تحقيقات

أسـرار أباطــرة تجـارة الذهــب فـى العالــم

مليار دولار ذهبا مسروقا حول العالم كل عام وأكبر استثمارات فى المناجم

 الذهب ملاذك فى أوقات الأزمة.. وهو عالم قائم بذاته مهما تذبذب سعره، لم يفقد بريقه أو مكانته منذ 6 آلاف عام، فقارات العالم المختلفة ممتلئة به، وتبلغ كمية المعروض للبيع منه مستويات غير مسبوقة، ووصلت تجارته إلى حد السعار حرفيًا حيث إننا نشترى الذهب ثم نبيعه ثم نشتريه ثانية!

لا تستطيع التكهن بسعره أو توقع مساره، سوق الذهب تشبه السوق الشعبية التى لا تخضع لضوابط وأحكام واضحة فى التعامل، فأحكام تجارته وأعرافها وتقاليدها محاطة بالسرية، بل وتقترب من مكائد أروقة السياسة عن أصول عالم البيزنس.

الحكومات والبنوك المركزية هى أكثر من يشترى المعدن الأصفر، وهناك 4 طرق للاستثمار فى الذهب، أولها السبائك، والتى تشترى من البنوك وتشتهر بها الهند والصين وإنجلترا وتركيا وإيطاليا، وثانيها الصناديق المتداولة فى البورصة، الطريقة الثالثة أسهم شركات ومناجم تعدين الذهب، الرابعة عقود الذهب الآجلة عالية المخاطر المتداولة فى البورصات، وهى عبارة عن اتفاق بين طرفين لشراء وتسليم الذهب فى وقت محدد مستقبلًا.

 وتنتظر هذه السوق المتشعبة الآن، بدء برنامج الرئيس الأمريكى جو بايدن للتحفيز الاقتصادى لمواجهة آثار جائحة كورونا، والذى تبلغ قيمته 1.9 تريليون دولار، فالمعدن الأصفر يرتبط بمؤشر الدولار، وهو المرآة العاكسة للتطورات السياسية، ووضع الأسواق عالميًا.

ذهب إفريقيا

إفريقيا تطفح بالذهب، حقيقة جعلت جنوب إفريقيا تتربع على عرش أكثر دول العالم إنتاجًا للذهب منذ سنوات عديدة، وتقود الإنتاج العالمى للذهب طوال قرن، وتستخرج نصف السبائك.

من هناك بدأت الصراعات على الذهب، وتحديدًا من منجم «مبونينج» أعمق المناجم فى العالم على مستوى 4 كم تحت الأرض فى إقليم «جوتينج»، من خلال شركات التنقيب المرخصة والمنقبين غير القانونيين، وتتجاوز قيمة الذهب المسروق من هناك ما قيمته مليار دولار سنويًا.

وينتقل الذهب المسروق من أيدى جماعات الجريمة إلى عملاء فى الخليج والهند وروسيا، حيث تتم عملية غسل أموال الذهب عبر شركات وهمية، ليباع بعدها إلى تجار السبائك القانونيين.

وبعد 5 سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعار الذهب أولًا، وظهرت موجة التهافت على الذهب من خلال شركات المناجم حتى أصبح ثلث احتياطى الذهب النقدى فى العالم بحوزة الحكومة الأمريكية، حيث كان لديها 20 ألف طن من سبائك الذهب فى خزائنها.

و«فورت نوكس» والتى يطلق عليها مبنى خزانة سبائك الإيداع الأمريكية فى ولاية كنتاكى، هو الموقع الذى تحتفظ فيه الولايات المتحدة باحتياطاتها من الذهب والمكان الأكثر حراسة فى العالم حيث يحتوى على نسبة 3 % من نسبة الذهب فى تاريخ البشرية.

وغير الذهب الصين وحولها أيديولوجيًا  واقتصاديًا، وغير موقفها من التنقيب عن الذهب، بعد أن كان يعتبر أنه يهدد القيم الشيوعية المثلى، ووصلت إلى قناعات بأن الذهب سيكون وسيلة تحميها فى عالم الدولار المتحرك، ومن هنا فتحت الصين أبوابها للتنقيب على مصراعيها للشركات الصينية لتمويل مشترياتها.

تم ذلك من خلال منجم «لينجلونج» الأسطورى الواقع فى شبه جزيرة «شاندونج»، ووصلت إلى المركز الأول عالميًا فى إنتاج الذهب، وحافظت على هذا الترتيب حتى الآن، بـ 400 طن سنويًا تمثل 12 % من إنتاج المناجم العالمي.

منجم أسطورى فى «شاندونج» الصينية

وأسس الجيش الصينى وحدة للتنقيب عن الذهب، للاستفادة من فرص تحقيق المكاسب، ونتيجة لتوسعاته الكبيرة فى عملية التنقيب، أطلق عليه «جيش الذهب»، فعدد قوته من المنقبين بلغ 20 ألفًا.

