إقتصاد

تحذيرات سودانية من المبالغة في جدوى تحرير الدولار الجمركي

السودان يلغي سعر الصرف الجمركي المستخدم في حساب رسوم الاستيراد

تصاعدت الأصوات المحذرة من الإفراط في التفاؤل والمبالغة في جدوى خطوة الحكومة الانتقالية السودانية لتحرير الدولار الجمركي ضمن برنامج الإصلاحات المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، والتي يمكن أن تعرّض القواعد الاقتصادية إلى اختلالات خطيرة على المدى البعيد.

أبدى محللون ومتعاملون في قطاعات اقتصادية وتجارية واستثمارية في السودان مخاوفهم من أن يؤدي قرار الحكومة الانتقالية بإلغاء الدولار الجمركي إلى انفلات معدل التضخم، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية ليس على المواطنين فقط، بل حتى على الشركات والمستوردين. وقرّرت الحكومة في وقت سابق هذا الأسبوع، إلغاء العمل بالدولار الجمركي، المستخدم في تقييم السلع المستوردة. وقالت وزارة المالية إن “السودان ألغى سعر الصرف الجمركي المستخدم في حساب رسوم الاستيراد، وهي الخطوة الأخيرة في عملية تخفيض قيمة عملته المحلية”.

تمثل أيضا الخطوة الرئيسية الأخيرة في برنامج إصلاح متسارع يراقبه صندوق النقد الدولي يعكف السودان على تنفيذه من أجل الحصول على تخفيف لعبء ديونه الخارجية التي تبلغ نحو 60 مليار دولار واجتذاب تمويل جديد. والدولار الجمركي خاص برسوم استيراد السلع الواردة من الخارج، إذ تفرض البلاد سعر الرسم بقيمة معيّنة حتى لا تتأثر أسعار السلع للمستهلك النهائي. وسعر الصرف الجمركي، الذي تحدد آخر مرة عند حوالي 20 جنيها للدولار، كان يستخدم لتقييم الواردات من أجل حساب رسوم الاستيراد. وبلغ سعر الصرف الرسمي للجنيه قبل يومين قرابة 438 جنيها للدولار، وهو أسوأ قيمة له منذ تأسيس الدولة، رغم أن السعر في السوق السوداء كان عند حوالي 465 جنيها.

يؤكد آدم أحمد حسن المدير العام لشركة البركة للتأمين، أن قطاع التأمين سيتأثر بقرار إلغاء العمل بالدولار الجمركي في تقييم السلع المستوردة. ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى حسن قوله إن “أسعار الممتلكات (العقارات والأراضي) سوف تزيد، وخاصة السيارات إذ تعادل أقساطها حوالي 50 في المئة من أقساط سوق التأمين المحلي”. وأوضح أنه إذا استجاب الزبائن لهذه المتغيرات بزيادة مبالغ تأمينهم، فسوف تزيد أقساط التأمين بالسوق بنسبة كبيرة لا تقل عن النصف مما هي عليه الآن.

تعهّدت الحكومة باتخاذ حزمة من الإجراءات لمنع تأثيرات قرار إلغاء الدولار الجمركي تشمل إلغاء الرسوم الإضافية على جميع الواردات مثل ضريبة أرباح الأعمال وخفض الفئات الجمركية للحد الأدنى للسلع الأساسية إلى فئة صفرية للكثير من السلع الضرورية وتخفيض فئات الرسم الإضافي على جميع السلع الكمالية وبعضها إلى صفرية. وحذّرت الغرفة القومية للمستوردين في اتحاد الغرف التجارية من الاستمرار في نهج النظام السابق بالإثقال على كاهل القطاع الخاص بالضرائب والذي ينعكس تلقائيا على المواطنين. وأوضحت الغرفة في بيان أنه “منذ إعلان سياسة تحرير الصرف ومحاولة دمج الاقتصاد المحلي المعزول في الاقتصاد العالمي ظلت الغرفة في اتصالات مكثفة مع وزارة المالية لإزالة التشوه الناتج عن اعتماد نظام الإنقاذ لما يسمّى الدولار الجمركي وضرورة إزالته للآثار الجانبية لهذه السياسة على معاش الناس”. وأكدت أن عملية تحرير الدولار الجمركي ستكون لها انعكاسات كبيرة سوف تظهر آثارها تباعا في الفترة القادمة.

خفّض السودان في فبراير الماضي قيمة العملة الوطنية للتغلب على أزمة اقتصادية خانقة، لكن الأمر جاء بنتائج عكسية حيث ارتفع معدل التضخم ليبلغ بنهاية الشهر الماضي قرابة 379 في المئة، ومن المحتمل أن يؤدي إلغاء الدولار الجمركي إلى انفلات الأسعار بشكل جنوني. وقال الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة أفريقيا العالمية محمد الناير، في تصريح لوكالة شينخوا “ستكون لهذا القرار تأثيرات كبيرة وسيؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع”. وأضاف “حتى الآن هناك ضبابية في مضمون القرار، ولا يستطيع أحد التكهن بالفئات الجمركية”. وأشار إلى أن الحكومة تسابق الزمن للإيفاء باشتراطات صندوق النقد الدولي التي تتعلق بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاح الاقتصاد، وتجد نفسها مجبرة على اتخاذ إجراءات قاسية.

من أجل تبرير الخطوة، ذكرت وزارة المالية في بيان “أجرينا مراجعة لكل سلعة على حدة”، مشيرة إلى أن الرسوم لسلع أساسية مثل زيت الطهي هبطت من 40 في المئة إلى ثلاثة في المئة، في حين أن تأثير تحرير الدولار الجمركي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض السلع غير الأساسية. لكن الأمر قد لا يتوقف عند ذلك الحد، إذ من الممكن أن تظهر عمليات مضاربة في السوق العملة مما قد يربك الأوضاع أكثر وخاصة بالنسبة إلى المواطنين الذين يعانون جراء تراجع قدراتهم الشرائية.

يتوقع المحلل الاقتصادي علي إسماعيل أن يؤدي إلغاء الدولار الجمركي إلى حدوث مضاربات في سوق النقد الأجنبي بما يزيد من تدهور العملة المحلية وزيادة نسبة التضخم. وكان البنك المركزي السوداني قد أعلن في فبراير الماضي توحيد سعر صرف الجنيه (تعويم جزئي) أمام الدولار والنقد الأجنبي، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية.

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى