أعمدة رأي

الشعب السوداني سماسرة و كماسرة

د. معاوية عبيد

يُروى أنه كان لدى رجل عربي بيت جميل، يعيش فيه بسعادة مع زوجته وأولاده ، وفي إحدى السنين، واجهته أزمة مالية اضطر فيها إلى أن يبيع داره، فجاءه رجل، وكان تقياً كريماً، واشتراها منه ودفع ثمنها، وتسلّم الدار وسكن فيها مع أهله، فلما أتى الليل سمع المشتري بكاء، فسأل: ما هذا؟ قالوا له: إنهم أهل الرجل الذي باع لنا الدار، يبكون حزناً على دارهم. فرَقّ قلب المشتري لحال أهل البائع، وأرسل إليهم يخبرهم بأن “المال والدار لهم”.

هذه القصة واحدة من آلاف القصص في تاريخنا العربي القديم، التي تؤرخ لحوادث ومواقف يتغلب فيها الطبع الطيب الكريم، وتنتصر فيها الأخلاق عند العرب، الذين أعلوا قيمة الكرم واتخذوا له رموزاً وإشارات، حتى صار لدى طائفة كبيرة منهم سلوكاً والتزاماً. فهل الكرم عند السودانيين قيمة إنسانية وأخلاقية وثقافة اجتماعية أم مجرد عادة؟

كثيراُ ما تغني شعراء بلادي بالكرم و الشهامة و المروءة ، ولكن ما إن حلت هذه الحرب علي بلادنا حتي ظهر ما كان مغطي تحت الأشعار و ما كان ملبداً تحت الأشجار وخرج ما كان موجودا داخل الازيار، و كما يقول المثل ( اللي في القدر يجيبه المغراف ) وفعلاً أخرجت هذه الحرب كثيرا مما كان مستخبي، فقد اصبح الشعب السوداني إن لم يكن كله فغالبيته أصبحوا سماسرة اصبحوا سماسرة في العقارات علي إخوانهم وبني جلدتهم الذين شردتهم الحرب ، و قد عاني الناس من انهم يقعون فريسة النصب من الوسطاء والسماسرة ، فأصبح المنزل الذي كان ايجاره بخمسة الف جنيه اصبح بخمسمائة ألف جنيه ، و القطعة اللي كانت بمائة الف اصبحت بمائة مليون جنيه ، و تجد سمسار يعرض لك عقار بمواصفات ممتازة وبسعر منخفض، وعندما تتواصل مع الوسيط العقارى وتريد معاينة العقار يخبرك بان العقار تم بيعه للأسف و لكن هنالك عقارات أخرى بمواصفات اخرى وبالتالى نجح السمسار فى الوصول لعميل مغفل وهو انت؛ او يخبرك بأن تأتى لزيارة العقار وتجد المواصفات غير التي ذكرها لك عبر الهاتف او عند مقابلتك ويخبرك بأن الأحوال ستتحسن قريباً وان المالك سوف يقوم بتحسين العقار او يخبرك بأن المنطقة التى بها العقار ستزداد أسعار العقارات فيها لأى سبب من إختراعه، و السمسار هدفه فى هذه الحالة هو العمولة، ومن الممكن ان تصدق الوعود الكاذبة للسمسار وصاحب العقار وتجد نفسك قمت بشراء عقار تندم على امتلاكه باقى حياتك ، وهنالك من يأخذ منك جزء من المبلغ وذلك بغرض اثبات جديتك في شراء العقار ( عربون ) و عندما تقابل صاحب العقار تجد أن العقار تم بيعه أو أن صاحبه لا يرغب في البيع أو اختلف معك في السعر أو المواصفات غير ، و عندما تريد إرجاع العربون تجد أن السمسار قد نصب عليك و أن استرد لك المبلغ سيسترده لك بعد أن يفقد قيمته، و أيضا تجد العقار الذي تريد شرائه أو تأجيره أن خلفه أكثر من سمسار و هؤلاء كلهم يريدون عمولة ( سمسرة ) لذلك تجدهم ياخذون من البائع و المشتري اي من الطرفين، و ما يتقاضها هؤلاء السماسرة احيانا كثيرة يكون اغلي من قطعة العقار هذا علي الأراضي والعقارات و أيضا ظهروا هنالك سماسرة في شتي ضروب الحياة حتي الجرجير اصبح لديه سماسرة ، و من كرامات هؤلاء السماسرة فقد زادت كراسي ستات الشاي حتي أمام باب منزلنا اصبحت هنالك ست شاي ، أيضا من محاسن هذه الحرب فقد اكتشفنا أن غالبية الشعب كماسرة، كيف لا و أصبح هؤلاء المفجوعين يتنقلون من دار الي دار ومن حلة الي حلة علهم يجدون الامان ، ولكنهم ما درو أنهم قد وقعوا فريسة تحت فك الكماسرة و أصحاب المركبات و الركشات و غيرها من وسائل المواصلات تجدهم يتمنون عليك باغلي الاسعار في نقلك من مكان إلي آخر ، كان عاوز تشحد جارك حبة ملح تجد بين بابك وبابه كمساري يريد أن يقلك من باب بيتك الي باب جارك و يا حبذا لو كنت عاوز سرير أو سراير لأنه نزل عليك ضيوف فجاءة، و يا خوفي منكم بعد أن تقف هذه الحرب ، نسأل الله أن يكون في عون الشعب السوداني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى