مقالات

د. رجاء شوكت .. تكتب .. السودان وأثيوبيا .. دلالات التصعيد والتراجع

منذ عقود يسود النزاع بين البلدين حول منطقة الفشقة الحدودية ولكن اذدادت حدة التوترات في الفترة الأخيرة عقب مقتل سبعة من الجنود ومدني سودانيين؛ وتعهد الجيش السوداني على لسان القائد العام بالرد المناسب وزكر في بيان ( في عمل يخالف كافة القوانين والأعراف الخاصة بالحرب والقانون الدولي الإنساني أقدم الجيش الأثيوبي على اعدام سبعة جنود ومدني كانو أسرى حرب). وتفقد قائد الجيش القوات في منطقة بركة نورين بمدينة الفشقة في رسالة لإبراز تضامن القيادة العسكرية والسياسية حول الحادث مؤكدا أن الرد سيكون قاسيا، وقامت باغلاق المعبر الحدودي بين البلدين بمنطقة القلابات.
كما دان رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير المسلك واصفا الحادث بالعمل الغادر الذى يتعارض مع الأعراف الدولية ودعا المجتمع الدولي والاتحاد الافريقي الى ضرورة محاسبة الجناة ودعا أثيوبيا لتوضيح ملابسات الحادث، كما وصفت القيادية بحزب الأمة وزير الخارجية السابق مريم الصادق، الحادث بالصادم وأن عرض الجثامين يعد انتهاكا للكرامة الإنسانية ويسمم العلاقات بين البلدين ودعت القوى السياسية والمدنية للوقوف بقوة في مؤازرة القوات المسلحة في هذه المعركة، كما دان رئيس حزب الامة ( الإصلاح) مبارك الفاضل المهدي الحادث وأعتبر الاعتداء الأثيوبي تصعيد مؤسف وغير مقبول وله انعكاساته على أمن واستقرار المنطقة، كما استنكر المركز السوداني لحقوق الانسان ماقامت به أثيويبا وعبرمدير المركز عن الحادث بقوله (أنه حادث غريب على تاريخ العلاقات السودانية الاثيوبية) داعيا القيادة السياسية بالتعامل بمايمنع تكرار حدوث مثل هذه الواقعة حتى لاتكون شرارة لايستقر بعدها الإقليم.
في ظل موجة من الغضب الشعبي والمطالبة بالثأرللجنود أدانت الخارجية السودانية الحادث بأشد العبارات وشجبت السلوك غير الإنساني وقامت بسحب السفير من أديس ابابا وقدمت شكوى للاتحاد الافريقي ومجلس الأمن، بينما دعت الخارجية الأثيوبية الى ضبط النفس وعدم اتخاذ إجراءات من شأنها أن تشعل الموقف؛ وأوضحت أن الحادث وقع داخل أراضيها بعد توغل وحدة من الجيش السوداني وعناصرارهابية من الجبهة الشعبية لتحريرالتيغراي وأن الحادث تم اختلاقه لتغويض العلاقات العميقة بين البلدين، وأعرب رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد في بيان تصالحي عن أسفه عن الحادث منددا بقوات لم يسمها تسعى بالفتنة بين البلدين. كما دعا الاتحاد الافريقي الطرفان الى ضبط النفس والامتناع عن التصعيد وحثهما على التسوية والحل السلمي ، وفي ذات السياق أبان المبعوث البريطاني الخاص بالسودان وجنوب السودان روبرت فيروز أنه ليس من مصلحة البلدين تصعيد الأحداث.
وفي خطوة مفاجئة وفي القمة التاسعة والعشرون للهيئة الحكومية للتنمية بشرق افريقيا (ايغاد) بنيروبي جرت محادثات بين قائد الجيش ورئيس مجلس الوزراء الأثيوبي حسب تصريحات مستشار رئيس الوزراء الاثيوبي للأمن القومي السفير رضوان حسين؛ والذي أكد بأن الزعيمان ناقشا القضايا المتعلقة بالحدود واتفقا على حل الخلاف سلميا وأضاف (أنهما أكدا حرصهما على حل القضايا الخلافية العالقة بالحوار والطرق السلمية). وأكد أبي أحمد عبر حسابه على توتير عقب المباحثات أنهما ( أتفقنا على وجود الكثير من أوجه التعاون للعمل عليها بجانب الالتزام بالحواروالحل السلمي في مواجهة القضايا العالقة).وفي السياق ذاته أعلن البرهان لدى لقائه بمبعوثة الاتحاد الأوربي للقرن الأفريقي آنيت ويبر بالخرطوم على حرص السودان على علاقات سوية ومتزنة مع أثيوبيا.
من المهم أن ننظر للأحداث في سياق تاريخي متصل لاسيما في قضايا الحدود لارتباطها بالنهج التاريخي الاستعماري القائم على مصالح الدول الاستعمارية في المقام الأول، وتتفاوت الدول في صراعها من الانفكاك من هذه الدائرة، والسودان الآن يمر بنقطة تحول رئيسية نحو التحول المدني الديقراطي المستدام؛ نقطة مفارقة للقديم (الدائرة الشريرة) وكسر مساره الدائري للأبد، لذلك لابد من تغيير الرؤية كلية في تفسير الخلافات الحدودية وآليات حلها، والابتعاد عن اتباع السياسة وضدها وعدم جر البلاد في معارك من غير معترك وأن تكون إرادة التقدم أقوى من إرادة النكوص والتراجع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى