تحقيقات

وقصص وروايات مؤلمـــة … مخدر “الآيس” القاتل الخفي

الخرطوم : نبيل صالح

الآيس يأتيك من حيث لا تحتسب ، هكذا إبتدر الشاب هاشم .م .ع. (35) سنة موظف في إحدى الشركات بمدينة بورتسودان ، ويقول هاشم بأنه ذات صباح خرج للعمل وكالعادة دلف الى بائعة شاي درج على ارتشاف كوباً من القهوة منها  يومياً ، ويمضي “بعد أن تناولت قهوتي ” دخلت الى مكتبي ، كنت أشعر بنشاط زائد قبل أن يتحول الى هيستريا وثم صراخ في وجه من كل من معي في المكتب ، وسرعان ما شعرت بصداع يكاد ينصف رأسي الى نصفين ودوار وسقط مغشياً علي .. لم أشعر بنفسي بعدها الا وانا ممدد في سرير داخل المستشفى .. سألت عن سبب مجيئ الى هنا قالوا لي أن تحاليل الدم أظهرت وجود كمية من “مخدر الآيس ” في دمك ، وسألوني من أين تناولت هذا الآيس وهم يعرفون بأنني لا أتعاطى أي نوع من المنبهات ،عدا القهوة ، فأخبرتهم بأنني شربت قهوة في (…) من بائعة الشاي “فلانة” لا أدري ماذا فعلوا ببائعة الشاي ولكنني أعلنت توبتي عن شرب القهوة حتى اليوم ، فلم أعد أثق في أحد .

 

طائر الموت

وتتعدد أشكال المعاناة  لضحايا الآيس المؤلمة والمبكية ، وفي رأس السنة 2023م خرج ” ب- س” من منزله مبكراً في ذلك الصباح وهو يمني نفسه بيوم جميل في بداية السنة الجديدة ، مع دعوات والدته أن يحفظه الله ويعيده سالماً ، ولكن عاد الشاب ذات “22” عاماً جثة هامدة جراء تعاطيه جرعة زائدة من مخدر الشيطان “الآيس” ويقول أحد أقربائه أن أحد أصدقاء “ب” أتصل بهم في منتصف النهار يخبرهم بسقوطه مغشياً عليه ونقله الى المستشفى ، هرعنا الى المستشفي ووجدناه قد لفظ أنفاسه الأخيرة ، وجاء في تقرير الطبيب أنه توفي جراء هبوط حاد في الدورة الدموية مع وجود كمية مميتة من مخدر الآيس في دمه ، ويمضي بقوله بأن والده دخل في حالة نفسية سيئة  ليس لموت إبنه فهو رجل متدين ، مؤمن بقضاء الله وقدره بل بسبب الوفاة فهو يردد دائماً بأنه ليس حزيناً على وفاته بقدر صدمته بإدمان أبنه لهذه المخدرات ، ولكن أحد أصدقاء المرحوم أقسم له بأن إبنه ليس مدمناً بل تعرض للخداع من شلة السوء وتعاطى الآيس من باب التجريب ولكن أراد الله أن يتعاطى كمية أودت بحياته.

المعاناة

لا تقل قصة الشاب “م – ن” 26 سنة  إيلاماً عن قصص الآخرين ، ويحكي أحد الأطباء لـصحيفة محلية  بأن شاب شاحب الوجه ، لا يكاد يسير بصورة طبيعية ، دلف الى عيادته ، وجلس إليه ، قبل الخوض في تفاصيل حياته ، أعترف بأدمانه لمخدر الآيس ومضى يسرد للطبيب قصة إدمانه قائلاً ” كنت  مُغترِب في إحدى دول الخليج ، وعدت الى السودان في إجازتي السنوية ، إستغل  اصدقائى وضعي المادي وأصبحت أساهر معاهم خارج البيت ، في الكافيهات ، كانوا يتعاطون شيئاً لم أره في حياتي .. فأنا أعرف “البنقو” ولكن ما كانوا يتعاطونه شئ غريب وطلبوا مني أن أجربه ، ترددت كثيراً ورفضت ذلك ولكنهم في نهاية الأمر أقنعوني أن أجرب ، جربت في المرة الأولى ، والثانية ولم أعد أتحمل العيش بدونه ، كنت  أتصل على أصدقائي لنذهب للتعاطى ” .

 

التوحش

ويقول الشاب بعد صمت طويل  ” بدأ سلوكي يتغير إتجاه أهل بيتي وحتى طفلي الصغير كنت أبعده عني ، أصحبت عصبي جداً  وأضرب زوجتي وطفلي  الصغير” مع  تزايد الخلافات والضغط الأُسري دخلت في حالة إكتئاب ، أيقنت بأنني يجب ان أبحث مخرجاً من هذه الأزمة بعلاج الإدمان وبالفعل شرعت في ذلك لكن التكاليف الباهظة لعلاج الأدمان حرمتني من مواصلة العلاج ”

نهاية مأساوية

الطبيب المعالج الذي طلب حجب أسمه واسم مريضه قال أن الشاب دخل في دوامة ما بين البحث عن علاج ، وفي مواصلة التعاطي  والآن هو معلق مابين الأعراض الإنسحابية withdrawal symptoms للآيس وقلة الحيلة والفلس وتراكم الديون .

ويسجل القائمون على مركز “بت مكلي” لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل في ضاحية الأزهري جنوبي الخرطوم، ارتفاعا في أعداد مرتاديه من متعاطي المخدرات الراغبين في التعافي، حيث يصله يوميا بين 15 و20 شخصا يطلبون العلاج، في مؤشر على تفشٍّ خطير للمخدرات في السودان، وحذرت مديرة المركز لبنى علي، ، من انتشار تعاطي مخدر “الآيس”، وتأثيره الكبير على صحة المتعاطين وسلوكهم. وتضيف “مقارنة بالوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعلاج، فإن عدد طالبي التعافي يبدو مخيفا لحد كبير“. وتقول لبنى إن بعض الأسر تعاني من تعاطي أكثر من ابن للمخدرات، كما تؤكد أن الإدمان لا يقتصر على الذكور، بل إن فتيات في مراحل عمرية مختلفة وقعن ضحية له، مضيفة “تكاد تكون النسب متساوية بين الشباب والفتيات“. وتؤكد لبنى أن العديد من المراكز الخاصة في الخرطوم تواجه ازديادا مضطردا في الراغبين بالعلاج من الإدمان، “حتى إن بعضها امتلأ على آخره”، وبين هؤلاء عدد كبير من متعاطي مخدرات “الآيس والترامدول والشاشمندي” وغيرها.

دحض الافتراضات

وتشكك بعض الجهات بأن هناك حملة منظمة تستهدف مناطق بعينها لتدمير شبابها ، لأسباب سياسية ـ غير أن  الباحثة الإجتماعية نورهان جمال استبعدت هذه الفرضية وتقول لـ “رسال نيوز” أن كل العوامل لانتشار المخدرات مواتية في السودان مع التحول الإجتماعي والثقافي الكبير، وسهولة التواصل بين المدمن والمروج ، وتمضي بقولها ” في تقديري وحسب المسوحات والتقارير أعتقد أن التجار يستهدفون المناطق المدنية لسهولة الحركة فيها عكس المناطق الريفية التي تتسم بتواصل إجتماعي أكبر ومن الصعوبة بمكان ممارسة مثل هذا النشاط فيها ، وتضيف ” السودان في ظروفه الأمنية والاقتصادية الراهنة معرض لأكثر مم مخاطر إجتماعية ولهذا لابد من معالجة الأوضاع الاقتصادية أولاً بخلق مواعين للدعم الإجتماعي ومحاربة الفقر ، حيث أن أكثر المروجين للمخدرات هم من فشلوا في الحصول على عمل يسد رمقهم ، وتابعت ” كل الظواهر الاجتماعية السالبة مردها الفقر والعوز ” واشارت بانه ليست هناك منطقة محددة مشهورة بالإدمان أو الترويج لنقول بأن هناك جهات تستهدف هذه المنطقة “.

وبحسب خبراء، فإن “الآيس” أو “الشبو” أو “الكريستال ميت” جميعها مرادفات لنوع المخدر نفسه الذي يتم ترويجه على شكل صخور بلورية صغيرة كريستالية اللون أو مسحوق بودرة أبيض. ووفق الخبراء، يترك هذا المخدر تأثيرا إدمانيا قويا، ويتم تعاطيه بالتدخين أو بالحقن الوريدي أو بالاستنشاق بعد طحن حبيباته وتحويلها إلى بودرة، وتكفي جرعة واحدة منه لدخول عالم الإدمان.

ومع تزايد الانتقادات لتراخي الدولة عن محاصرة الانتشار الواسع للمخدرات، تبنّى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إطلاق حملة قومية للمكافحة لمدة عام، قبل أن يتهم جهات ومنظمات -لم يسمّها- بالترويح لهذه الآفات “بدعم بعض المجموعات تحت لافتة ترسيخ الديمقراطية”، في إشارة للاحتجاجات المستمرة لأكثر من عام للمطالبة بعودة الحكم المدني واستعادة المسار الديمقراطي.

ويقول رئيس هيئة محامي دارفور الصادق علي إن الإعلان عن تورط منظمات في الترويج للمخدرات وسط الشباب، وبواسطة من يتولى المنصب الأول في الدولة يتطلب منه الكشف عن هذه المنظمات، وتحويل الأدلة التي تؤيد أقواله للأجهزة القانونية ومباشرة الإجراءات الجنائية في مواجهة المنظمات المتورطة “بدلا من إطلاق اتهامات في الهواء“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى