المجاي (The Medjay)المجا، المجاي، أسلاف البجا وأول من تكلم بلغة البجاويت (البداويت) – الجزء الأوَّل
آمنة أحمد مختار أيرا تكتب
لم تكن المنطقة الصحراوية الواقعة بين النيل والبحر الأحمر بهذا الجفاف الذي يسودها اليوم، بل كانت إلى وقت قريب من بداية الحضارة المصرية (الكمتية الفرعونية) القديمة، تتمتع بقدر وافر من المطر والغطاء النباتي، مَكَّن السكان من القيام بدورهم الحضاري في المنطقة، والشعب الذي سكن هذه المنطقة ينتمي إلى السلالة الأصيلة التي كونت سكان وادي النيل منذ فجر تاريخه. وأول إسم عُرف به هذا الشعب، في المصادر التاريخية المادية من نقوش وجداريات وبرديات وغيرها، بأنهم العنصر البشري الذي كان مكلفاً بحراسة العقيدة الآمونية الفرعونية، والمعابد (البرابي) وكذلك المدارس الدينية، وبالطبع نعلم كمؤرخين أهمية العقيدة لشعب وادي النيل شماله وجنوبه (كمت مصر القديمةوكوش السودان القديم).
تكون الجيش الكمتي (الفرعوني) القديم من فرق عديدة، كان أهمها وأشرسها فرقة المجاي، والتي يُعتقد أنه قد إشتُقَّ منها إسم الحرب (ماق) عند البجا بلغة البداويت، وكذلك لقب المحارب (ماقيت). وإشتهر المجاي كفرق متقدمة من الجيش الكمتي (الفرعوني) كجنود استطلاع وكشافة، ومع تطور المنظومة العسكرية أصبح لهم مكانة أساسية في التشكيلات العسكرية، وكونوا فرقا في مختلف أفرع الجيش، وشاركوا في أكثر المعارك مصيرية، مثل تحرير كمت من الهكسوس، وكذلك إنقاذهم لرعمسيس الثاني من الهزيمة في معركة قادش مع الحثيين، لذلك خلدهم في جداريات معبده بأبو سمبل، وخلدتهم الملكة حتشبسوت في معبدها بالدير البحري.
خلال الدولة الفرعونية القديمة، كان اسم (مجاي) لقباً يطلق على الأفراد القادمين من أرض مجا، والتي كانت تقع تقريبا شمال الشلال الثاني، وقد عثر على مرسوم ملكي، يرجع لعصر الفرعون بيبي الأول، بخصوص تعيين ممثلاً لأرض (مجا) والمناطق المحيطة بها، والتي كانت تخضع للإمبراطورية المصرية في ذلك الوقت. وفي عهد الدولة الوسطى، لم تعد كلمة مجاي إشارة لأرض مجا، بل أصبحت إشارة لمجموعة قبائل عشائرية تلقب بالمجاي. وتشير النصوص التاريخية إلى أن المجاي أصلاً شعب رعوي، عاش في الصحراء الشرقية، وبمرور الوقت انضموا للجيش الكمتي، حيث عملوا كفرق جنود مركزية وحماة حصون الدولة، كما جابوا الصحراء ككشافة وقصاصي أثر.
كانت أولى دوافع ضم المجاي للجيش الكمتي، في ذلك الوقت، هو خطب وُد باقي أفراد شعب هذه المنطقة بجنوب مصر، وحملهم على التوقف عن مهاجمة الحصون، والممتلكات المصرية الكمتية بهذه المنطقة.ثم كان للمدجاي دورٌ بارز في حملة الفرعون كامس وشقيقه أحمس، ضد الهكسوس، ومن ثم أصبحوا فرعاً هاماً من أفرع الجيش الكمتي (المصري القديم). مع العلم أن قدماء المصريين كانوا سمر اللون، ويشبهون كثيراً البجا الحاليين في السحنات والزي والشعر، وذلك كما يظهر في مومياواتهم وكذلك رسومهم الجدارية. وقد إحتكر المجايThe Medjayوظائف حرس الحدود والشرطة العسكرية والحراسات الخاصة بالقصور الملكية، منذ عهد الدولة الكمتية القديمة (الألف الثالث قبل الميلاد). وتؤكد النصوص التاريخية، حقيقة أن مناطقهم القديمة كانت تمتد من مناطق ضفاف النيل بجنوب مصر، وشمال السودان ومناطق شرق مصر والسودان الحالي.
انحصر الإسم اليوم بمجموعة (البجا)، بالصحراء الشرقية المصرية وشرق السودان، خصوصاً منطقة البحر الأحمر. ولقومية البجا الكبرى تداخل كثيف مع المجموعات البشرية شمال ووسط السودان، وكذلك بقومية النوبة جنوب مصر وشمال السودان، وهذه هي العناصر البشرية التي تشكل منها جزءٌ كبيرٌ من الشعب الكوشي السوداني القديم كما نعلم. ولقد كان للبجا ممالك عديدة منذ فجر التاريخ حتى عهد نهايات مملكة مروي، ويعتقد عديد من العلماء أنهم كانوا جزءاً من مكون عهد ما قبل الأسرات.
لفتت شجاعة المجاي ومهارتهم الحربية، وتكريس أنفسهم للزود عن العقيدة الآمونية وحراسة المعابد، عدد من المطلعين على التاريخ، فتناولتهم هوليوود في بعض أفلامها مثل أجزاء فيلم (المومياءThe Mummy) الشهير على سبيل المثال. وكذلك هنالك لعبة فيديو شهيرة بإسمهم ،وروايات أجنبية تناولت بطولاتهم. كما تحدث الكاتب الأمريكي سكوت وودن عن مجموعة من محاربي المدجاي،في قصته الأدبية رجال من البرونزMen of Bronze تقودهم شخصية خيالية اسمها”هسدرابال بركا”، ووصفهم الكاتب بنخبة المحاربين في مصر القديمة، على الرغم مقتلهم جميعاً في مدينة منف، بوشاية لأعدائهم من يوناني يدعى فانس، وحمل المدجاي فوق دروعهم صورة المعبودة ودجت (معبودة مصر العليا) والتي يُرمز إليها بأنثى حية الكوبرا. وفي المجموعة القصصية للورين هاني، والمسماة الملازم باكLieutenant Bak، يظهر الملازم باك قائداً لفرقة شرطة من المدجاي خلال عهد الملكة حتشبسوت. هناك أيضاً الرواية الصادرة عن نيك درايك عام 2009، والتي تحمل اسم توت عنخ آمون: كتاب الظلالTutankhamun: The book of shadows، يظهر رَعْ حُتُب قائداً لقوات المدجاي بطيبة، إبان عهد توت عنخ أمون.. وللحديث بقية.