ويأتى بعد الصين، فى قائمة الدول الأكثر إنتاجًا للذهب، أستراليا ثم روسيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، ثم كندا وإندونيسيا وبيرو، ثم جنوب إفريقيا والمكسيك وغانا.

ويبدأ اكتشاف مناجم الذهب كبيرة الحجم، بواسطة جهاز يمسح المستويات العليا للقشرة الأرضية، ويقيس وفرة المواد المغناطيسية، وتحتوى الصخور على كميات متفاوتة من المعادن، وتبين خريطة الطيف المغناطيسى للجيولوجيين مواضع التقاء أنواع الصخور.

 وهو ما يساعدهم على تحديد المواضع التى يجب البحث فيها، وهناك تقنية أخرى من المسح الجوى، تقيس شدة انبعاثات الإشعاع من السطح، الأمر الذى يمكن من تحديد عمر الصخور التى يحتمل وجود الذهب بها.

وتعد مدينة تورنتو الكندية من أبرز مدن العالم فى مجال التنقيب عن الذهب، وبها 1600 شركة مسجلة للتنقيب، وبها أكبر تجمع على مستوى العالم لرؤوس الأموال الموظفة فى أعمال التنقيب.

وتجاوزت قيمة تداولات أسهم شركات التنقيب فى بورصة تورنتو 280 مليار دولار، وهناك أكثر من 500 محلل فنى فى المدينة، يتتبعون أداء أسهم هذه الشركات.

وتتخذ 3 من كبرى شركات التنقيب فى العالم «تورنتو» مقرًا لها، وهى شركة «باريك جولد»، وشركة «كينروس جولد»، وشركة «يامانا جولد»، وتقدر قيمة أكبر 5 شركات فى مجال التنقيب عن الذهب وإنتاجه فى العالم، بـ157.7 مليار دولار فى سبتمبر الماضى.

وشهدت أسهمها قفزة كبيرة أكبر من زيادة سعر الذهب نفسه، بنسبة 73 % منذ بداية عام 2020، وتعد شركة «نيومونت» أكبر شركة منتجة للذهب فى العالم، حيث أنتجت 6.3 مليون أونصة.

أما ثانى هذه الشركات هى «باريك جولد»، بـ 5.4 مليون أونصة، وارتفعت أسهمها بنسبة 67.6 %، ويوجد مقرها الرئيسى فى مدينة تورنتو الكندية، وهى إحدى الشركات الفائزة فى المزايدة التى طرحتها مصر للتنقيب عن الذهب مؤخرًا، فى الصحراء الشرقية.

 وفى المرتبة الثالثة، تأتى شركة «أنجلو جولد أشانتى» بإنتاج 3.2 مليون أونصة، وفى المرتبة الخامسة، شركة «كينروس جولد» بإنتاج 2.5 مليون أونصة.

أسياد وعمالقة

كان «بيتر مونك» – مؤسس شركة «باريك للذهب»، هو السبب فى انطلاق صناديق الاستثمار فى الذهب، وذلك بسبب حاجته إلى استثمار 15 مليون دولار مباشرة، بعد شرائه لأول المناجم عام 1984، وكان لا يملك هذا المال. فطرح «مونك» هذا النوع الجديد من الاستثمار، وهو «جولد تراست» الذى يعد أكبر صندوق يتركز عمله على الاستثمار فى الذهب حول العالم، حيث حصل المستثمرون وقتها على نسبة مئوية مسبقة من الإنتاج المستقبلى لمنجمه من الإنتاج الإجمالى، وليس أسهمًا.

ويمكن للمضارب على الذهب الآن، أن يرفع سماعة التليفون ويشترى حصصًا فى صناديق استثمار الذهب التى توظف أموالها فى السبائك، ومن أكبر هذه الصناديق ما يعرف بـ «سبايدر» أو «العنكبوت»، والذى تجاوز ما فى خزائنه من الذهب، احتياطات الذهب لدى البنك المركزى الصينى.

وأُنشئ هذا الصندوق من خلال مجلس الذهب العالمى، والذى يمثل الشركات أو أصحاب صناعة التنقيب، وقاموا بإدارته لايجاد وسيلة ناجحة لبيع الذهب، خاصة مع إنتاجهم الكبير منه، حيث ارتفع الإنتاج العالمى أكثر من80 مليون أوقية.

ووصلت ملكية الصندوق إلى ما يزيد على40 مليون أوقية ذهب، محفوظة فى مخازن الذهب بلندن، التى تعود إلى أمين الحفظ الذى يقدم خدماته للصندوق، وهو بنك HSBC، وهذة الفكرة شبيهة بفكرة إيداع النقود لدى البنك، فكل سبيكة لها وزنها، ودرجة نقائها، ورقمها التسلسلى، وتمثل حصة لدى الصندوق.

ووفقًا لمجلس الذهب العالمى، فإن صناديق الاستثمار فى الذهب أضافت أكثر من 1000 طن، بقيمة 55.7 مليار دولار لأول مرة على الإطلاق، فى سبتمبر 2020، متجاوزة الرقم القياسى لعام 2009، البالغ 646 طنًا.

وحسب المجلس، فإن صناديق أمريكا الشمالية ظلت المتلقى الأساسى للتدفقات، إلى جانب زيادة بنسبة 17 % فى تدفقات آسيا، وإدراج 4 صناديق جديدة فى الصين، مع نمو الأصول فى أوروبا بنسبة 3 %.

وتشير هذه الأرقام إلى تمركز المستثمرين طويل الأجل فى سوق الذهب، والتى تتماشى مع مخاوف ارتفاع معدلات التضخم خلال السنوات المقبلة، نتيجة سياسات البنوك المركزية التسهيلية، والسيولة الكبيرة التى ضختها الحكومات فى الأسواق لمواجهة آثار فيروس كورونا، وهو ما يجعل الذهب بديلًا قويًا، رغم تراجع مبيعات المجوهرات على مستوى العالم.

وحركة تداول الذهب غير منظورة، معظم عملياتها تنفذها مجموعة بنوك فى لندن، وهذا العالم يتميز بالسرية، حيث يرفع صباح كل يوم عند الساعة العاشرة والنصف، أحد التجار فى غرفة تداول المعادن الثمينة لدى أحد بنوك لندن، التى تتعامل بالذهب سماعة التليفون، ويتصل بخط خاص يربطه بـ4 بنوك أخرى.

وتشكل هذه البنوك الخمسة مجموعة نافذة مستقلة تعمل وفقًا لسياساتها الخاصة، تعرف باسم (مجموعة تحديد سعر الذهب بلندن) وأعضاؤها بنوك متعددة الجنسيات وهي: بنك نوفا سكوشيا (بنك كندى)، وباركليز، ودويتشه بنك، وسوسيتيه جنرال، وHSBC.

وبعيدًا عن الصناديق وتداولاتها، هناك عمالقة آخرون وهي بنوك الاستثمار العالمية المتخصصة فى تجارة الذهب والمعادن النفيسة، وعلى رأسها بنك «جيه بى مورجان» الذى استحوذ على نصف إيرادات 10 بنوك أمريكية من تجارة الذهب وباقى المعادن، حتى 2020، وحقق إيرادات قياسية بلغت أكثر من مليار دولار، وهو ما جعله فى مواجهة لبنك «جولد مان ساكس» صاحب أكبر دخل يقدر بما يقترب من 2 مليار دولار.

صائدو الكنوز

الاستثمار فى الذهب، كان مفتاح صعود ثروات عدد من المليارديرات العاملين فى مجال صناعة التعدين فى العالم، وحقق لهم أرباحًا خرافية، سواء من خلال حيازة السبائك الذهبية أو امتلاك حصص فى شركات تنقيب.

وعلى سبيل المثال حقق الملياردير الأمريكى «جورج سوروس» مكاسب تتخطى 663 مليون دولار من صناديق الاستثمار فى الذهب، وأيضًا الأمريكى «جون بولسون»، الذى حقق 5 مليارات دولار من المضاربة على الذهب.

وتضم قائمة المليارديرات الأكثر ربحًا من الذهب، «محمد العمودى» – الإثيوبى السعودى، والذى تقدر ثروته بـ 9.2 مليار دولار، وتعتبر إحدى شركاته هى المصدر الوحيد للذهب فى إثيوبيا.

بالإضافة إلى رجل الأعمال الروسى «سوليمان كيريموف»، الذى تقدر ثروته بـ6.6 مليار دولار، وتسيطر أسرته على أكبر منجم للذهب فى روسيا، وارتفعت ثروته 1.6 مليار دولار بعد زيادة أسهم الشركة مرتين فى 2020.

وفى مصر يبرز اسم رجل الأعمال «نجيب ساويرس»، والذى يرأس مجموعة «لامانشا ريسورسيز» لاستخراج الذهب، ولها استثمارات فى شركة «إنديفور» للتعدين، ومقرها تورونتو بكندا، ويملك استثمارات شركة «إيفوليوشن» للتعدين الأسترالية، وشركة «جولدن ستار ريسورسز» التى تتركز أعمالها فى غانا.

 وتقدر ثروته بـ3.2 مليار دولار، وحقق 5 مليارات جنيه مكاسب فى عام واحد، بعد أن وضع نصف ثروته فى الذهب، وحقق رجل الأعمال الروسى «ألكسندر نيسيس» مكاسب كبيرة من شركته للتعدين، والذى تقدر ثروته بـ 3 مليارات دولار، وأخيرًا الملياردير الروسى «ألكسندر ماموت»، الذى تقدر ثروته بـ2.1 مليار دولار.

صباح الخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى