علي الشريف يكتب.. زوووووووم عند اللزوووم..!
في الرد على مقال محمد جميل: مأزق العنصرية السياسوية في شرق السودان طريق ملكي للحرب الاهلية والخراب في الاقليم طال الزمن أم قصر
هذا العنوان يؤهل صاحب المقال، لدخول موسوعة غينيس للارقام القياسية، يتكون من 17 كلمة كأطول عنوان لمقال صحفي في القرون الحديثة، ونعرف أن من البلاغة أن ماقل ودل خير مما كثر وألهى! على كل، سنحاول الرد على ترهات هذا الكاتب المتفلسف بالآتي.
أولاً: تناول موضوع المواطنة كفكرة، وليت شعري لا أعرف كيف طاوعه القلم في تنميط مفهوم المواطنة في حيز التفكير، فالمواطنة مفهوم تحده محددات، وله ضوابط لا تخضع للفكر المجرد، إلا مواطنة يعرفها ويريدها محمد جميل وحده! وفي ذلك نذكره أن المواطنة وحداثتها كواحدة من ركائز الدولة الحديثة لها من التاريخ أوجه، انبنى عليها تطور مفهوم المواطنة، ومن أهم محدداتها ارتباطها بالأرض في أي مجتمع (سَوِي) يعيش على أرض، وله تاريخ عليها، وهنا وجب علينا أن نعيدك إلى مفهوم التاريخ، ماهو وكيف يكون؟! وأبسط تعريف للتاريخ (هو تتابع الأحداث في المكان من خلال الزمان)، والسؤال الذي يفرض نفسه: ماهي الأحداث التي تتابعت، هل هي إلا حركة الإنسان على أرضه لينتج لنا تاريخاً محدداً يؤسس لمواطنة حديثة كما تشتهي أنت؟
ثانياً: إن نظام الإنقاذ المشؤوم، الذي اتخذ من فكرة الإسلام السياسي ذريعة لتضييع هوية السودان، بتبني أفكار سيد قطب ونظرية أستاذية العالم، هو من أضاع سيادة السودان، وتلاعب بشروط المواطنة، وتزوير ما تتطلبه هذه المواطنة من مستندات تؤكد أحقية أي مواطن بالتمتع بالمواطنة المبنية على الجنسية السودانية. وأنت تعلم تماماً أن المستفيد الأكبر من هذه الجرائم، هم سكان معسكرات اللاجئين الأريتريين وغيرهم، ممن خدعتهم عصابة الإنقاذ وأضاعت قضاياهم الوطنية في بلدانهم بإقامة وطن بديل مبني على فكرة أستاذية العالم التي لا تعترف بالدولة الوطنية والمواطنة، إلا على أساس الدين! فمن المستفيد من هذا الوضع، هل هم البجا كما تزعم في مقالك أم منسوبي المعسكرات وغيرهم؟!
ثالثاً: إن بناء الدول على مفهوم المواطنة الحديث الذي تقصده، لم يُتَح للتطبيق في عصرنا هذا، إلا لدولة الكيان الصهيوني المغتصب، الذي ادعى أرض العرب الفلسطينيين وحاول طمس آثارهم من على خريطة أرض فلسطين، ويبحث عن آثار تدل علي وجوده عليها دون فائدة! وبحسب الدكتور الربيعي، صاحب كتاب فلسطين المتخيلة، فإن وجود اليهود لم يكن على أرض فلسطين بل كان باليمن، وبالتحديد مناطق مملكة سبأ، وأكدت بحوث وأحفورات وجودهم بهذه الأرض بأعداد محدودة، فهل يقبل الفلسطينيون بإسرائيل على أرض فلسطين ولا تاريخ لهم عليها، وفقاً لزعمك أن المواطنة الحديثة لا ارتباط لها بالأرض، ووفق ما تقول بأن بعض من يحمل شهادات الدكتوراه والبروفيسورات من أبناء البجا يحاولون جاهدين إثبات أن الأرض والتاريخ هم أساس المواطنة.
رابعاً: تقول في مقالك إن أسوأ ما حدث من استقطاب بعد الثورة، هو بقاء أثر تفاعلات سالبة خلفها تصميم نظام الانقاذ الذي نشأ من ثقافة النص، لا من ثقافة التاريخ، وهنا يكمن العطب الذي لازم مقالك الأسود هذا، فأنت تناقض نفسك بنفسك! ففي الوقت الذي تستنكر فيه إثبات مفهوم المواطنة على أساس التاريخ في فقرتك الأولى، تأتي وتنسف كل هذا باستنكارك على نظام الانقاذ تبنيه للنص، وتغافله عن التاريخ في طرح مشروعه الحضاري المزعوم، فأي تناقض هذا يا هذا ؟!
خامساً: تذكر أن هنالك ضربٌ من العجز عن تناول رؤية المواطنة في إطارها الدستوري، ولعلك تقصد متطلبات اكتساب المواطنة من مستندات (جنسية/رقم وطني) وغيره، وإطارها الجيوسياسي! ولعلك تقصد أيضاً تداخل القبائل الحدودية، وفي كلتا الحالتين لا نجد مسوغاً ينفي قيام/استناد المواطنة على التاريخ والأرض! مع العلم بأن هذين الإطارين يخدمان مفهوم المواطنة على أساس التاريخ، لو استثنينا الأخطاء والجرائم التي ارتكبت على شاكلة تزوير الاستحقاق الدستوري ومستندات الرقم الوطني مثلاً، والتي يعلم القاصي والداني ولوغ وزير الداخلية الأسبق إبراهيم محمود حامد فيها، ودعاوي التمتع بالهويتين الذي ينادي بها بعض ناشطي البني عامر! أما إشارتك إلى وجود جماعة شعبوية سياسوية عنصرية تتبني مفهوم المواطنة على أساس التاريخ والأرض، فإن مفهوم المواطنة على أساس الدستور مخترق بالتزوير، وبالعلاقات الجيوسياسية مخترق أيضاً بإدعاءات باطلة على شاكلة إدعاء ممالك لهؤلاء اللاجئين على أرض البجا. وبناءً على ذلك، لم يثبت معك شئ يُعتَدَّ به في تبني مفهوم المواطنة على أساس الدستور أو العلاقات الجيوسياسية، مما يعني سلامة مواقف وآراء حَمَلَة الدكتوراة من أبناء البجا وهم ينافحون عن تاريخهم وأرضهم من التزوير والإدعاء.
سادساً: ما وصفت به جماعة شعبوية سياسيوية عنصرية تتبني مفهوم المواطنة على أساس التاريخ والأرض بأنها تدَّعي، ومعها في ذلك حفنة من حملة الدكتوراة والبروفيسورات، أن المواطنة تُبنى على فرضية “أنا أرضي أكبر من أرضك”، ويريدون أن ينفوا المواطنة عن البني عامر والحباب لأن أرضهم قطع صغيرة، اشرت أنت إليها بجنوب طوكر وعقيق، فَلِعَمْري لا أجد في الرد عليك إلا قصة جحا الاسطورية المعروفة، الذي باع بيته وضرب مسماراً على جدار بيته من الداخل، وأخذ ياتي كل يوم ليدخل الدار فيستوقفه أصحاب الدار الجدد، فيقول لهم نعم الدار داركم لكنني لم أبع لكم مسماري، وأنا أدخل لأن لي مسماراً بالدار! وانت الآن توهمنا بأن الأرض، ولو كانت شبراً فهي مسمار جحا الذي يعطي الحق لتفريغ سكان دولة كاملة في دولة أخرى، بحجة أرض محدودة جداً في بعض محليات طوكر، ثم تأتي وتقول بأنك صحفي! وهنا أتذكر مثل كسلاوي أصيل يقول (لصيق الطين في الكرعين ماببقي نعلين)، فلنواجه مشاكلنا حتى يتسنى لنا حلها، وليعمل الاريتريون على حل مشاكل وطنهم الأصلي، بدلاً عن الاحتماء بظل مسمار في حائط هلامي! خاصة وأن قيادات البني عامر الأهلية، أقروا (مؤخراً) بأهمية اعتماد مفهوم المواطنة على أساس التاريخ والأرض، ولاقت في سبيل ذلك مالاقت.
سابعاً: تهديدك المبطن الذي ختمت به مقالك الدائري هذا، من قبيل الاصطياد في الماء العكر، وتأكيدك على قيام حرب أهليه بشرق السودان، إذا لم تعتمد الدولة مفهومك الحداثي للمواطنة المضروب (كما أثبتناه لك آنفاً)، وتخليها عن اعتبارات التاريخ والأرض في تحديد المواطن السوداني من غيره، ليس سِوَى ضربٌ من إثارة الفتن والقلاقل، ورسالة لمن تنافح من أجلهم وأسلوب لا نستبعده منك ومن أمثالك، والسودانيون (الأصيلون) قادرون تماماً على مواجهته وحسمه، وإنْ عُدتُم عُدنا.