مقالات

مفاهيم الثقافة الثورية الجديدة

عمر الحاج

عمر الحاج عبد الحفيظ عمر[*]

عندما يتساءل البعض عن الهوية، يجب علينا النظر بعمق في ثقافتنا الموحدة والتي تبلورت من خلال عملية إنصهار حضاري إستمرت لآلاف السنين بين السهل والنهر والجبال والوديان. هي عملية شديدة التعقيد شكلت النسيج المجتمعي لسودان اليوم. لكن، للأسف الشديد، مع غياب الوعي التاريخي، يجهل الكثير عمق الروابط التاريخية المشتركة التي أنتجت عماد أعظم الحضارات الإنسانية السودانية في تاسيتي وكرمة ونبتة ومروي. والتي كتب عنها العالم القديم في مدوناته أعظم البطولات وأعلى سمات التطور الحضاري والقيم الإنسانية. قدسها قدماء الإغريق وذكروا عنها ما لم يذكره التاريخ عن أي حضارة أخرى. ومن شدة الإعجاب، قالوا بأن معبوداتهم تذهب للإحتفال سنوياً في مروي.

الإختلال في المناهج الدراسية وتحديداً في دراسات التاريخ السوداني واحدة من أهم العوامل التي طمست الوعي بالأصول التاريخية والحضارية للشعب السوداني. وعلى النقيض تماماً فقد أصلت للإختلافات الثقافية والإثنية واللغوية بين المكونات السودانية المتعددة وتغاضت عن التاريخ والثقافات والعادات والتقاليد والمفردات اللغوية المشتركة. تم تعتيم لشمس الحقيقة وإدخالها في نفق مظلم من كذبات تاريخية كمسميات الحكم التركي المصري والحكم الثنائي في التاريخ الحديث.

إن الفكرة الأساسية في الحراك الثوري ترتكز على نشر الوعي فهي ثورة وعي في الأول والأخير، لذلك علينا التيقن التام بأن السودانيين بإتساع جغرافيتهم وتعدد إثنياتهم وقبائلهم ولغاتهم وتنوع سحناتهم وألوان بشرتهم، إنما هم في آخر المطاف أمة واحدة عظيمة تحمل كم ضخم من الروابط التاريخية ومن التصاهر أكثر بكثير مما لا يدرس في المناهج الدراسية.

ومع إستخدام المستعمر التركي والإنجليزي لجميع أصناف الأسلحة العنصرية والجهوية لزرع التفرقة بين المكونات السودانية بين عرب وزرقة وأولاد بحر وغرابة وعرب ورطانة، لا يجب أن نستسلم لهذا التأصيل والتأطير التي وقعت في مستنقعه النخبة السودانية منذ الإستقلال. ومن منطلق حراكنا الثوري يجب أن نحطم كل القيود والمسلمات ونعود لجذور أسلافنا الحضارية التي كان تعددهم وتنوعهم مصدر قوتهم وليس نقمتهم. وعلينا من تدارك دروس ماضينا العريق أبان إمبراطوريتنا الكوشية التي وصلت حدودها القدس واللحاق بركب دول العالم الأول، فلا تنقصنا العقول ولا الموارد الطبيعية لكن ينقصنا الوعي والمعرفة التاريخية بقيمة جذورنا الضاربة في القدم.

“بنحلم بوطن حدادي مدادي، وطن يعيد أمجاد أسلافه ويرجع قوة عظمى. وطن لا يعرف قبلية ولا جهوية ولا عنصرية. وطن يعود قوة عظمى مثلما كان يوماً.”

[*] باحث مستقل في التاريخ والإرث الحضاري السوداني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى