إقتصادالأخبار

*سرادق التعثر في المصارف *

بقلم الاستاذ/سعد محمد احمد
*سرادق التعثر في المصارف *
الإدارة الجيدة للمخاطر هي العمود الفقري للمصارف وهي الفرق بين البقاء على قيد الحياة بشكل مريح والهلاك في حالة الافلاس، فإنه في النظام المالي المعقد والمترابط اليوم تعد إدارة المخاطر بشكل جيد هي الفرق بين حصول أزمه ماليه غير منظمة تؤثر على الاقتصاد الكلي وبين خروج منظم للأطراف الضعيفة في السوق من دون حصول أزمة كبرى أو التأثير على الاقتصاد، فازمة ٢٠٠٨ التي أوصلت النظام المالي العالمي إلى وضع حرج ما أدى إلى تطوير معايير إدارة المخاطر واتباعها من قبل المصارف المركزية العالمية فالسنوات التي سبقت الأزمة كانت مشوبة باستهتار جماعي لتراكم المخاطر عبر النظام المالي العالمي، وهذا ما ظهر بشكل واضح في الأزمة وأسبابها، تمت معالجة هذه الأمور في مؤتمر ( بازل ٣) الذي وضع معايير جديدة لإدارة المخاطر اتبعها المصارف المركزية في العالم، لكن في السودان لم يكن الأمر مرتبطا بهذه الإدارة ابدا فحسب فالمصارف السودانية لم تكن تتبع طرق إدارة مخاطر واضحة رغم أن قلة في المجتمع والمهتمين بهذا الشأن كانت على دراية بما يحصل أو كانت تستمع إلى تقارير المؤسسات الدولية بهذا الشأن والتحذيرات التي أطلقت.
لم يكن أداء القطاع المصرفي في السودان في العقود الماضية مبنية على إدارة المخاطر بل كانت تمنح التمويل والقروض لأناس محددين (زولي وزولك) ومعارف وأعضاء مجالس إدارات المصارف وتساهل في الضمانات بلا حوكمة بل تحديد حيل الضمانات للمقترض ونظام الرهن العائم ورهن مواد استهلاكية وتالفة وعدم القيام بزيارات ميدانية والتقييم العشوائي للرهونات وعدم الالتزام وعدم الاشتغال بالقوانين واللوائح المنظمة ومعايير ومنشورات البنك المركزي وتعدد تدوير شخوص إدارات مجالس المصارف وفساد إداري مقنن، لم يكن هم القطاع المصرفي تطبيق نموذج للأعمال يوازن بين المخاطر والأرباح بل قام جزء أكبر من أمواله بتوجيهها وهي ملك المودعين في يد المضاربين بدافع الربح السهل والسريع والسخي، الذي كان يقدمه المضاربين في الأموال فضلا أن تمويل شهادات السندات التي كانت تسدد من خلالها عجز الموازنة للدولة، لم يكترث لتركز المخاطر، هذا ما أدى في نهاية الأمر إلى تبديد المليارات العائدة للمودعين ليس ذلك فقط بل فوت فرصة تمويل القطاع الإنتاجي مثل القطاع الزراعي بشقيه والقطاع الصناعي إضافة إلى إضافة قيمة حقيقية للمنتجات بالتصنيع والتغليف بهدف التنمية المستدامة مع تنويع مخاطر توظيف الأموال، من خلال انخراطه الإرادي والطوعي في نموذج تمويل المضاربين تحمل القطاع المصرفي السوداني خسائر غير مسبوقة وتعثر، علما بأن المعيار العالمي للتعثر لا تتجاوز ٣٪ في حين أن التعثر لدى المصارف في بداية ٢٠٢٢ كانت تشكل نسبة ١٣٪ تقريبا يبدو الان ان التعثر بلغ نسبة ٢٠٪ خاصة مع تراجع قيمة العملة الوطنية التي بلغ حوالي ١٠٠٪ لاسيما مع أخبار المال والأعمال وأحاديث المدينة التي تدور حول هروب كثير من رجال الأعمال المقترضين من المصارف. فقد كان هذا النموذج من التمويل يمنح أرباحا هائلة للمساهمين على حساب المخاطرة بأموال المودعين، تفادي الأمر كان ممكننا لو قررت المصارف أن تتبع نموذجا واضحا لإدارة المخاطر يسهل في تقليص احتمالات الخسارة الا ان اختيارها كان متهورا ومبنيا على الجشع.
تعتبر اتباع إدارة المخاطر مسارا ضروريا في القطاع المصرفي السوداني ويعد تحديد المخاطر من أهم جوانب الاستثمار في الأسواق المالية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتوظيفات القطاع المصرفي، فهذا القطاع بطبيعته هو مجرد وسيط يمنحه القانون القدرة على تملك أموال المودعين وتوظيفها، هؤلاء ياتمنون المصارف على أموالهم وهم يعتقدون انها محمية بشكل ما بالقوانين والأصول والضوابط التي ترعى عمل القطاع المصرفي، والمصارف لا تلعب هذا الدور بشكل اعتباطي على الأقل هذا ماتفرضه قواعد العمل المصرفي المتعارف عليها عالميا إلى جانب القوانين والأصول التي تسهر على تطبيقها الجهات الأنظمة والمراقبة مثل بنك السودان المركزي، من أهم قواعد العمل المصرفي هي إدارة المخاطر، فعندما تمتلك المصارف الودائع من الجمهور تعمد على استثمارها في السوق على شكل قروض للقطاع الخاص وتوظيفات في أدوات مالية في المصارف المركزية أو في السوق (تبعا لما هو مسموح من الجهات الناظمة وما هو ممنوع)،
قواعد إدارة المخاطر تحتم إخضاع هذه الاستثمارات لدراسة محكمة تتضمن مجموعة المخاطر التي يمكن أن تصيب هذه الاستثمارات واحتمالات الربح والخسارة فإلى جانب تقلبات العملة هناك مخاطر السداد وغيرها مما يرفع احتمالات الخسارة في راس المال، اي ان الأموال التي تلقتها المصارف كودائع من الجمهور بهذا المعنى يبدو واضحا انه لايمكن إدارة المخاطر من خلال تركز الاستثمارات أو التوظيفات بل يجب توزيع المحفظة الائتمانية لتقليص درجة الخطر التي يمكن أن تصيب هذه الأموال وهذه القاعدة تفرض اختيارا مدروسا لعملية توظيف الأموال بين القطاعين العام والخاص أيضا، تختار المصارف القطاعات التي ستركز على اقراضها ثم تختار المقترضين على أساس تاريخهم الائتماني، هناك عامل آخر يعتمد عليه قرار توظيف الأموال أو استثمارها هو (العائد) ففي حالة إقراض القطاع الخاص فإن الفوائد المكتسبة من القرض هو (العائد) عمليا الفائدة ايضا تتعلق أيضا بمستوى مخاطر الإقراض فكلما ارتفع حجم المخاطر كان معدل الفائدة أعلى، كل هذا الموضوع يقوم على توازن يجب أن يجده كل مصرف وهو الحصول على أرباح رأسمالية مقبولة من دون التعرض لمخاطر تفوق الخطوط الحمر،
عدم توفر الكفاءات المهنية والتاهيل والتدريب والمعينات اللوجستية والفساد الإداري وفساد مجالس الإدارات في معظم المصارف كل ذلك أدى إلى أحجام المواطن عن التعامل مع القطاع المصرفي حيث لا تتجاوز نسبة المتعاملين مع المصارف ٣٪ من نسبة سكان السودان وفي الوقت نفسه لا تتجاوز رساميل مجموع قطاع المصارف السودانية مبلغ ستمائة مليون دولار في حين في الجارة مصر يبلغ رأسمال البنك الأهلي المصري لوحده ستة عشر مليار دولار هذا ما جعل ٩٥٪ من حجم الكتلة النقدية في السودان خارج القطاع المصرفي في السوق الموازي كل ذلك يوضح عجز القطاع المصرفي السوداني استقطاب الأموال والمودعين وتدني نسبة مساهمة المصارف في الدخل القومي السوداني بما يتيح له المساهمة في النمو الاقتصادي بشكل جيد وسليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى