رئيس التحرير د. فيصل حسن يكتب.. اَلْنَخَّاسُــــــــــــون ..!
د. فيصل عوض حسن
النَخَّاسُ هو الذي يبيعُ الدَّوَابِّ أو الرَّقيق، والنَخَّاسون كانوا يتجمَّعون قديماً في أسواقٍ تُسمَّى (سُوقُ النِّخَاسةِ)، ولعلَّ هذا حالنا اليوم بعدما أصبح السُّودان سوقاً للنَخَّاسين، تبعاً لأفعالِ البشير وعصابته وأزلامهم (الحُكَّام الحاليين)! ولَئِن كان للبشير ومُتأسلميه (الرِّيادة) في النِّخَاسة، التي مَارسوها بـ(التَدَرُّج/التجزئة) على مدى 30 سنة، فإنَّ أزلامهم من العَسْكَر والمدنيين وتُجَّار الحرب وسَقَطِ المَتَاع، مَارَسُوا النِّخَاسةَ بـ(الجُملة) للتَخَلُّصِ من السُّودان بكامله في سنتين فقط!
شاهدتُ مقطعاً ارتجالياً للمُسْتَوْزِرْ خالد (سِلِكْ)، استخدم فيه عباراتٍ فضفاضة لـ(دَغْدَغَةِ) المشاعرِ، وصَرْفِ الأنظارِ عن عَمَالتهم/خيانتهم العُظمى للسُّودان وأهله. تَرَكَّزَ حديثه إجمالاً على ثلاثة مواضيع، أوَّلها القوانين والعدالة، وما تمَّ بشأن مَجْزَرةِ القيادة والتعدِّي على أُسَر الشُهداء قبل أيَّام. والموضوع الثاني، كان بشأن مُؤتمر باريس المزعوم، والثالث عن العلاقة مع إثيوبيا والمُبادرة الإماراتِيَّة. حديثه عن القوانين والعَدَالة جاء عمومياً، وخلا من أي وعدٍ/التزامٍ أو إجراءٍ فعليٍ، ضد (القَتَلة) الذين أقَرُّوا (صوت وصورة) بجريمتهم منذ سنتين، وهي أصلاً لا تحتاج لتطويلٍ/(جَرْجَرة). ثُمَّ تَقَافَزَ هذا المُسْتَوْزِر بالعبارات الضبابِيَّة، كحديثه (العبثي) عن قُدرة وزير العدل على إلغاء قوانين النِّظام العام بقرارٍ واحد، بما يُؤكِّد سطحيته و(تَحايُله) لاستدرار تعاطُف السُودانيين، لأنَّه يعلم كراهيتنا/مُناهضتنا لهذه القوانين المُتعسِّفة. لكنه فَضَحَ نفسه لأنَّ (إلغاء) القوانين لا يكون بقراراتٍ (فردِيَّة)، وإنَّما عبر برلمانٍ شعبي (مُنتَخَب) وليس انتقالي، وعقب مُناقشات و(تصويت) مُوثَّق ودقيق! ولو تَحَجَّج بـ(الثوريَّة)، فالأدعى أن يُسارع وزير العدل بمُحاكمة ومُحاسبة المُتأسلمين وأزلامهم (بحزم)، بما في ذلك المُجرم البُرهان والمُرتزق حميدتي ورُفقائهم ومن وَالَاهم!
حديث هذا المُسْتَوْزِر عن مُؤتمر باريس المزعوم، لم يَخْلُ من السَذاجةِ والتضليل و(الحَشْو) أيضاً، وكان بعيداً عن المنطق و(الثوابت) الاقتصادِيَّة الرَّصينة. ومن بين ما ذَكَره أنَّ حمدوك ومُسْتَوْزِريه والموصوفين بأصحاب العمل، سيُقدِّمون عروضاً (تعريفيَّة) عن السُّودان والإصلاحات الاقتصاديَّة، وبيئة وفُرَص الاستثمار خاصَّةً في مجالات الاتصالات والنقل والبُنية التحتيَّة والطاقة والتعدين، وسيلتقون مع أكبر الشركات الفرنسِيَّة و(ناس أوروبيين وأمريكان – حسب وصفه)! وادَّعى بأنَّ المُؤتمر خطوة مُهمَّة لإعفاء الديون، وقال نصاً: “من (المُتوقَّع) أن (تُعرِب) الدول عن التزامها بإعفاء ديونها على السُّودان”، ثمَّ أكَّدَ قائلاً: “إعفاءُ الديونِ ح يكون قريباً جداً جداً”! وفي ما يتعلَّق بالمُشاركين في المُؤتمر، قال بالنَّص: “الكلام عن العدد الكبير دة كلام ساي، والوفد الماشي مع رئيس الوزراء (بروتوكوله وحِرَاسَتِه ومكتبه) ديل كلهم أقلَّ من 10 أشخاص، والماشيين كلهم (حمدوك ووزراء الخارجيَّة، المالية، الاستثمار، الطاقة، المعادن، النقل، الزراعة والصناعة)، بالإضافة إلى البُرهان و(إعلامه وحراسته وبتوع البروتوكول)! أما بتوع القطاع الخاص فماشين على حسابهم”!
لعلَّنا بحاجة للتساؤُل عن متى تمَّ إعداد وتجهيز الفرص الاستثمارِيَّة المزعومة؟ وما هي مُؤشِّرات إعدادها، خاصَّة مع (الاختلالات) الاقتصادِيَّة المُتلاحقة والمُتسارعة (داخلياً/خارجياً)؟ وما تكاليف/عوائد هذه الفُرص (مالياً/معنوياً)؟ ومن هم الخُبراء السُّودانيين (بالدَّاخل) الذين شاركوا في هذا العمل الحَسَّاس؟! وهل تمَّ تقييم و(مُفاضَلَة) وتقييم هذه الفُرص مع فرصٍ أُخرى؟ وما هي تلك الفُرَص وأُسُس/معايير المُفاضلة؟ ولماذا لم تُعْرَض الفرص المزعومة (أوَّلاً) على السُّودانيين، الذين أبدوا استعداداً كبيراً لدعم البلد و(دون مُقابل)، عبر التَبَرُّعات (المُتلاحقة) التي دعا لها حمدوك كـ(دولار/جنيه حمدوك، القومة للسُّودان الأولى والثانية وغيرها)! والأهمَّ من ذلك كيف تمَّ تجهيز الفرص الاستثمارِيَّة (المزعومة)، دون وجود استراتيجيَّة عامَّة للسُّودان؟! لو قالوا بأنَّهم أعدُّوها وفق استراتيجيَّة معلومة، فأين تلك الاستراتجيَّة، ومتى وكيف أعدُّوها؟ وعلى ماذا استندوا في إعدادها وما هي (بدائلها) ومحاورها، وخططها التنفيذيَّة بمَدَياتها/آجالها المُختلفة (قصيرة، متوسطة وطويلة)؟ وهل قاموا بتقييمها وتقويمها وما هي النتائج والمُعالجات؟! أمَّا إذا قالوا بأنَّهم أعدُّوا تلك الفرص الاستثماريَّة (المزعومة)، دون وجود استراتيجيَّة، تُصبح كارثة ومُؤشراً إضافِيَّاً لانحطاطهم!
بخلاف العبارات الفضفاضة على نحو (من المُتوقَّع، وسوف … إلخ)، فإنَّ الحديث عن إعفاء الديون مَعِيب ومُخِل، وحمدوك خصوصاً يعلم تماماً (استحالة) إعفاء ديوننا (دون مُقابل)، وتحديداً القروض خارج منظومة صندوق النقد، وهي الجُزء الأعظم/الأخطر من القروض، والتي نَالَها المُتأسلمون باتفاقياتٍ (سِرِّيَّة/مُريبة)، وفوائدٍ عالية، وقَدَّموا مُقدَّراتنا كضماناتٍ وامتنعوا عن سداد الأقساط، وقاموا بتسليم الدَّائنين مُقدَّراتنا المرهونة بحِجَّة الاستثمار. فالصين، مثلاً، التهمت مساحات واسعة من مشروع الجزيرة والرَّهد والسُّوكي، وبكردفان والنيل الأبيض وأراضي الحبوب الزيتيَّة وغيرها، والإمارات تستميت لابتلاع ميناء بورتسودان، بجانب الأراضي التي تستغلَّها بالجزيرة والشمالِيَّة ونهر النيل، وقائمةُ الدَّائنين تطول. وهنا أتساءل: لماذا لا يقوم حمدوك ومُسْتَوْزِريه بحصر ديوننا (أوَّلاً)، ويكشفوا عن مقاديرها ومُبرِّرات أخذها و(الضمانات) المُقدَّمة لنَيْلِها، وأوجُه صَرْفها؟! والمُريب، أنَّ حمدوك ومُسَتْوْزِرِيه لم يبذلوا أي جهود (جادَّة) لاسترداد أموالنا المنهوبة، وكمثال، ذَكَرَت صحيفة “المدينة/السعودِيَّة” في 26 أبريل 2019 أنَّ عوض الجاز وحده يملك (64 مليار دولار)، وهذا مبلغٌ يُسدِّد جميع ديون السُّودان ويفيض! ولو كان حمدوك ومُسْتَوْزِريه صادقون وأمينون، لماذا لا يستخدمون علاقاتهم الدولِيَّة/الإقليميَّة (المزعومة) لاسترداد هذه الأموال، بدلاً عن إغراقنا في المزيد من الديون ومخاطرها، ثُمَّ (استجداء) الدَّائنين لإعفائها؟ خاصَّةً وأنَّ الوقت/الجهد المُستَهْلَك لاسترداد الأموال المنهوبة، أقلَّ بكثير من جولات المُفاوضات مع صندوق النقد أو بقيَّة الدَّائنين ونتائجها، ودون تهديدٍ لسيادتنا واستقلالنا السياسي والاقتصادي!
أثبت (سِلِكْ) جُرأة وعدم حياء استثنائِيَيْن، بمُكابرته و(أكاذيبه/تضليلاته) المفضوحة بشأن المُشاركين، من السُّودان في المُؤتمر المزعوم! فبجانب ما نُشِرَ عن (ضخامة) الوفد واعتذار الفرنسيين عن الصرفِ عليه، نتساءل: لماذا يُسافر على حد قوله: “بتوع” البروتوكولات والمكاتب وغيرهم، طالما هناك سفارة سُودانِيَّة في فرنسا؟ بخلاف أنَّ هؤلاء (الفاشلين) يعجزون عن ترتيب أمور حمدوك (داخل) السُّودان، والشواهد عديدة ومُوثَّقة، فكيف ينجحون هناك؟! وما الدَّاعي لِحِرَاسة البرهان/حمدوك في بلدٍ آمنٍ ومُتقدَّمٍ مثل فرنسا؟! وكيف تمَّ اختيار رجال الأعمال المُشاركين، وما مدى مُساهمتهم (الاستراتيجيَّة الفعليَّة) بالاقتصاد السُّوداني؟ ولو كانت لهم إسهامات اقتصادِيَّة (استراتيجيَّة)، فلماذا لا يتركونهم يستقطبون (الشركاء) في مشاريعهم (الاستراتيجيَّة) المزعومة؟! والأهمَّ من كل هذا، لماذا السفر لفرنسا (أصلاً) في ظل أزمة كورونا، حتَّى لو ادَّعوا أنَّهم (مُسْتضافين)؟ أين الإحساس والكرامة وعِزَّة النَّفس؟ ما المانع من عقد المُؤتمر (أثيرياً) كما فعلت جميع دول العالم، وفي موضوعات أكثر حساسِيَّة وخطورة من مُؤتمر باريس؟!
أبشع صور العَمَالَة والانحطاط، تَجَسَّدَ في حديث (سِلِكْ) عمَّا أسموه (مُبادرة) إماراتِيَّة، ومُحاولاته (المُخجلة) لتبسيطها وتجميلها، ولنا أن نتساءل: ما الذي يُجبرنا على أنْ يُقاسِمنا الآخرين (أرضنا) التي نملك أدِلَّة/وثائق أحقِّيتنا بها؟ لماذا يمتنع حمدوك ومُسْتَوْزِريه عن شكوى الإثيوبيين (رسمياً) إلى مجلس الأمن استناداً للوثائق الدامغة التي نملكها؟! وهل احتلال إثيوبيا لأراضينا يمنحها حق مُقاسمتنا فيها، وفق مَزاعم المُسْتَوْزِر سِلِك ورُؤسائه؟ وأين حقوق السُّودانيين الذين قتلهم الإثيوبيين ونهبوا مُمتلكاتهم؟! ومتى نسترد أراضينا المُحتلَّة، سواء من الإثيوبيين أو المصريين أو غيرهم؟! ولماذا (يتكتمُّون) على شروط ومضامين ما يُسمَّى (المُبادرة الإماراتِيَّة)، خاصَّة وأنَّها تتعلَّق بأمرٍ (سِيادي) يخص جميع السُّودانيين؟!
إنَّ (التعتيم) المُصاحب لمضامين المُبادرة الإماراتِيَّة، يُؤكِّد ما رَشَح بشأن مضامينها الكارثِيَّة، كإيجار الفشقة إلى الإمارات لمُدَّة (90) سنة، لإدارتها بـ(استقلالٍ كامل) ومُمارسة كافَّة السُلطات السِيادِيَّة عليها، بدءاً بتشغيل المطارات وتشييد الطُرُق العابرة، وبانتهاءً إنشاء القُوَّات العسكرِيَّة التي غالباً ستكون من المُرتزقة المُسْتَبعدين من إسرائيل، أو من الفلاشا الذين هاجروا إليها ويُطمعون في الفشقة لتحتويهم، وبدأوا فعلياً بالتمهيد لذلك. فبمُجرَّد (اقتضاح) نبأ التطبيع مع إسرائيل، طَلَب الفلاشا (الإثيوبيُّون) من نتنياهو بناء نصب تذكاري (داخل السُّودان) لمفقوديهم/قتلاهم خلال رحلة هجرتهم إلى إسرائيل، وضرورة تضمين هذا الأمر في اتفاقيَّة التطبيع مع السُّودان، وهذه هي البداية وسُرعان ما ستنتقل إلى أحقِّيَّة (تاريخيَّة) ببعض الأراضي، ويبدو أنَّهم حَدَّدوا الفشقة وبَقِيَّة الأراضي السُّودانِيَّة الأخرى التي تحتلَّها إثيوبيا، وما المُبادرة الإماراتِيَّة (المزعومة) إلا غطاء لهذه الخيانة، التي يُباركها البرهان ورُفقائه وحمدوك وقحتيُّوه، الذين يُمارسون العَمَالة دون سُقُوف أخلاقِيَّة/إنسانِيَّة، ولنتأمَّل سفرياتهم المُتلاحقة لسادتهم بالإمارات، وانكساراتهم المُتوالِيَّة وتلبيتهم لأوامرهم بـ(تكتُّمٍ/سِرِّيَّة) مُريبةٍ ومُخجلة!
أقول لأهلي السُّودانيين، بأنَّ أوضاعنا خطيرة جداً، وتتعدَّى الانتماءات الفرديَّة أو الفكرِيَّة والقَبَلِيَّة/الجِهَوِيَّة الضيقة، ولقد ثَبُتَ لنا (عملياً) أنَّ حُكَّام السُّودان الحاليين عبارة عن (نَخَّاسين)، حالهم كحال البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة، يبيعون ويشترون كل شيء دون واعزٍ أو حدود، وواقعنا البائس يعكس أبشع صُور وأشكال العَمَالةِ و(النِخَاسة) التي لم نشهدها أو نسمع بها على مَرِّ التاريخ، ودونكم ما فعلوه إبَّان الاعتصام وما بعده بدءاً بـ(الفضيحة) الدستورِيَّة وما تلاها، فليتنا نُدرك أنفسنا وبلادنا، ونقتلع هؤلاء العُملاء بأسرع ما يُمكن قبل فوات الأوان.
نحن في مرحلة حَرِجَة لا تُجدي معها الرَمَادِيَّة/المُجاملات أو التسويف والتأجيل، ولنعلم بأنَّ هؤلاء العُملاء لن يتوقَّفوا، وسيُواصلون عمَالتهم يُنفِّذون أوامر وتوجيهات سادتهم بالخارج (دون سُقُوف)، ومُؤتمر باريس أحد أكر فصول العَمَالَةِ التي سنكون ضحاياها الحصريُّون، ونحن وحدنا المَعْنِيُّون بمُناهضتها وتعطيلها. علينا الالتحام مع شبابنا بلِجان المُقاومة في جميع أنحاء البلاد (دون استثناء)، لأنَّهم أكثر أخلاقاً وصدقاً من الخَوَنة الذين يحكموننا الآن، ولا تنقصهم العقول/الكفاءات في مُختلف المجالات والمُستويات. وكما أجبرنا البشير على الاختفاء وابن عوف على التَنَحِّي، فنحن قادرون على اقتلاع هؤلاء (النَخَّاسين)، والحفاظ على ما تَبقَّى من بلادنا.. وللحديث بَقِيَّة.
عوض الحاز نهب 64 مليار دولار – المدينة-
رابط خبر صحيفة المدينة: