أعمدة رأي

د. محمد علي عبد الجابر يكتب .. العمدة عبد الجابر

لم يكن أمر قيادة الناس يوماً بكمالات المال ولا أن يبلغ العلم (الميس) بقدرما كان سداه ولحمته في التوفيق في إختيار الموقف الناضج وفي اللحظة المناسبة والذي يتجاوز مطلوبات الذات وشهوة النفس التي تعطل دائماً وتعرقل المسير والصدق في المقصد دون البحث عن هوى وغرض والتي حتماً تكذبه الأيام وتقلبات الدهر ، فحب الناس لا ينبع إلا من صفاء الضمير ونقاء السريرة والعفوية المجبولة على التواصل والحس الإنساني الراقي الذي يصغر أمامه كل كذب مؤقت ، ولو لم يكن حب الناس والبحث عما يسر بالهم فضيلة وإصطفاء لما وضعها ديننا الحنيف لبنة مهمة في عتبات كمالات الدين والإيمان الذي لا يصلح عمل الإنسان إلا به ، وتبقى السرائر وما يجيش به الخاطر والأشواق والأمنيات خبيئة حتى تحلها مواقف الرجال إلى العلن ومنصات الإحتفاء والتكريم أو إلى الدرك الأسفل ومزبلة التاريخ ، يبقى الموقف بلمعانه على مر الزمان وتبدل الأيام سيرة تعزي الروح المُعنىّ نستدعيها من باب العظة والتكريم ، ومن تلك المنصة تجلت صورة العمدة عبد الجابر وحكايته ، يوم أن تداعى عمد ونظار وادي حلفا إلى إذاعة أمدرمان بعد زيارتهم للمدينة الجديدة (حلفا الجديدة) حيث تستعد حكومة عبود لتهجير أهالي وادي حلفا إليها ، وكانت التهجير مرفوضاً من الأهالي ولم ترق لهم حلفا الجديدة في سهل البطانة ، وكانت الحكومة في حرج من موقف الأهالي ولم تجد بُدا من دعوة العمد لإذاعة أمدرمان وفي نيتها أن يثني العمد على الوطن الجديد خاصة بعد زيارتهم للمزرعة التجريبية وكيف أن الأراضي منبسطة وواسعة والمياه متوفرة من خزان خشم القربة وأن مستقبل الأهالي سيكون أفضل في هذه المدينة الجديدة وفرص الحياة أفضل بإستصحاب الحيوان مع الدورة الزراعية فضلاً عن المحصولات النقدية من فول وقمح وذرة ، وكان التوجيه الخفي من الحكومة في ذلك اللقاء الإذاعي أن يتحث العمد على أفضلية حلفا الجديدة وميزاتها الكثيرة وأن يدعوا الأهالي للقبول بالتهجير ، وأثناء اللقاء أحضر عدد من أجهزة (الراديو فلبس) بعدد العمد هدية من الحكومة ، إلا أن العمدة عبد الجابر رفض الهدية وأسر لبعض زملائه أن الأمر لا يعدوا أن يكون رشوة من الحكومة لذلك فهو لا يقبل ثم أنه يخاف أن يسأله أهله عنها ويلومونه على قبول الهدية بعد عودته لوادي حلفا .
تواترت هذه الحكاية التي كانت في ستينات القرن الماضي ورغم أن العمدة عبد الجابر قد توفى إلى رحمة مولاه في العام 1971م إلا أن الحكاية بقيت موعظةً ودرساً لكل من يتولى أمر الناس .
د. محمد علي عبد الجابر
0915033507

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى