن بعضها البعض. أما الثاني فهو شيء غير محدد وغير ملاحظ ويصعب التعامل معه ويحتاج لإنسان خلاق يخرج عن المألوف في أفكاره وتصوره لما يمكن أن يكون الحال عليه أفضل، كما يحتاج أن يكون قويا يستطيع الدفاع عن مواقفه لأن التغيير الجذري دائما ما يواجه بالمقاومة لما يسببه من هزة قوية لكل المؤسسة والإنسان بطبيعته يفضل ما تعود عليه بصورة روتينية وينفر مما يضطره للتأقلم مع الأوضاع الجديدة.

     وفي نفس الإطار يري لينسكي (2002)- في المصدر السابق- أن هناك طريقتان لمواجهة أي وضع جديد أو تغيير, فإما أن يقابل هذا الوضع الجديد بالطرق والحيل الفنية حيث تستخدم جميع الإمكانات المتاحة من معلومات وخبرات ووسائل لاحتواء العنصر المتغير إذا كان ذلك في الإمكان أما إذا عجزت المؤسسة عن التحكم في الوضع المتغير فأنها تتصالح مع الوضع الجديد وتحاول استيعابه بشيء من المرونة وتسمى هذه بالطريقة التوافقية, وينتج عنها إتساع في الإطار المفاهيمي للمؤسسة ليتم استيعاب الوضع الجديد داخل المحتوى. يمكن الربط بين رأي لينسكي وليفي حيث أن كلاهما تحدث عن نوعين من التغيير في الاطار المعرفي أحدهما سهل يمكن التعامل معه بسلاسة وبثقة تامة والآخر يتحدى كل الأطر الموجودة فتضطر المؤسسة لاستحداث أساليب جديدة وهذا الأخير يمثل التحدي الحقيقي لنظام المؤسسة القائم.

       يعتقد لينسكي أن  التغيير في الأساس المعرفي يجب أن يتبع لا أن يقاد. يفهم ذلك من كلامه:

 Change (in the knowledge base)  needs to be navigated, not managed

نستشف من العبارة أعلاه أن المؤسسات يجب أن تكون بدرجة من المرونة بحيث لاتقف أمام التغيير في الأساس المعرفي ولا تحاول التحكم في مساره ولكن عليها استكشافه بصورة علمية موضوعية والدخول فيه برفق ,ثم العمل على استيعابه داخل الاطر النظرية الموجودة.

  1. Hashim (2009). Higher Education: Philosophy, Horizons, Reality and Challenges.Staff Development Centre. University of Khartoum.
  2. Jane A. McDonald (2005) Change and the Knowledge-base of Educational Administration > Available online at_ http://cnx.org/content/m13234/latest.
  3. Shulman, L. S. (1986). Those who understand: Knowledge growth in teaching. Educational Researcher, 15(2), 4-14. EJ 330 821. http://www.ericdigests.org/pre-9219/base.htm.

*أستاذ الأدب المساعد-جامعة الخرطوم/ جامعة تبوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى