أعمدة رأيمقالات وخواطر

*(مرارات الحرب)( 1_2)قساوة الهجرة الي البلد الأديب العالمي الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال كتب وروى آنذاك وفق ظروف إنسانية ممزوجة بطبيعة أهل الشمال وشخوصها العفوية المتميّزة في قريته كرمكول بقلب ديار الشايقية إضافةً لشخصيات أخرى من بلاد الفرنجة الذين يختلفون هم أيضاً عن فرنجة اليوم ، وقتها كان سوداننا يعُج بكل الجماليات وأهله يعيشون في أمنٍ وأمان والخواجات الفرنجة فيهم من الطيبة غير مانراهم عليه اليوم من طغيان وحُب للدمار والإقصاء لكل ما يرون أنه مهدّد لمصالحهم ، فالوضع في هذا القرن مختلف تماماً عن تلك الحِقَب والقرون فأصبحت الأراضي مستباحة والناس غير الناس والقلوب قاسية لأبعد مدى ، فالهجرة التي أنا بصددها هنا تمثّل قمّة القساوة والعنف والاضطهاد والإذلال للملايين من أهل السودان وأهل بلدي على وجه الخصوص فعذراً وأنا من أشد المعجبين بكاتبنا العالمي والمقتدين به إن كنت قد أقتبست شيئاً من عنوان روايته موسم الهجرة إلى الشمال قصدت أن أسرد فيها شيئاً من ويلات هذه الحرب اللعينة وماعاناه عامة أهلنا الطيبون ، وهنا أعني فترة النزوح القسري بكل ماحملته من مرارات وآلام فرضتها هذه الحرب المؤلمة التي أوجبت تلك الهجرة القاسية حفاظاً على الأرواح لتحمل هذه السطور العنوان الرئيسي (قساوة الهجرة إلى البلد) أوجزتها على بلدي ناوا التي استحقّت أن تكون صاحبة الرمزية وسيدة هذا المقال برُمّته … يا لقساوة الظروف ومرارتها!! يا لهول المصيبة التي حلّت بأرض الخير والطيبة!! يا لفظاعة مناظر الجثث المتناثرة في كل مكان!! يا إلهيييي من كمية الهلع في عيون الأطفال الأبرياء!! ربّاه ماهذه المصيبة التي جعلت الرُّضّع في حالة صراخ دائم يرتعبون عند سماع أي ضجة ناهيك عن انفجارات القنابل وأزيز الطائرات!! !! والله دي سنة سودا على سودان الهدوء والطمأنينة ، يومك كلو إنت تبقى رافع سبابتك تشيل تقلب في الشهادة ، نعم تتشهّد لأنه عينك للموت وتتزاوغ منه وسط انفلات القنابل ورشاش الرصاص اليتدفّق زي تمر الهبوب ، اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه هذا عقاب رباني على الحالة التي لا تسْر عدو ولا حبيب ، انحراف وانحلال وشذوذ ورذيلة وفضائح غمرت البلد فاقت حد التصوّر وأصبحت تُمارس عيني عينك عساهم بعد ده يتعظواااااا.. لم يكن أحد يتخيّل أن تطول فترة هذه الحرب لذلك تحمّلوا على أمل أن تنتهي خلال أسبوعين أو تلاتة ، لكن مع الهلع والخوف هاجر من لديه إمكانات إلى دول الجوار ، أما الخاتين الرحمن في قلوبهم تريّثوا على أمل لعل وعسى ومنهم من آثر البقاء قريباً في ولايات الوسط والشمال المجاورة متمنين أن تكون العودة إلى الديار قريبة ، أقسى أيام الخوف والذُعر قضوها يلتحفون السماء ويتوسّدوا الأرض خارج الغرف وتحت السراير خوفاً من طائش الرصاص أو شرائح القنابل ، وعندما استفحل الأمر وضاق بهم الحال خاصة بعد انقطاع الكهرباء والماء وعمّت الأرض فوضى عارمة من سلب ونهب وقتل واغتصاب فكان لابُد مما ليس منه بُد ، البيت كلو طلع بي شنطة فيها شوية غيارات وحملوا ماخفّ وزنه من مدخرات وتوكلوا على الله مستودعين صاحب الوداعة بقية ماتركوه وراءهم ، رغم أن فكرة الهجرة كانت مؤلمة وقاسية لكن مافي حل البلد تنزف وأصبح تقبُّل وضع بهذه الفظاعة ضرب من الجنون ، عندها كشّر ضعاف النفوس وتجّار الأزمات عن وجوههم القبيحة وضاعفوا أسعار التذاكر أضعافا ، ارتفعت أسعار تذاكر البصات والحافلات ولحقت بها الدفارات الغير مهيأة للسفر أصلاً وليس بها مقاعد ليفترش الركاب الأرضيات الحديدية والخشبية بينما هنالك بعض كراسي ذوي الإعاقة وبعض الفروشات لكبار السن التي أحضرها ذويهم فالموضوع مافيه تفكير “تركب بس” الوضع تأزّم والأسعار تقفز بجنون نحو أرقام فلكية ، وما زاد الطين بلّه منع العربات من الدخول يعني أي عربية تطلع من العاصمة تاني ماتدخل ممّا زاد الأزمة وخلق شُحاً في وسائل النقل ليزداد الطمع مع تكدّس الراحلين دون مراعاة للظروف المحيطة بهم .. ارتحل أهلنا زرافاتٍ ووحدانا في رحلات مكوكية لأيام طوال وليالي قاسية ذاقوا فيها مالم يخطر على البال من مرارات الأسفار ، تجنّبوا طريق شريان الشمال لمعرفتهم بصعوبة المرور به لتمركز الدعم الصريع الذين لايبالون في قتل ونهب كل قادم ولم يكن يعلموا بأن طريق كريمة ناوا بالشرق الذي قرّب المسافات لمواطني الضفة الشرقية لنهر النيل سيكون أيضاً مقراٌ لمحطات ارتكاز إذلال وإهانة من قبل فئة باغية طاقية مغتصبة ، فبعد أن عاثت فساداً ونهباً في منازاهم الآمنة بعاصمة البلاد وطردتهم منها في وضح النهار ، لم تكتفي بذلك فذهبت ونصبت لهم مراكز إهانة وإذلال في طريقهم ونهبوا كل ما حملوه معهم من مال ومقتنيات ، أجبروهم على النزول من العربات واستولوا على كل مامعهم بالتهديد ومن يمتنع مصيره القتل ، كما تطاولوا على كل من يحمل بطاقة أمنية او له علاقة بالجيش او الشرطة او النظام السابق ليعتقلوه ويمنعوه من السفر ، اقتادوا الكثير من الشباب لمعسكراتهم ومراكز تدريباتهم وسط صيحات الأمهات وتوسل وعويل الحبوبات بأن هذا يتيم والديه وذاك عليل ومريض ولكن هيهات فمن يلتفت لمثل هذه الاستغاثات !! فكما كتب أديبنا العالمي الطيب صالح ذات يوم (من أين أتى هؤلاء!!!!!!!) .. وهنا لابد من الإشادة بأبناء ناوا الذين وقفوا مع أهلهم وقفة الرجال العظماء وقاموا بترحيل كل الأُسر المتعفّفة مجاناً ، أما الأسر الكبيرة فكان لهم تعامل إنساني يشرح مدى رجولة هؤلاء الشباب وأصالتهم وهم ياخذون منهم ماتيسّر ، شعارهم (عندك تركب ماعندك تركب المهم تصل بأمان بلد الأمان) .. فشكراً لكم وهذا ديدنكم ولو المجال يسع لذكرتكم فرداً فردا لأنكم تستاهلوا التقدير والاحترام وسط قاذورات البقية الباقية التي تزكم الأنوف وتطمّم البطون ، تسلموا كتير أخوانا وأولادنا الصناديد الله يخدّر ضراعكم ويقويكم وتكونوا سند وعضد لأهلكم فقد سطّرتم ملحمة بطولية حتماً سيسجلها التاريخ بحروف من نور ،،، .≈===≈≈=====≈ *(مرارات الحرب)* *قساوة الهجرة إلى البلد “2”* بحمد الله بعد معاناة لعدة أيام وصلوا ناوا وهم في حالة يُرثى لها غير مصدقين أنهم نجوا من براثن أولئك الكفرة الفجرة نعم بعد هذا الرحيل المرير جداً تنفسوا الصعداء في موطن الأجداد بلاد الريد والمحنّة بيوت الطين القديمي وهم يحمدون الله كثيراً أنهم ليسوا بلاجئين بل نزلوا في ديارهم عند أهليهم معزّزين مكرّمين ريثما يتم ترتيب أمورهم ، ومنهم من نزلوا في بيوتهم التي هجروها منذ سنوات لكنها مازالت محتفظة برونقها وقادرة على أن تكون ساتراً لهم حتى ينعدل الحال ويرتاحوا ويعملوا ليها صيانة خفيفة لتكون مهيّأة للتكيُّف معها بقليل من الصبر هذه الديار العتيقة معظمهم اتولدوا واتربوا فيها ، كانت ضامّاهم وعايشين فيها عيشة السُعداء لكن الهجرة منها أنهكتها وغيّرت ملامحها ، شباب البلد بطبعهم الأصيل كانوا الساتر الأول بعد الله لكل الأُسر التي وصلت فقاموا باستنفار الناس ومخاطبة كل من لديه بيت غير مأهول لإستفادة منه في إسكان القادمين وهنا تجلّت روعة ناوا وأهلها المغتربين في بلاد الله الواسعة وهم يتجاوبون سريعاً ، أي واحد يقول ليهم كيف تستأذنونا في وضع زي ده البيوت بيوت الكل المفاتيح عند ناس “فلان” أمشوا أفتحوا البيت وإن كان محتاجين لي أي شي نحن جاهزين خلونا على الأقل نحتسب الأجر ونتشارك معاكم !!!! كلام طيب تشكرون عليه شكراُ جزيلاُ جميلاً وأعلم أنها قد تزعجكم أهلي البعيدين لأن هذا هو ديدنكم ومعدنكم وطبعكم الأصيل .. ما أروع وقفاتكم هذه أيها الأٌصلاء أبناء البلد القابضين على جمر القضية فقد تجاوزتم مرحلة الإستضافة وقمتم بتوفير متطلبات الحياة الكريمة بما في ذلك العناية الصحية ، فهنالك جنود أوفياء من أبنائنا وبناتنا في الحقل الصحي من أطباء أخصائيون واستشاريون لهم الشكر والتقدير قاموا بتأهيل المركز الصحي وتوفير احتياجاته يعملون على مدار الأسبوع لمساعدة ذويهم كلٌ في مجال تخصصه ، لكم كل الحب أيها الأوفياء مقرونة بالدعوات اليومية من أهلكم الفخورين بكم ، فالشكر أجزله والتقدير جٌلّه لكم أهلي الكرام كفيتوا ووفيتوا مع أهلكم بفضل جهدكم الكبير كنتم خير سند لهم في أحضان ديارهم بعيداً عن وصفات