تحقيقات

“أنوية التوراة”.. مشروع جديد لتحقيق “حلم الصهيونية الجديد” بدعم من حكومة الاحتلال

الناصرة- “القدس العربي”: يسلط تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) الضوء على ظاهرة “أنوية التوراة” المتزايدة خاصة داخل المدن الفلسطينية الساحلية التاريخية في محاولة لما يعرف بـ“استيطان الأرض والقلوب“ كـنوع من الجهود لتحقيق حلم جديد للصهيونية.

وحسب “مدار“ تُحيل لفظة “نواة التوراة” أو “الأنوية التوراتية” -كما اصطُلح على تسميتها إسرائيليا- إلى المشاريع الاستيطانية الزاحفة في المدن والبلدات داخل إسرائيل ويتمثل هدفها الأسمى في محاصرة الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين والتضييق عليهم وصولا إلى طردهم نهائيا من “المدن المختلطة” كـالرملة ويافا وعكا واللد. كما تهدف إلى “تطهير القلوب” من خلال “استيطانها” وما تتضمنه هذه العملية من تديين لمظاهر الحياة في هذه المناطق، وهذا ما يُمكن اعتباره موجها أيضا للقضاء على المظاهر العلمانية السائدة في المدن والبلدات الإسرائيلية نفسها.

وتنحدر غالبية أعضاء هذه “الأنوية” من معاقل المستوطنين في المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة عام 1967. ويقول التقرير إن مشاريع “الأنوية التوراتية” لا يُمكن فصلها عن حركة الاستيطان اليهودية في فلسطين منذ بدايات المشروع الصهيوني، ولا سيما بعد أن انطلق قطار المشروع الاستيطاني بقوة في مناطق الضفة الغربية المحتلة في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي لها في العام 1967، وما ترتب عليه من شيوع ظاهرة المؤسسات الاستيطانية المختلفة التي أخذت على عاتقها مهمة الاستيطان والتوسع في هذه المناطق، باعتبارها المناطق الأهم وفق التعريف التوراتي لـ”أرض إسرائيل”، وهو ما دفع العديد من الباحثين إلى وصف العام 1967 بأنه العام الذي جسد الالتقاء التاريخي لـ“دولة إسرائيل بـأرض إسرائيل” عامٌ تعرفت فيه الصهيونية على ذاتها الاستيطانية القومية الخلاصية، إلى جانب الذات الاستعمارية التي لازمت سلوكياتها ونمط تفكيرها منذ إقامتها في نهاية القرن التاسع عشر.

وينوه أن ظاهرة “الأنوية التوراتية” قد تعززت وفق الشكل والنهج السابق خلال العقود الثلاثة الماضية، بعدما تولدت قناعة لدى عدد لا بأس به من الجيل الجديد الذي نشأ في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة بأن استيطان الأرض وحده لن يكون كافيا للوصول إلى الهدف المنشود، وربما، ترك المناطق الإسرائيلية -المدن المختلطة بالحد الأدنى- يسكنها العرب و”يُشاركون” اليهود فيها هو أمر خطير لا بد من معالجته وإيقافه. لذا، فإن عملية الاستيطان بالنسبة لهم، ونشر توراة “أرض إسرائيل” لا بد من أن تكون في جميع أنحاء “أرض إسرائيل” وعدم حصرها في مناطق معينة، وهو الأمر الذي دفعهم لإنشاء هذه “الأنوية” كمشاريع استيطانية تستهدف الأرض والقلب في الوقت نفسه كما تشهد يافا مجددا الآن.

استيطان القلوب

ويرى مؤسسو فكرة “الأنوية التوراتية” والقائمون عليها، أن وصول المستوطنين، ممثلين بـالصهيونية الدينية بشكل رئيس، إلى المنصة؛ أي إلى مقدمة المشروع الصهيوني وقيادته (قيادة إسرائيل كأداة تنفيذ للمشروع) منذ مطلع الألفية الثالثة على وجه التحديد، لم يأتِ بالنتائج المرجوة كلها؛ فعلى الرغم من تمكن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية من الاستمرار على الأرض، إلا أن الإعجاب والدعم الذي كانوا ينتظرونه من قِبل جموع الإسرائيليين عموما لم يكن كافيا، بل على العكس تماما؛ اكتشفوا أن قسما كبيرا من الجمهور لم يُناصرهم، بل تحول إلى جمهور مُعادِ، رافض، ومناهض لسلوكياتهم ومظاهر معيشتهم، ومساعيهم الدينية الخلاصية.

وقد تجسد ذلك في اتفاقات أوسلو التي شكلت صدمة كبيرة للمستوطنين وهو الأمر الذي نتج عنه اغتيال رئيس الحكومة حينها إسحاق رابين، ومن ثم مشروع “فك الارتباط” الذي أقدم عليه رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون في العام 2005، كل هذا دفع باتجاه أن يكون المشروع القادم، والأفضل، إلى جانب استيطان الأرض هو “استيطان القلوب”؛ حيث أن مشروع “أنوية التوراة” هو السبيل الأنقى، والطريقة المُثلى، للوصول إلى مرادهم الاستيطاني الخلاصي؛ تديين المجتمع ونشر التوراة في جميع أنحاء “أرض إسرائيل الكاملة”.

حلم الصهيونية الجديد

ويتمثل المشروع الجديد بالنسبة للمؤمنين بهذه الفكرة، وهم من الجيل الجديد المتطرف الذي نشأ وترعرع في المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في مناطق الضفة الغربية المحتلة، في “حلم الصهيونية الجديد” الذي يتحقق ويزدهر انطلاقا من جميع أنحاء البلاد حيثُ تُشير التقديرات إلى وجود أكثر من 60 “نواة توراتية” مُبعثرة جغرافيا من كريات شمونة (الخالصة) شمالا إلى إيلات (أم رشراش) جنوبا.

من الناحية الأيديولوجية يجمع أعضاؤها ومناصروها بين العمل الاجتماعي والنضال القومي، أما من الناحية الدينية فيتبع روادها وأتباعها الصهيونية الدينية ويطرحون التحديات والأهداف نفسها تقريبا، ويُمكن اعتبارهم الأقرب، بالمعنى السياسي الحزبي، لـحزبي الصهيونية الدينية والبيت اليهودي، بل ومركب أساس من مركباتهما وقواعدهما.

“ربيع التوراة”

ويرى “مدار“ أنه لا يُمكن اعتبار هذه المشاريع فوضوية أو عشوائية من حيث العمل والتمويل؛ فـالمصادر المالية لهذه “الأنوية”، بحسب تقرير صادر عن “المركز الإسرائيلي لتجديد الديمقراطية- مولاد”، تعتمد بشكل كلي على دعم الأجهزة الحكومية الإسرائيلية، وعلى وجه التحديد وزارة الإسكان والبناء، وزارة تطوير النقب والجليل، ووزارة التربية والتعليم.

وقد أشارت مُعطيات حصل عليها المركز، إلى أن 52 “نواة توراتية” مقربة من الصهيونية الدينية والبيت اليهودي -أُقيمت خلال العقد الأخير فقط- حصلت على دعم حكومي لمشاريعها التوسعية الاستيطانية في العام 2014 من أصل 68 مشروعا حصل على دعم هذه الوزارات. وعلى سبيل المثال، حصل مشروع “ربيع التوراة” وهو أحد مشاريع “الأنوية التوراتية” المُقامة في منطقة تل أبيب – يافا على مبلغ (664.468) شيكلا في العام 2014 فقط من الوزارات الحكومية المذكورة أعلاه، ويهدف المشروع، بحسب التقرير الصادر عن “مولاد“ إلى مساعدة المجتمع في قضايا التعليم والرفاهية؛ نشر توراة “أرض إسرائيل” في مناطق وأحياء تل أبيب، تشجيع توطين وإسكان العائلات الشابة (المنتمية لهذه الأنوية) في هذه المناطق، وقبول طلاب إضافيين في المدارس الدينية، الاستيعاب الروحي والمساعدات الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين الأثيوبيين في هذه المناطق، إلى جانب توفير دعم مالي للعائلات والطلاب المتدينين الذي لا يمتلكون القدرة على الإقامة في هذه المناطق بسبب غلاء المعيشة.

دعم حكومي مباشر

أما حركة “بني عكيفا في إسرائيل”، والتي حددت نطاق عملها ومشاريعها في كل أنحاء “أرض إسرائيل الكاملة” فقد حصلت في العام نفسه على ما يُقارب 12.5 مليون شيكل من الوزارات الحكومية المختلفة (النسبة الأكبر كانت من وزارة التربية والتعليم) وتسعى هذه الحركة، وفقا لرؤيتها المطروحة، إلى تربية جيل مخلص “لـتوراته وشعبه وأرضه”، من خلال التربية لتحقيق الذات ضمن فكرة “توراة وعمل” للوصول إلى “مجتمع التوراة النقي” في “أرض إسرائيل”، وهذا لا يُمكن الوصول إليه إلا من خلال حب “أرض إسرائيل” والقيام بأدوار رائدة في بنائها وتطويرها ماديا وروحيا وصولا إلى الدولة اليهودية المبنية وفقا لمبادئ التوراة والتقاليد اليهودية.

يشار إلى أن تحقيقا لجمعية “عير عميم“ الحقوقية الإسرائيلية كشف قبل سنوات أن هناك 27 جمعية دينية يهودية متشددة تسعى لبناء الهيكل الثالث المزعوم في الحرم القدسي الشريف وتحظى بدعم مالي من قبل ست وزارات في حكومة الاحتلال.

إجمالا، تُعبر ظاهرة “الأنوية التوراتية” الآخذة بالتصاعد والانتشار تدريجيا عن بُعدين استيطانيين، استيطان الأرض، واستيطان القلوب؛ إذ تسعى هذه “الأنوية” إلى تحقيق “الحلم الجديد” للصهيونية، كما تراه، في القلوب عبر الانتشار والتوسع من خلال الاستيطان في المناطق المختلطة، والتي يتواجد فيها الفلسطينيون بهدف طردهم وتهجيرهم تحت غطاء نشر التوراة والتعاليم اليهودية التوراتية لـ”أرض إسرائيل”، وهو الأمر الذي لا يُمكن الوصول إليه إلا باستيطان الأرض وإقامة “أنوية” أو “بؤر” محدودة داخل التجمعات الكبيرة، كالمدن التاريخية أو الساحلية المعروفة اليوم وفق المصطلح الإسرائيلي بـ“المدن المختلطة” مثلا، ومن ثم الانتشار والتوسع جغرافيا وديموغرافيا وثقافيا ودينيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى