د. فيصل محمد فضل المولى[1]
من أهم العلماء المعاصرين الذين كتبوا عن اكتساب اللغات: الأمريكي ستيفن كراشن، وهو خبير في علم اللغة متخصص في نظريات اكتساب اللغات وتطويرها! وقد نشر منذ 1975 حتى الآن عشرات الكتب والأوراق العلمية وقدَّمَ محاضرات كثيرة في مختلف الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ودول أخرى. وبالإضافة إلى لغته الأم (الإنجليزية) يتحدث ستيفن كراشن الفرنسية والألمانية بطلاقة.. ويتحدث الإسبانية والعبرية والصينية بمستوى فوق المتوسط!
ظَلَّ ستيفن كراشن منذ العام 1975 وحتى يومنا هذا يؤمن أننا نكتسب اللغات بطريقة واحدة فقط.. وهي: “عندما نفهم المحتوى الذي نسمعه أو نقرأه باللغة المستهدفة”.. ويطلق على ذلك “المدخلات المفهومة”Comprehensible Input!
فنحن نكتسب اللغة عندما نتعرَّض للغة تعرُّضاً يومياً ومكثفاً عن طريق مهارتي الإدخال (أي مهارتي: الاستماع والقراءة)، وتُسمَّى هاتان المهارتان بمهارتي الإدخال لأننا نُدخِلُ بهما اللغة إلى دماغنا.. فنحن عندما نسمع نكتسب كلمات جديدة وقواعد جديدة وأصواتاً جديدة.. وعندما نقرأ نكتسب كلمات جديدة وقواعد جديدة.. هكذا نكتسب اللغة (بالاستماع والقراءة!).
يقول ستيفن كراشن: “نحن نكتسب اللغات بالاستماع والقراءة، وليس بالتحدُّث والكتابة”. لو تحدثتَ كثيراً فأنت لن تكتسب كلمات جديدة ولا قواعد جديدة.. بل ستظل تكرر ما تعرف فقط من كلمات وقواعد! يقول ستيفن كراشن: “التحدُّث بصوتٍ عالٍ أو أمام المرآة أو تسجيل حديثك في الموبايل.. كل ذلك لن يجعلك تتحدث اللغة بطلاقة! التحدُّث ليس سبباً في اكتساب اللغة.. والكتابة ليست سبباً في اكتساب اللغة.. بل هما نتيجة من نتائج اكتساب اللغة.. أمَّا إذا استمعتَ إلى المحتوى المفهوم وقرأتَ المحتوى المفهوم ستكتسب اللغة وستجيد التحدُّث والكتابة بطلاقة!”.
وتجدني أتفق تماماً مع ستيفن كراشن في أنَّ اكتساب اللغات يكون بالمدخلات المفهومة؛ فقد طورتُ لغتي الإنجليزية بالاستماع.. ظللتُ سنوات طويلة أشاهد فيديوهات التنمية البشرية باللغة الإنجليزية على اليوتيوب.. وقد ساعدني الاستماع اليومي لمحتوى هذه الفيديوهات في تطوير جميع مهارات اللغة الإنجليزية.. فاليوم -بحمد الله- عندما أستمع إلى أيِّ شيء بالإنجليزية أفهمه بسهولة.. واليوم أستطيع أن أتحدث الإنجليزية وأكتب بها بطلاقة ويسر.. وأستطيع أن أقرأ الكتب التي يقرأها المتحدثون الأصليون للإنجليزية وأستمتع بها وأفهمها بكل سهولة ويسر من غير أن أرجع إلى القاموس! لقد طورتُ كل مهارات الإنجليزية بالاستماع اليومي! هكذا اكتسبتُ الذخيرة اللغوية اللازمة.. وهكذا تعلمتُ النطق السليم والقواعد الصحيحة!
وأعرفُ أشخاصاً طوروا لغتهم الإنجليزية بالقراءة المكثفة اليومية.. وقد ساعدتهم القراءة فيما بعد في تطوير مهارات الاستماع والتحدث والكتابة! وهذا يؤكد صحة نظرية ستيفن كراشن التي ترى أنَّ اكتساب اللغة يتحقق عن طريق المدخلات المفهومة (الاستماع أو القراءة المفهومة).. ويا حبذا لو استطاع الشخص أن يمارس المهارتين معاً يومياً.. أي: أن يسمع ساعة ويقرأ عدة صفحات يومياً! فإذا واظب الشخص على هذه العادة يومياً سيصل إلى مستوى من الطلاقة يجعله يندهش من نفسه! سيصل إلى مستوى يستطيع أن يقرأ فيه كتابه المُفَضَّل بنهم واستمتاع من الغلاف إلى الغلاف من غير أن يرجع إلى القاموس ولا في كلمة واحدة! أو سيصل إلى مستوى يستمع فيه إلى محاضرة في التنمية البشرية في اليوتيوب أو يشاهد فلماً وثائقياً باللغة الإنجليزية ساعة أو ساعتين من الزمن ويفهم محتوى ذلك الفلم كاملاً من غير أن يرجع إلى القاموس! وسيجد نفسه قادراً على التواصل مع الآخرين بالتحدُّث أو الكتابة بالإنجليزية بطلاقة ويسر! يتحقق كل ذلك عن طريق الاستماع أو القراءة.. لكن ليس كل استماع أو قراءة ستوصلنا إلى هذا المستوى! بل هناك مواصفات معينة ينبغي أن تنطبق على المحتوى الذي نسمعه أو نقرأه.. يسميها ستيفن كراشن مواصفات المدخلات المثالية! وهي أربع مواصفات:
- أن يكون المحتوى مفهوماً.. فإذا كان مستواك متوسطاً في الإنجليزية استمع إلى المواد التي يكون مستواها متوسطاً.. واقرأ الكتب التي يكون مستواها متوسطاً مثل كتب الأدب الإنجليزي المقررة على مرحلتي الأساس والثانوي.. استمع إلى أفلام الكرتون المُصَمَّمَة للأطفال بلغة سهلة وواضحة! أو هناك مسلسلات إنجليزية لغتها سهلة مُصَمَّمَة خصيصاً لمتعلمي الإنجليزية.. ستجد كثيراً من هذه المواد في اليوتيوب مثل مسلسل Mind Your Language وهو مسلسل من 30 حلقة، مدة كل حلقة منه 25 دقيقة.. فلو شاهدتَ حلقة يومياً ستلاحظ بعد إكمال الثلاثين حلقة أنَّ مستواك تحسَّن كثيراً وتنتقل إلى الاستماع إلى مواد ذات مستوى أعلى!
هناك قناة في اليوتيوب اسمها Speak English With Mr Duncan (تحدَّث الإنجليزية مع السيد دونكان) يشاهد فيديوهاتها ملايين الأشخاص من مختلف دول العالم.. فهي قناة مفيدة جداً للمبتدئين.. يتحدث السيد دونكان باللهجة البريطانية بلغة سهلة جداً عن موضوعات متنوعة وطريفة.. ويظهر كلامه مكتوباً في أسفل الشاشة.. وهذا يُسَهِّلُ الاستماع لأنك ستسمع وتُعَزِّزُ استماعك بالقراءة!
أهم شيء هو أن تسمع أو تقرأ شيئاً مفهوماً لك.. أي: يتناسب مع مستواك في الإنجليزية! لأنك إذا سمعتَ أو قرأتَ شيئاً في مستواك فأنت ستسمع وتقرأ بسهولة ويسر وسيكون ذلك حافزاً لك لمزيد من الاستماع والقراءة واكتساب اللغة تدريجياً.. أما إذا سمعتَ أو قرأتَ شيئاً أعلى من مستواك فستجد صعوبة في الفهم وستشعر بالإحباط وتتوقف عن تعلم اللغة!
فكيف تعرف أنَّ المحتوى أعلى من مستواك؟ إذا بدأتَ تقرأ كتاباً ووجدتَ نفسك تحتاج إلى أن تبحث في القاموس عن معنى كلمتين أو ثلاث كلمات في كل سطر فهذا معناه أنَّ مستوى هذا الكتاب أعلى من مستواك! ولكن لو في الصفحة كلها وجدتَ كلمتين أو ثلاث كلمات جديدة فهذا هو مستواك.. وهذه هي الطريقة التي نكتسب بها الكلمات الجديدة.. لا ترجع للقاموس.. بل خمِّن معنى الكلمة الجديدة ولو كانت كلمة مهمة ستتكرر في الصفحات القادمة وسترسخ في ذهنك بالتكرار وتفهمها بلغتها!
لا يُشتَرَطُ فهم كل الكلمات والتفاصيل فيما نسمع ونقرأ.. نحن نحتاج فقط أن نفهم الصورة العامة.. فلو فهمتَ 90% من المحتوى فهذا هو المطلوب.. وبهذه الطريقة نكتسب ذخيرة لغوية جديدة وقواعد نحو جديدة تلقائياً!
- أن يكون المحتوى ممتعاً! أي: استمع لما تحب.. واقرأ ما تحب.. فإذا كنتَ تحب التنمية البشرية شاهد محاضرات التنمية البشرية على اليوتيوب.. وإذا كنتَ تحب السياسة والأخبار شاهد القنوات الإخبارية الإنجليزية مثل: BBC الإنجليزية، وCNN الأمريكية.. وإذا كنتَ تحب الموضوعات الدينية شاهد فيديوهات أحمد ديدات وذاكر نايك ويوسف إستس.. وإذا كنتَ تحب البرامج الطبية شاهد دكتور أوز Oz ، وذا دوكتورز The Doctors!
شاهد ما تحب.. شاهد المسلسلات والأفلام واستمع إلى الأغاني التي تحبها؛ فعندما تسمع أو تقرأ ما تحب ستنغمس في المحتوى وتنسى أنك تسمع أو تقرأ بلغة أجنبية.. وتكتسب اللغة تلقائياً.. أمَّا إذا استمعتَ إلى شيء لا تحبه فلن تطور لغتك كثيراً؛ وذلك لأنك ستشعر بالملل سريعاً وتفقد تركيزك في المحتوى حتى لو كان مستوى اللغة سهلاً!
- أن يكون المحتوى ثرياً باللغة الأصلية.. أي: أن يكون المحتوى بلغة رصينة ونطق سليم وفيه كلمات جديدة وقواعد نحو متنوعة.. فنحن نكتسب الكلمات الجديدة وقواعد النحو من خلال المحتوى.. ومن الأمثل أن نستمع في البداية إلى كلام المتحدثين الأصليين للغة كالبريطانيين والأمريكيين والكنديين والأستراليين.. وأن نقرأ كتاباتهم.. حتى نكتسب اللغة السليمة منهم.. ولكن بعد أن يتطور مستوانا في النطق والنحو علينا أن نستمع إلى أيِّ متحدث بالإنجليزية سواءً أكان أصلياً أم غير أصلي!
- أن يكون التعرُّض للمحتوى مكثفاً.. أي: أن تتعرض لمحتويات كثيرة.. وأن تقضي وقتاً طويلاً في القراءة والاستماع للمحتوى المفهوم الممتع الثري، يومياً حتى تصل إلى مستوى الطلاقة.. فإذا استطعتَ أن تسمع ساعة أو ساعتين يومياً.. أو أن تقرأ 10 صفحات يومياً.. أو أن تمارس هاتين المهارتين معاً يومياً ممارسة مكثفة مدة 6 اشهر أو أكثر سيكون هذا مثالياً! فكلما تعرضتَ للغة اكتسبتَ كلمات جديدة وتعلمتَ قواعد جديدة وطورتَ لغتك!
طَبِّق هذه النصائح وواظب على ذلك شهرين أو ثلاثة أشهر وستلاحظ تطوراً كبيراً في لغتك، وسيحفزك ذلك على المواصلة والاستمرار حتى تصل إلى مستوى الطلاقة.
طبعاً كل سلوك جديد سيكون صعباً في البداية ولكن بعد أيام سيصير عادة وستدمن الاستماع والقراءة!
هذا هو السر الثاني من أسرار تطوير اللغة الإنجليزية (نحن نكتسب اللغات بالمدخلات المفهومة! أي: بالاستماع والقراءة المفهومة). تحياتي إلى أن ألتقيكم في السر الثالث من أسرار تطوير اللغة الإنجليزية.
[1] دكتوراه في اللغة العربية وماجستير الترجمة بجامعة الخرطوم. التدريس الجامعي والترجمة، مع عُدَّة كُتُبْ آخرها كتاب: كيف أطور لغتي الإنجليزية.