تحقيقات

إثيوبيا تسعى لتجاوز الضغوط في أزمة السد دون تنازلات ملموسة

كيف تحقق إثيوبيا معادلة الملء الثاني بدون إضرار لمصر والسودان

 


آبي أحمد: لا نية لإلحاق الضرر بدولتي المصب

أعادت إثيوبيا صياغة خطابها الفني في أزمة سد النهضة مع مصر والسودان بطريقة دبلوماسية تحقق من خلاله هدفها في الوفاء بالموعد الذي ضربته للملء الثاني ووقف تصعيدهما على الساحة الدولية عبر تشديدها على عدم الإضرار بمصالح الدولتين.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الأحد إن “الملء الثاني سيتم خلال الهطول الغزير للمطر في يوليو وأغسطس.. ولا نية لإلحاق الضرر بدولتي المصب”. وأضاف في تغريدة له بحسابه الشخصي على تويتر “مكنت الأمطار الغزيرة العام الماضي من إتمام الملء الأول للسد بنجاح، وحال السد بلا شك دون حدوث فيضانات عارمة في السودان”، في رسالة تفيد بأن بلاده ستأخذ في حسبانها مطلب مراعاة الظروف الطبيعية في حالتي الفيضان والجفاف.

ويشير متابعون إلى أن معادلة آبي أحمد الصعبة تريد تجاوز العواصف السياسية التي تدفع نحوها القاهرة والخرطوم دون تقديم تنازلات ملموسة، حيث يعتزم تنفيذ تعهده بعدم تأخير ملء خزان السد والحفاظ على صورته الداخلية الصامدة دون استفزاز مصر والسودان إذا كانتا ترهنان التحركات بعملية الإضرار بمصالحهما.

وتقوم الخطة المنتظرة على القيام بالملء بلا تأخير، لكن بنسبة أقل من المقرر في المرحلة الثانية، وهي 13.5 مليار متر مكعب، حيث يمكن أن يستوعب الخزان نصف هذه الكمية، أو الشروع في الملء كما حدث في المرة الأولى وتخزين كمية تصل لحوالي خمسة مليارات متر مكعب، والتي لم تعكس أضرارا على الدولتين.

ويكشف التفكيك السياسي لخطاب آبي أحمد عن رغبته في حرمان مصر والسودان من تحقيق مكاسب عبر مواصلة التصعيد على الساحة الدولية، حيث رفعت القاهرة ثم الخرطوم إحاطات لمجلس الأمن قبل أيام لتوضيح موقفهما من تطورات سد النهضة.

عباس شراقي: الحديث الإثيوبي عن عدم التضرر من السد غير علمي

وقال رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة عباس شراقي إن تشدق إثيوبيا بأن السد لن يتضمن ضررا لمصر والسودان “حديث غير علمي وغير منطقي، فأي كمية يحجزها كبيرة أم صغيرة تؤثر على البلدين”. ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن فكرة عدم الإضرار تمثل بالون اختبار لمصر والسودان في كيفية التعامل مع إثيوبيا الفترة المقبلة، فعدم التوصل إلى اتفاق يغريها وغيرها من دول المنبع على التوسع في بناء السدود وفرض سياسة الأمر الواقع. وشدد شراقي على أن الأضرار المائية سوف تحدث فعلا، ومصر استعدت لها بخطوات لتوفير المياه، ويستعد لها السودان حاليا باتخاذ تدابير مناسبة، وهما على استعداد لتحمل جزء من الخسائر بشرط التوصل لاتفاق، وهذا ما تتحاشاه إثيوبيا.

ويريد البلدان تأكيد حسن نواياهما مع إبداء الحذر من خطورة مراوغات الجانب الإثيوبي، والتي أفضت إلى تعثر المفاوضات عشر سنوات وحالت دون توقيع اتفاق يمنع أديس أبابا من اتخاذ خطوات أحادية الجانب دون تنسيق مسبق.

ويخشى السودان أن يؤدي الملء الثاني إلى وقوع أضرار بالغة عليه وتهديد حياة الملايين من المواطنين للخطر، لذلك دعا إلى مراعاة الاتفاقيات الدولية والتوصل لاتفاق ملزم بشأن الملء الثاني، والموافقة على الآلية الرباعية التي أيدتها مصر، وتضم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويتوقع حدوث أضرار كبيرة على السودان حال تنفيذ الملء الثاني، بينما تستطيع مصر تعويض أي تراجع في حصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مخزون بحيرة السد العالي هذا العام، لكنها لا تضمن ذلك طوال فترات المد التالية، ولا تريد الرضوخ للأمر الواقع الإثيوبي خوفا من تداعياته مستقبلاً.

وتعتزم إثيوبيا تشييد عدد من السدود التي يمكن أن تثير مشكلات حادة مع دولتي المصب، وهو ما يدفعهما للإصرار على التوقيع على اتفاق مُلزم لتجنب مفاجآت كبيرة تتعلق بإعادة طرح توزيع حصص المياه التاريخية، خاصة أن أديس أبابا ألمحت إلى إمكانية تسعير المياه وبيعها لمصر والسودان.

وأكملت إثيوبيا بناء المخارج السفلية التي توفر توجيه المياه إلى المصب، وتم اختبارها وتشغيلها، وقالت إنها “تتمتع بالقدرة على استيعاب التدفق السنوي للمياه”، وتقوم باستعدادات كبيرة لتركيب التوربينات لتتمكن من توليد كهرباء بعد الملء الثاني.

وأكدت مصادر مصرية أن الليونة الظاهرة في رسالة آبي أحمد الجديدة ترمي إلى طمأنة المجتمع الدولي، وتفريغ فكرة وقوع الضرر من مضمونها، وهي الزاوية التي يرتكن عليها الخطاب المصري والسوداني، فإذا كانت إثيوبيا تتعهد بعدم حدوثه فما الداعي للتلويح بعمل عسكري، ولماذا الذهاب بعيدا عن أفريقيا؟

وأوضحت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن هذه الليونة ملغومة، وقد تريح بعض الدول التي لا تريد أن تأخذ الأزمة منحى خشنا فتشعل صراعا إقليميا يضاعف هموم عدم الأمن والاستقرار في المنطقة ويؤثر على مصالح بعض القوى الكبرى، لكنها تمنح إثيوبيا اليد العليا في تقرير ما تريده وقت ما تشاء.

وتتنصل إثيوبيا بشتى الطرق من التوقيع على اتفاق ملزم لها، فهي تقدم تعهدات شفوية مرنة وترفض تحويلها إلى وثيقة مكتوبة، ما يعني أنها تنوي التنصل من التنفيذ، بما يقلل من أهمية أي خطوة تحمل بوادر جيدة، حيث تفقد بريقها عند إخضاعها للاختبار.

وقد أفرزت حصيلة عشر سنوات من المفاوضات العقيمة بين الدول الثلاث حقيقة أساسية واحدة، فعلى الرغم من تباين المسؤولين في أديس أبابا، إلا أنهم جميعا أظهروا تمسكا بالقبض على دفة النيل الأزرق دون تدخلات مصر والسودان، أو أي جهة خارجية تلزم الدولة بتصورات محددة تعوق استغلاله بالصورة التي يريدها قادتها.

وتعزز هذه النتيجة الانطباعات التي ترسخت لدى متابعي الأزمة في المنطقة، وهي أن هناك إستراتيجية إثيوبية صارمة لم تحد عن طريقها في أي وقت، هدفها إبعاد دولتي المصب نهائيا عن التحكم في النيل، ورفض أي قيود تؤثر على مشروعاتها لاحقا، الأمر الذي يدفع إثيوبيا لتبدو راغبة في توفيق معادلة الملء وعدم الإضرار.

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى