ثقافة وأدب
البحر القديم
البحر القديم |
بيني وبينك تستطيل حوائط .. |
ليل … وينهض ألف باب |
بيني وبينك تستبين كهولتي |
وتذوب أقنعة الشباب |
ماذا يقول الناس إذ يتمايل النخل العجوز سفاهة |
ويعود للأرض الخراب…. |
شبق الجروف البكر للأمطار |
حين تصلّ في القيعان رقرقة السراب |
عبرت ملامحك النضيرة خاطري |
فهتفت ليتك لا تزال |
للريح خمرك للمساء وللظلال |
والبرق لي .. والرعد والسحب الخطاطيف الطوال |
تروى هجير النار تحت أضالعي الحرّى |
وتلحف في السؤال |
كيف ارتحالك في العشيِّ |
بلا حقائب أو لحاف؟ |
ترتاد أقبية المكاتب والرفوف السود |
والصحف العجاف |
زمنا يمصّّ الضوء من عينيك |
يصلب وجهك المنسيّ في الدرج العتيق |
أثرا كومض شرارة تعبى على خشب الحريق |
كيف ارتحالك أيها المصلوب مثل شواهد الموتى |
بزاوية الطريق |
سكن السحاب ومرّ طيفك من جديد |
نثرته كفّ البرق حين تلاحق الإيماض |
وانعتقت شرارات الرعود |
أرخى وأزهر ثم طار زنابق كالفجر لامعة الخدود |
حلق المرايا رنّ كالناقوس |
وانفرطت ملايين العقود |
فإذا هممتُ توارت الألوان |
وانتصبت شبابيك الجليد |
أنا في الرياح مسافر يلقى على الأبواب |
جارحة الردود |
بيني وبينك تستبين مخالبي |
وتسيل من شدقي الدماء |
وحش أنا غول خرافيُّ العواء |
تحوى توابيتي دقيق الموت |
تزحف من سراديبي ثعابين الشتاء |
سبري: عجين السدر سن الحوت |
هيكل مومياء |
بيني وبينك ما يراه الناس |
سروة شاطىء ناء وزهرة كستناء |
تتلاصقان على الرمال فتذهل الدنيا وترتعش الحقول |
كيف التجاؤك للتماثيل التي أسنت على برك الوحول؟ |
منك الشباب عصارة النبت الجديد |
ومهرجانات الفصول |
ونراك تحفل بالعواجيز العتاق صفائح الأيّام مقبرة الأفول |
بيني وبينك سكّة السفر الطويل |
من الربيع الي الخريف |
تعلو قصور الوهم أنت |
ومرقدي في الليل أتربة الرصيف |
هم ألبسوك دثار خزّ ناعم الأسلاك |
منغوم الحفيف |
ودعوك تاج العزّ فخر العزّ مجد العزّ |
شمس العزّ عزّ العزّ |
صبّوا في دماك |
عصارة الكذب المخيف |
وأنا الذي حرق الحشاشة في هواك |
ممزّق الأضلاع مطلول النزيف |
بيني وبينك قصّة الشعراء صدر غمامة |
يلهو على الأفق الشفيف |
هذا أنا |
بحر بغير سواحل بحر هلامي عنيف |
لا بدء لي لا قاع لي لا عمر لي |
لكنني في الجوف ينبض قلبي |
النزق |
اللهيف مصطفي سند شاعر سوداني |