نازحين أو لاجئين ، ناوا الأم الحنون تحتضنهم مواطنين أٌصلاء بين عزوتهم وعزّهم ليعيدوا لهم البسمة ويمسحوا دموعهم بعد الحُزن الذي عاشوه لشهورِ عدة ، الناس ديل الله يكون في عونهم بعد الشي الشافوه ده دايرين ليهم فقراء يقروا عليهم ودكاترة نفسانيين ، فبالرغم من أنهم تركوا وراءهم دُخر السنين وشقاء العُمر في عاصمة البلاد فهاهٌم يحمدون الله على سلامة الأرواح ويقولوا الجاتك في مالك سامحتك أهم شي نحن هنا بين أهلنا مرتاحين شيت الدنيا الزايلة فداية العوض من الله ، المثل يقول النسى قديمو تاه لكن ناوا وأهلها لم يتركوا لضيوفهم مساحة للتوهان فاختلطوا معهم في بيوتٍ أذِن الله لها أن تكون صامدة بعد هجران عقود من الأزمان لتعود الحياة لطبيعتها الأولانية السمحة المليانة توادد ومعاودة العلاقات الأسرية التي ذبُلت فعادت البساطة بالعندي عندك وحقّي حقك والبيت بيتك ليستعيدوا لمسات الزمن الجميل يتلمّوا يشربوا القهوة في أي بيت والمٌلاحات بالحِلل متبادلة بين البيوت والشباب طالعين نازلين على البحر والجناين مستمتعين بخيرات البلد التي أثمرت تكريماً لهم وترحيباً بمقدمهم بكل ما لذّ وطاب من الفواكه والرّطب والعجاوي بأنواعها طازة ومتاحة في أي وقت ، وقبل كل ذلك العلاقات الإنسانية والتلاحم وشهامة شباب البلد الذين أبرزوا أصالة معدنهم وفق ماهو متاح من إمكانيات ، نرفع لكم القبعات والطواقي والعِمَم عملتم بأصلكم الطيب الموروث من الآباء والأجداد تحترقون لراحة ضيوفكم وأهلكم ، وأثبتّم بأن أسرار الشهامة تبدأ من عندكم في ناوا ارض الخير في ناوا مكاني .. زمن النور والعزة زماني ..ارض خزاين .. فيها جناين .. نجوما عيون للخير بتعاين.. الدعوات الطيبات والأمنيات للسودان بأن ينعم بالسلام وتصدح فيه القماري مجدداً بأحلى نشيد *بلداً هيلي نا* *دموعا دموعي نا* *أساها أساي أنا..* *ضميرهاضميري نا* *كل آمالي نا..* *السلام يملاها..* *يطلع من هنا..* *والحَمَام يتشابا..* *تقدل طفلة حلوة وبين إيديها كتابا..* *والحبوبة تمسح بالحنين أثوابا..* *والقمرية تصدح .. تستريح دبابة..* وفي الختام كما قال القائل : أرى بشارات السماءِ قريبةً.. إنَّ الشدائِدَ بَعدهُنّ رخَاءُ.. ‏فغداً سيرتحلُ الظلامُ و ينجلي.. ويُشِعُ مِن بينِ الضلوعِ ضِياءُ.. واللهِ لن أخشى الحياةَ وضِيقها.. ما دامَ لي فوقَ السماءِ رجاءُ.. ‏ ما بين آمالي إلى تحقيقِها.. ‏صِدقُ اليقينِ وسَجدةٌ ودعاءُ.. 🤲🤲🤲🤲 وبعد الختام أقول بأن هذه الأهوال والفظائع بالنسبة لنا المغتربين تمثّل القليل جداً من الحقيقة العاشوها أهلنا في السودان ، لأننا بنسمع ونشوف من خلال وسائل التواصل والقروبات الخاصة وطبعاً في الغالب إما منقول أو مشتول ، وزيما قالوا سمع العضنين مو زي شوف العين… في وداعة الله سوداننا الجميل وأهله الطيبين … خاتمة الختام ،، اللهم تقبّل شهداء الوطن الذين لبوا النداء دفاعاً عن الأرض والعرض ، وأرحم موتانا وموتى المسلمين أجمعين .. وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. كان الله أراد بنتلاقا . . محمد بشير مراد (أبو حاتم) السعودية/الرياض

محمد بشير مراد يكتب ( مشاهدات جدو الحوام )

قساوة الهجرة الي البلد

الأديب العالمي الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال كتب وروى آنذاك وفق ظروف إنسانية ممزوجة بطبيعة أهل الشمال وشخوصها العفوية المتميّزة في قريته كرمكول بقلب ديار الشايقية إضافةً لشخصيات أخرى من بلاد الفرنجة الذين يختلفون هم أيضاً عن فرنجة اليوم ، وقتها كان سوداننا يعُج بكل الجماليات وأهله يعيشون في أمنٍ وأمان والخواجات الفرنجة فيهم من الطيبة غير مانراهم عليه اليوم من طغيان وحُب للدمار والإقصاء لكل ما يرون أنه مهدّد لمصالحهم ، فالوضع في هذا القرن مختلف تماماً عن تلك الحِقَب والقرون فأصبحت الأراضي مستباحة والناس غير الناس والقلوب قاسية لأبعد مدى ، فالهجرة التي أنا بصددها هنا تمثّل قمّة القساوة والعنف والاضطهاد والإذلال للملايين من أهل السودان وأهل بلدي على وجه الخصوص فعذراً وأنا من أشد المعجبين بكاتبنا العالمي والمقتدين به إن كنت قد أقتبست شيئاً من عنوان روايته موسم الهجرة إلى الشمال قصدت أن أسرد فيها شيئاً من ويلات هذه الحرب اللعينة وماعاناه عامة أهلنا الطيبون ، وهنا أعني فترة النزوح القسري بكل ماحملته من مرارات وآلام فرضتها هذه الحرب المؤلمة التي أوجبت تلك الهجرة القاسية حفاظاً على الأرواح لتحمل هذه السطور العنوان الرئيسي (قساوة الهجرة إلى البلد) أوجزتها على بلدي ناوا التي استحقّت أن تكون صاحبة الرمزية وسيدة هذا المقال برُمّته …
يا لقساوة الظروف ومرارتها!!
يا لهول المصيبة التي حلّت بأرض الخير والطيبة!!
يا لفظاعة مناظر الجثث المتناثرة في كل مكان!!
يا إلهيييي من كمية الهلع في عيون الأطفال الأبرياء!!
ربّاه ماهذه المصيبة التي جعلت الرُّضّع في حالة صراخ دائم يرتعبون عند سماع أي ضجة ناهيك عن انفجارات القنابل وأزيز الطائرات!! !!
والله دي سنة سودا على سودان الهدوء والطمأنينة ، يومك كلو إنت تبقى رافع سبابتك تشيل تقلب في الشهادة ، نعم تتشهّد لأنه عينك للموت وتتزاوغ منه وسط انفلات القنابل ورشاش الرصاص اليتدفّق زي تمر الهبوب ، اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه هذا عقاب رباني على الحالة التي لا تسْر عدو ولا حبيب ، انحراف وانحلال وشذوذ ورذيلة وفضائح غمرت البلد فاقت حد التصوّر وأصبحت تُمارس عيني عينك عساهم بعد ده يتعظواااااا..
لم يكن أحد يتخيّل أن تطول فترة هذه الحرب لذلك تحمّلوا على أمل أن تنتهي خلال أسبوعين أو تلاتة ، لكن مع الهلع والخوف هاجر من لديه إمكانات إلى دول الجوار ، أما الخاتين الرحمن في قلوبهم تريّثوا على أمل لعل وعسى ومنهم من آثر البقاء قريباً في ولايات الوسط والشمال المجاورة متمنين أن تكون العودة إلى الديار قريبة ، أقسى أيام الخوف والذُعر قضوها يلتحفون السماء ويتوسّدوا الأرض خارج الغرف وتحت السراير خوفاً من طائش الرصاص أو شرائح القنابل ، وعندما استفحل الأمر وضاق بهم الحال خاصة بعد انقطاع الكهرباء والماء وعمّت الأرض فوضى عارمة من سلب ونهب وقتل واغتصاب فكان لابُد مما ليس منه بُد ، البيت كلو طلع بي شنطة فيها شوية غيارات وحملوا ماخفّ وزنه من مدخرات وتوكلوا على الله مستودعين صاحب الوداعة بقية ماتركوه وراءهم ، رغم أن فكرة الهجرة كانت مؤلمة وقاسية لكن مافي حل البلد تنزف وأصبح تقبُّل وضع بهذه الفظاعة ضرب من الجنون ، عندها كشّر ضعاف النفوس وتجّار الأزمات عن وجوههم القبيحة وضاعفوا أسعار التذاكر أضعافا ، ارتفعت أسعار تذاكر البصات والحافلات ولحقت بها الدفارات الغير مهيأة للسفر أصلاً وليس بها مقاعد ليفترش الركاب الأرضيات الحديدية والخشبية بينما هنالك بعض كراسي ذوي الإعاقة وبعض الفروشات لكبار السن التي أحضرها ذويهم فالموضوع مافيه تفكير “تركب بس” الوضع تأزّم والأسعار تقفز بجنون نحو أرقام فلكية ، وما زاد الطين بلّه منع العربات من الدخول يعني أي عربية تطلع من العاصمة تاني ماتدخل ممّا زاد الأزمة وخلق شُحاً في وسائل النقل ليزداد الطمع مع تكدّس الراحلين دون مراعاة للظروف المحيطة بهم ..
ارتحل أهلنا زرافاتٍ ووحدانا في رحلات مكوكية لأيام طوال وليالي قاسية ذاقوا فيها مالم يخطر على البال من مرارات الأسفار ، تجنّبوا طريق شريان الشمال لمعرفتهم بصعوبة المرور به لتمركز الدعم الصريع الذين لايبالون في قتل ونهب كل قادم ولم يكن يعلموا بأن طريق كريمة ناوا بالشرق الذي قرّب المسافات لمواطني الضفة الشرقية لنهر النيل سيكون أيضاً مقراٌ لمحطات ارتكاز إذلال وإهانة من قبل فئة باغية طاقية مغتصبة ، فبعد أن عاثت فساداً ونهباً في منازاهم الآمنة بعاصمة البلاد وطردتهم منها في وضح النهار ، لم تكتفي بذلك فذهبت ونصبت لهم مراكز إهانة وإذلال في طريقهم ونهبوا كل ما حملوه معهم من مال ومقتنيات ، أجبروهم على النزول من العربات واستولوا على كل مامعهم بالتهديد ومن يمتنع مصيره القتل ، كما تطاولوا على كل من يحمل بطاقة أمنية او له علاقة بالجيش او الشرطة او النظام السابق ليعتقلوه ويمنعوه من السفر ، اقتادوا الكثير من الشباب لمعسكراتهم ومراكز تدريباتهم وسط صيحات الأمهات وتوسل وعويل الحبوبات بأن هذا يتيم والديه وذاك عليل ومريض ولكن هيهات فمن يلتفت لمثل هذه الاستغاثات !! فكما كتب أديبنا العالمي الطيب صالح ذات يوم (من أين أتى هؤلاء!!!!!!!) ..
وهنا لابد من الإشادة بأبناء ناوا الذين وقفوا مع أهلهم وقفة الرجال العظماء وقاموا بترحيل كل الأُسر المتعفّفة مجاناً ، أما الأسر الكبيرة فكان لهم تعامل إنساني يشرح مدى رجولة هؤلاء الشباب وأصالتهم وهم ياخذون منهم ماتيسّر ، شعارهم (عندك تركب ماعندك تركب المهم تصل بأمان بلد الأمان) .. فشكراً لكم وهذا ديدنكم ولو المجال يسع لذكرتكم فرداً فردا لأنكم تستاهلوا التقدير والاحترام وسط قاذورات البقية الباقية التي تزكم الأنوف وتطمّم البطون ، تسلموا كتير أخوانا وأولادنا الصناديد الله يخدّر ضراعكم ويقويكم وتكونوا سند وعضد لأهلكم فقد سطّرتم ملحمة بطولية حتماً سيسجلها التاريخ بحروف من نور ،،،
.≈===≈≈=====≈
*(مرارات الحرب)*

*قساوة الهجرة إلى البلد “2”*

بحمد الله بعد معاناة لعدة أيام وصلوا ناوا وهم في حالة يُرثى لها غير مصدقين أنهم نجوا من براثن أولئك الكفرة الفجرة نعم بعد هذا الرحيل المرير جداً تنفسوا الصعداء في موطن الأجداد بلاد الريد والمحنّة بيوت الطين القديمي وهم يحمدون الله كثيراً أنهم ليسوا بلاجئين بل نزلوا في ديارهم عند أهليهم معزّزين مكرّمين ريثما يتم ترتيب أمورهم ، ومنهم من نزلوا في بيوتهم التي هجروها منذ سنوات لكنها مازالت محتفظة برونقها وقادرة على أن تكون ساتراً لهم حتى ينعدل الحال ويرتاحوا ويعملوا ليها صيانة خفيفة لتكون مهيّأة للتكيُّف معها بقليل من الصبر هذه الديار العتيقة معظمهم اتولدوا واتربوا فيها ، كانت ضامّاهم وعايشين فيها عيشة السُعداء لكن الهجرة منها أنهكتها وغيّرت ملامحها ، شباب البلد بطبعهم الأصيل كانوا الساتر الأول بعد الله لكل الأُسر التي وصلت فقاموا باستنفار الناس ومخاطبة كل من لديه بيت غير مأهول لإستفادة منه في إسكان القادمين وهنا تجلّت روعة ناوا وأهلها المغتربين في بلاد الله الواسعة وهم يتجاوبون سريعاً ، أي واحد يقول ليهم كيف تستأذنونا في وضع زي ده البيوت بيوت الكل المفاتيح عند ناس “فلان” أمشوا أفتحوا البيت وإن كان محتاجين لي أي شي نحن جاهزين خلونا على الأقل نحتسب الأجر ونتشارك معاكم !!!! كلام طيب تشكرون عليه شكراُ جزيلاُ جميلاً وأعلم أنها قد تزعجكم أهلي البعيدين لأن هذا هو ديدنكم ومعدنكم وطبعكم الأصيل .. ما أروع وقفاتكم هذه أيها الأٌصلاء أبناء البلد القابضين على جمر القضية فقد تجاوزتم مرحلة الإستضافة وقمتم بتوفير متطلبات الحياة الكريمة بما في ذلك العناية الصحية ، فهنالك جنود أوفياء من أبنائنا وبناتنا في الحقل الصحي من أطباء أخصائيون واستشاريون لهم الشكر والتقدير قاموا بتأهيل المركز الصحي وتوفير احتياجاته يعملون على مدار الأسبوع لمساعدة ذويهم كلٌ في مجال تخصصه ، لكم كل الحب أيها الأوفياء مقرونة بالدعوات اليومية من أهلكم الفخورين بكم ، فالشكر أجزله والتقدير جٌلّه لكم أهلي الكرام كفيتوا ووفيتوا مع أهلكم بفضل جهدكم الكبير كنتم خير سند لهم في أحضان ديارهم بعيداً عن وصفات نازحين أو لاجئين ، ناوا الأم الحنون تحتضنهم مواطنين أٌصلاء بين عزوتهم وعزّهم ليعيدوا لهم البسمة ويمسحوا دموعهم بعد الحُزن الذي عاشوه لشهورِ عدة ، الناس ديل الله يكون في عونهم بعد الشي الشافوه ده دايرين ليهم فقراء يقروا عليهم ودكاترة نفسانيين ، فبالرغم من أنهم تركوا وراءهم دُخر السنين وشقاء العُمر في عاصمة البلاد فهاهٌم يحمدون الله على سلامة الأرواح ويقولوا الجاتك في مالك سامحتك أهم شي نحن هنا بين أهلنا مرتاحين شيت الدنيا الزايلة فداية العوض من الله ، المثل يقول النسى قديمو تاه لكن ناوا وأهلها لم يتركوا لضيوفهم مساحة للتوهان فاختلطوا معهم في بيوتٍ أذِن الله لها أن تكون صامدة بعد هجران عقود من الأزمان لتعود الحياة لطبيعتها الأولانية السمحة المليانة توادد ومعاودة العلاقات الأسرية التي ذبُلت فعادت البساطة بالعندي عندك وحقّي حقك والبيت بيتك ليستعيدوا لمسات الزمن الجميل يتلمّوا يشربوا القهوة في أي بيت والمٌلاحات بالحِلل متبادلة بين البيوت والشباب طالعين نازلين على البحر والجناين مستمتعين بخيرات البلد التي أثمرت تكريماً لهم وترحيباً بمقدمهم بكل ما لذّ وطاب من الفواكه والرّطب والعجاوي بأنواعها طازة ومتاحة في أي وقت ، وقبل كل ذلك العلاقات الإنسانية والتلاحم وشهامة شباب البلد الذين أبرزوا أصالة معدنهم وفق ماهو متاح من إمكانيات ، نرفع لكم القبعات والطواقي والعِمَم عملتم بأصلكم الطيب الموروث من الآباء والأجداد تحترقون لراحة ضيوفكم وأهلكم ، وأثبتّم بأن أسرار الشهامة تبدأ من عندكم في ناوا ارض الخير في ناوا مكاني .. زمن النور والعزة زماني ..ارض خزاين .. فيها جناين .. نجوما عيون للخير بتعاين..
الدعوات الطيبات والأمنيات للسودان بأن ينعم بالسلام وتصدح فيه القماري مجدداً بأحلى نشيد
*بلداً هيلي نا*
*دموعا دموعي نا*
*أساها أساي أنا..*
*ضميرهاضميري نا*
*كل آمالي نا..*
*السلام يملاها..*
*يطلع من هنا..*
*والحَمَام يتشابا..*
*تقدل طفلة حلوة وبين إيديها كتابا..*
*والحبوبة تمسح بالحنين أثوابا..*
*والقمرية تصدح .. تستريح دبابة..*

وفي الختام كما قال القائل :
أرى بشارات السماءِ قريبةً..
إنَّ الشدائِدَ بَعدهُنّ رخَاءُ..
‏فغداً سيرتحلُ الظلامُ و ينجلي..
ويُشِعُ مِن بينِ الضلوعِ ضِياءُ..
واللهِ لن أخشى الحياةَ وضِيقها..
ما دامَ لي فوقَ السماءِ رجاءُ.. ‏
ما بين آمالي إلى تحقيقِها..
‏صِدقُ اليقينِ وسَجدةٌ ودعاءُ..
🤲🤲🤲🤲
وبعد الختام أقول بأن هذه الأهوال والفظائع بالنسبة لنا المغتربين تمثّل القليل جداً من الحقيقة العاشوها أهلنا في السودان ، لأننا بنسمع ونشوف من خلال وسائل التواصل والقروبات الخاصة وطبعاً في الغالب إما منقول أو مشتول ، وزيما قالوا سمع العضنين مو زي شوف العين…
في وداعة الله سوداننا الجميل وأهله الطيبين …

خاتمة الختام ،،
اللهم تقبّل شهداء الوطن الذين لبوا النداء دفاعاً عن الأرض والعرض ، وأرحم موتانا وموتى المسلمين أجمعين .. وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كان الله أراد بنتلاقا
.
.
محمد بشير مراد
(أبو حاتم)
السعودية/الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى