تقارير

ملامح الجيل الجديد لداعش تتشكل في أفريقيا

أطفال يرتكبون مذبحة مروعة في بوركينا فاسو.

مع هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في كل من سوريا والعراق، باتت أفريقيا التي تمزقها النزاعات العرقية والحروب الأهلية وهشاشة الوضع الأمني ملاذ لفلوله والتقاط أنفاسه. ويمثل أطفال أفريقيا خزانا بشريا كبيرا للتنظيم الساعي إلى إعادة هيكلة صفوفه.

أنامل بريئة تستغل لجرائم كبيرة

تعكس المذبحة المروعة التي ارتكبها أطفال متطرفون تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة في بوركينا فاسو والتي راح ضحيتها أكثر من 130 مدنيا، ملامح الجيل الجديد لتنظيم داعش المتطرف والذي يبدو أكثرا تطرفا وأكثر تعطشا لسفك الدماء من آبائه المؤسسين. وأغار مسلحون على قرية سولهان في شمال شرق بوركينا فاسو وفتحوا النار على السكان وأحرقوا المنازل. وكان ذلك أسوأ هجوم في سنوات بالمنطقة التي تعاني من الجهاديين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية.

قال المتحدث باسم الحكومة أوسيني تامبورا إن أغلب المهاجمين كانوا أطفالا، مما أثار استنكار الأمم المتحدة. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في بيان الخميس “نستنكر بشدة تجنيد الجماعات المسلحة غير الحكومية للأطفال والمراهقين. هذا انتهاك جسيم لحقوقهم الأساسية”. وعلى الرغم من تدخل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوات مسلحة دولية، ما تزال هجمات المتطرفين الإسلاميين مستمرة دون هوادة في أنحاء منطقة الساحل بغرب أفريقيا، والتي تشمل مالي والنيجر المجاورتين. وقال مسؤولون محليون في شمال بوركينا فاسو، حيث يسيطر الجهاديون على مساحات شاسعة من الأرض، إن الجماعات الإسلامية استخدمت الجنود الأطفال في هجماتها خلال العام الماضي، لكن الهجوم الأخير هو أبرز هذه الهجمات.

يمثل هذا الهجوم انتكاسة جديدة للبلد الفقير الواقع في غرب أفريقيا والذي يشهد منذ 2018 ارتفاعا حادا في الهجمات على المدنيين والجنود. وقالت اليونيسيف إن المئات لقوا حتفهم ونزح أكثر من 1.2 مليون، واضطر الكثير منهم إلى العيش في مخيمات مؤقتة منتشرة في المناطق القاحلة في الشمال والشرق والوسط. وأُغلقت أكثر من 2200 مدرسة، حوالي واحدة من كل عشر مدارس، مما أثر على أكثر من 300 ألف طفل. وبعد خسارته لأرض “الخلافة المزعومة” وتكبده خسائر بشرية فادحة، اتجه التنظيم إلى الدول النائية في أفريقيا ليعوض خسائره البشرية هناك، حيث الفقر والجوع والفشل السياسي والضعف الأمني وهي تربة خصبة لإعادة هيكلة صفوفه.

يرى باحثون في شؤون الحركات الإسلامية أن داعش أصبح تنظيما ضعيفا في كل الأحوال، لذلك يتجه إلى تجنيد الأطفال من خلال إغرائهم وتغذية تطرفهم. ويستخدم تنظيم داعش ست مراحل لتنشئة الأطفال ليصبحوا عناصر متطرفة في صفوفه. وقد كشف تقرير لدورية دراسات الصراع والإرهاب عن هذه المراحل، وأولها مرحلة الإغواء التي تشمل عرض الأفكار والممارسات المتطرفة للأطفال عبر لقاءات غير مباشرة مع أعضاء التنظيم في المناسبات العامة، ثم تأتي مرحلة التعليم، وهي مشابهة للإغواء، لكن يلقن فيها الطفل بشكل مكثف ويقوم بمقابلة قادة داعش وجها لوجه. وتلي هذه المرحلة الاختيار التي تهيمن بيئة داعش على حياة الطفل، بحسب التقرير، وذلك عبر استقطابه وتدريبه لاكتشاف قدراته وتحديد المهام. أما المرحلة الرابعة فهي الإخضاع التي تبرمج عبرها عقلية الطفل من خلال التدريبات الجسدية والنفسية الوحشية، والتي تشمل عزله عن أسرته وفرض زي موحد عليه لتعميق التزامه بحس التضحية وقيم التنظيم.

كذلك يفيد التقرير بأن المرحلة الخامسة وهي التخصص، هي التي يسعى فيها التنظيم إلى تعزيز خبرات الطفل البدائية، تزامنا مع تدريبات متخصص. وتنتهي عملية التجنيد في مرحلة التعيين، وهي بمثابة تخرج للطفل إلى صفوف التنظيم عبر تعيينه في دور وفقا لقدراته ليكون ذلك الدور أحيانا استقطاب أطفال آخرين إلى صفوفه. ويستخدم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية أسلوب تجنيد الأطفال لبناء صفوفه أو الحفاظ على المقاتلين البالغين أو مباغتة قوات الأمن.

تقول جوليت توما المتحدثة الإقليمية باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) “يتزايد تجنيد الأطفال في أنحاء المنطقة، الأطفال يضطلعون بدور أكثر نشاطا يتلقون التدريبات على استخدام الأسلحة الثقيلة وحراسة نقاط التفتيش على الخطوط الأمامية، ويتم استخدامهم كقناصة كما يتم استخدامهم في الحالات القصوى كمفجرين انتحاريين”. وبعد انهيار التنظيم في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق، تنبأ العديد من المتخصصين بانتقال شبكات الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم. ومع عودة فصائل التنظيم وظهورها في دول أفريقيا خاصة في الصومال ومالي ونيجيريا وبوركينا فاسو، أشار المراقبون إلى أن أفريقيا سوف تصبح مستقبلا “أرض الجيل الثالث” للإرهاب.

يؤكد هؤلاء أن التنظيمات الإرهابية في أفريقيا تستثمر في الأطفال، باعتبارهم ورقة مهمة لتأمين عملية الإمداد بالعناصر المقاتلة لسنوات لاحقة، عبر إخضاعهم لدورات شرعية وعسكرية إجبارية من أول سطر يتم تلقينه لهم. وحتى عندما تم إحراز تقدم ضد الجماعات الإرهابية في أفريقيا، كانت المكاسب في الكثير من الأحيان ضعيفة ويمكن عكسها بسهولة.

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى