أعمدة رأي

الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هارون يكتب .. غابت (القطط) فاستأسدت (الفئران) !!! هل من نهاية لجشع التجار ؟!!!

في المبتدأ نسوق التهنئة الخالصة لكل الاحبة بحلول شهر رمضان المبارك سائلين المولى القدير ان يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الاعمال وان يعتقنا فيه من النار، انه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه .. وكل عام وانتم بالف خير ..
اما في الخبر فسنتناول مجددا موضوع التضخم وغلاء الاسعار الذي تفاقم وبشكل ملفت في هذا الشهر الكريم شهر البذل والرحمة بسبب جشع التجار عندنا بينما يتنافس ذوو السعة في الدول الاخرى، ومنهم التجار بالطبع، على خفض الاسعار عبر مهرجانات التسوق وعروض التخفيضات الى جانب الكثير من اعمال الخير التي لا تقتصر على تقديم موائد الافطار الجماعي بالمساجد مجانا للمحتاجين.
وحسب التعريف الاقتصادي فان كل من يبيعنا سلعة او خدمة فهو تاجر. وبالتالي يندرج تحت هذا التعريف اصحاب البقالات والمولات والجزارون وبائعو الخضر والفاكهة واللبن واصحاب البصات والحافلات والترحال وشركات الطيران وغيرهم. وعلى الرغم من ان تقسيما قد جرى لهؤلاء حسب طبيعة النشاط (بائع/مزود خدمة buyer/service provider) الا ان الجوهر يبقى واحدا في الحالتين وبالتالي فكلاهما تاجر. وتندرج الحكومة نفسها تحت هذا التعريف ان كانت تبيع سلعا او تقدم خدمات للجمهور بمقابل مادي كما هو الحال في السودان.
وكما هو الحال في كل العالم ظلت الجهات الرسمية في السودان منذ الاستقلال وحتى مجيء (الانقاذ) تتولى مهمة تحديد ووضع اسقف لاسعار السلع والخدمات خصوصا تلك التي تتصل بشكل مباشر بحياة الجمهور وتؤثر على مستوى معيشتهم ورفاهيتهم. ويتم تحديد الاسعار وفق الية معينة تراعي تكلفة السلعة او الخدمة في جميع مراحلها (supply chain) كما تراعي في المقابل متوسط دخل الفرد مع اضافة هامش ربحي مناسب للتاجر. وفي حالة السلع والخدمات الحكومية يصار الى تخفيض الهامش الربحي الى ادنى مستوياته بل احيانا تقدم تلك السلع والخدمات بسعر التكلفة او اقل (في حالة الدعم). كما يتم تمييز الفئات الاقل حظا في المجتمع كذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والطلاب بتخفيضات اكبر في بعض الاسعار كاسعار الادوية وتذاكر المواصلات العامة التي تمنح بموجب استخدام بطاقات مخفضة تصرف لهم وفق ضوابط محددة. ولضمان التقيد بالاسعار المحددة وعدم تجاوزها على امتداد الوطن وضعت اجراءات رقابية مستندية وميدانية صارمة. لذلك ظلت اسعار السلع والخدمات ثابتة تقريبا ولسنوات طويلة وان زادت فبنسب طفيفة لا تكاد تذكر. ولا تزال الذاكرة تختزن صور المظاهرات الحاشدة التي اندلعت بالعاصمة غداة الاعلان عن زيادة سعر رطل السكر جنيها واحدا في حكومة الصادق المهدي بعد ثورة ابريل 85 مما اضطر الحكومة الى الغاء الزيادة !!!. هذا الوضع مكن المواطن مهما كان دخله من العيش في بحبوحة لا يحلم بها اليوم من بلغ دخله عشرات الالاف !!!.
ثم تهاوى نظام التسعير والنظام الرقابي في عهد الانقاذ بسبب الصالح العام والتمكين والفساد والقصور الاداريين اللذين طالا مؤسسات الدولة واجهزتها اوانذاك. ولكن الغريب ان يظل الوضع يتهاوى وبوتيرة اشد في عهد الثورة بسبب الغياب التام للتسعير والرقابة معا على الرغم من وجود مئات الالاف من شباب المقاومة على امتداد الوطن يمكن الاستفادة منهم في هذا المجال !!! لقد اصبحت الزيادات في اسعار المواد الغذائية وفي اجور المواصلات العامة، وهما اهم المتطلبات، فوق احتمال المواطن. وما يزيد الوضع سوءا عدم نزول الاسعار او ثباتها على الاقل فهي في اتجاه تصاعدي مستمر رغم استقرار سعر الدولار الذي يتحجج به التجار، وذلك بعد نجاح مشروع تعويم الجنيه السوداني!! لقد ورد في تقرير لقناة الجزيرة اذيع مؤخرا ان اسعارنا تضاعفت 20 مرة منذ تكوين حكومة الثورة وحتى الان !! والادهى والامر وقوف (حكومة الثورة) متفرجة كأنما الامر لا يعنيها رغم ان الشعب الذي فجر الثورة كان قد خرج للشارع اصلا جراء الضنك وضيق المعيشة الذي كان يعانيه !!!.
لقد اثبت هذا الوضع فساد وجشع التاجر السوداني الذي لم يردعه ضميره وخوفه من الله فمضى يمتص دماء ابناء شعبه النبيل الصابر. لذلك لابد من تدارك الوضع من خلال وضع نظام عادل لتسعير المواد الغذائية الاساسية وتذاكر المواصلات العامة لجميع الخطوط بالعاصمة القومية، كأولوية اولى، مع الزام جميع التجار واصحاب المركبات العامة بطباعة ايصالات استلام (receipt) وتذاكر مواصلات تصمم لهم وتطبع على نفقتهم وبحيث يقوم التاجر بتسليم الشاري ايصالا مبينا عليه السعر الفعلي. كما يقوم كمساري البص او الحافلة بصرف تذكرة للراكب بعد الدفع في الحالتين. وعند اكتشاف اية مخالفة للسعر المحدد يبادر المتضرر بالاتصال بالجهة الرقابية المختصة لاتخاذ الاجراءات اللازمة مع تشديد العقوبة لردع المخالفين. ويلزم تدريب شباب المقاومة على النظام الرقابي ومنحهم حوافز خصما على الغرامات التي تجبى من المخالفين. كما يلزم مشاركة الشرطة والامن لتحقيق المزيد من الردع

.. والله الموفق ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى