
تصويب وتصحيح لبعض ماورد في كتاب الصف السادس أساس

الباحث أبوعبيدة الماحي خليفة [*]
ورد في الدرس الثاني في كتاب التاريخ للصف السادس أساس بعنوان: “الهوية السودانية”. وشاب هذا الموضوع كثيرآ من الهنات والأخطاء، وسنختار الفقرة الأولى من الدرس كأنموذج، ومن ثم نسقط عليها بعض ما كتبه الباحثون والخبراء في هذا المجال. الفقرة تقول: في العهود القديمة كانت مملكة كوش تضم عدداً من الممالك، كما ذكرنا واختلط فيها أهالي مملكة اكسوم من الإثيوبيين والمصريين وقباىل نزحت من الجنوب، فأصبحت المنطقة التي عرفت بالسودان، بعد ذلك بوتقة انصهرت فيها العديد من الثقافات والاعراق. ثم بعد ذلك دخل العرب كعنصر جديد، وظهرت قبائل البجا في الشرق وهاجرت إلى السودان قبائل من غرب أفريقيا، ومن شرق أفريقيا وكل هذه الشعوب اختلطت وكونت العنصر الحاضر.
هذا محتوى الفقرة الأولى، وسيكون ردنا على هذه الفقرة في محورين، الأول أن نعطي نبذة عن مملكة كوش، والمحور الثاني نفرده للمحة عن تاريخ البجا القديم، حسب تراتبية الفقرة المنتقاة من الدرس، والرد سيكون بمنهج علمي صارم وموضوعي كما عكسته كتابات الخبراء والمختصين الأكاديميين.
المحور الأول لمحة تاريخية وأثرية عن كوش:
يطلق لفظ كوش على الحضارتين النبتية والمروية معاً، حسب ما ورد في كثير من النقوش الأثرية والكتابات والوثائق. وكوش هي الكيان السياسي والحضاري الذي ساد منذ نحو عام 850 ق.م وحتى 350م، ولاغرو في أن لفظ كوش قد أطلق أيضاً قبل هذه الفترة لأحد أقاليم السودان، جنوب الشلال الأول في لوح فلورنسا (1959 ق.م)، هذا اللوح خاص بالملك سنوسرت الثالث، أحد ملوك الأسرة الثانية عشر في عهد المملكة المصرية المتوسطة إبان فترة الدولة المصرية الوسطى (1786-2050 ق.م)، (سامية بشير دفع الله: 1999، 149). كما ورد ذكرها مرتين إبان فترة الاضمحلال الثانية، عندما ذكر إثنان من المصريين اللذان يعملان مع ملك كرمة إحدهما (سبد حر) والثاني يُدعى “كا” (Gasmelseed:1982; 28, 29).
كذلك فإن لفظ كوش ارتبط عند البعض بمملكة كرمة نحو (1450-2500 ق.م)، حيث أطلق على المنطقة الواقعة بين الشلالين الثالث والخامس إبان الدولة المصرية الحديثة نحو (1050-1580 ق.م)، وأيضاً رُصِدَ الإسم في عهد الملك النبتي اسبلتا نحو (568-593 ق.م)، في لوح الانتخاب ولوح الوقف (لوح الأميرة مديقن) ممايدلل أن لفظ كوش أطلق منذ أمد بعيد (Eide et al.;1998; 237, 241). كما ورد ذكرها مرتين في الكتاب المقدس، مرتبطاً بالملك تهراقا في سفر الملوك الثاني (9-19) وسفر اشعيا (8، 9، 31). وجاء ذكر اسم كوش في الفترة النبتية، في وثائق الملك الكوشي حرسيوتف (339-404 ق.م)، والملك نستاسن (315-335 ق.م)، حيث وصف أم الملك (بلخه) بأنها سيدة كوش (Ibid, 239-271).
وورد ذكر كوش في الوثائق المروية، حيث ظهر في نقوش عديدة من فيلة والدكة بالديموطيقية، كما ورد بالمروية المختزلة في لوح الحماداب ضمن ألقاب الأمير(اكينداد)، ومما يجدر ذكره أن احتفاظ الملوك النبتين والمرويين بالاسم كوش حتى أيامهم الأخيرة دلالة على اهميته (سامية: 2005، 3).
يقصد بالفترتين النبتية والمروية الفترتين اللتين احتفظ خلالهما كل إقليم بمركز الدولة اي العاصمة. حيث يعتقد أن العاصمة كانت في نبتة اولا نحو 951 ق.م. وهذه نواة الأسرة الخامسة والعشرين التي حكمت مصر حسب تقسيم مانتيون للأسر التي تعاقبت على حكم مصر. لكن اسلاف هذه الأسرة كانوا يقيمون أيضاً في نبتة والفترة النبتية، بادئة بالقرن الثامن قبل الميلاد ومنتهية نحو القرن الرابع قبل الميلاد، بحكم إنتقال الجَبَّانة الملكية إلى مروي نحو 308 ق.م، حيث بدأت الفترة المروية بعدها، والتي إستمرت حتى القرن الرابع الميلادي. وبذا تكون الفترتان مجتمعتين قد دامتا نحو ألف سنة أو يزيد دون انقطاع واضح، كما يعتقد أن الأسر التي حكمت وسط السودان من نبتة ومروي كانت متصلة إلى درجة كبيرة عرقاً، بمعنى انحدار الأسرة اللاحقة عن سابقتها. أو سياسياً بمعنى اتصال الحكم بين الأسرة والتي قبلها. وقد بدأ النبتيون في القرن الثامن قبل الميلاد نفوذهم السياسي على مصر وحكموا البلدين من مصر نفسها. أول من عرف من ملوك نبتة الذين اخضعوا مصر هو كوشتو_وتعاقب بعده الملوك بيي (بعانخي) ثم شباكو وشبتكو وتهارقو اخيرا تانوتاماني. الذي انتهت في زمنة السيطرة على مصر.
الذي يدرس الآثار النبتية والمروية من مدافن ملكية ومعابدويتابع التاريخ السياسي والثقافي في الفترتين ‘ويتامل أسماء الاعلام فيهما يلمس استمرارية حضارية سياسية وفي حالات كثيرة عرقية. وبحكم الاتصال السياسي والثقافي بين السودان ومصر أن الحضارة السودانية لم تخل من عناصر مصرية وهذه العناصر من وجهه النظر النبتية والمروية جزءاً من تراثهم وحضارتهم ورثوه منذ الأزل. والأولى والاوجب علينا أن ننظرالي هذه الاشياءمن وجهه النظر النبتية والمروية و ان نري فيها ما كانوا يرونة (عبدالقادر: 1986، 19-20-21).
المحور الثاني لمحة تاريخية عن البجا:
وردفي نصوص المملكة المصرية القديمة أن قبيلة ميجا من القبائل الجنوبية التي اخضعها المصريون ولعل هؤلاء هم الذين ورد ذكرهم في نقش اكسومي يرجع للقرن الرابع الميلادي بإسم (بوجاتياي Bugaitae)، (مصطفى: 1959، 4). كما وصف اراكوسينس (Eratothesnes) بلاد البليمين والمقباري، حيث قال إنهم يسكنون المنطقة الواقعة بين النيل والبحر الأحمر وعلى طول النيل في اتجاه البحر الاحمر جنوب مصر وشمال مروي. وأردف بأنهم يخضعون لحكم المرويين. كما أن هنالك العديد من البرديات المصرية المؤرخة للفترة البطلمية أوضحت استقرار مجموعات من البليمين في المدن المصرية مثل الفنتين وادفو والجبلين. وهنالك أيضاً نقش كلابشة الذي نقشة الملك سيلكو اول ملوك النوباطين المسيحين والذي يرجح تاريخة إلى منتصف القرن السادس الميلادي. كذلك لعب البليميون دورا هاماً في منطقتي شمال السودان وجنوب مصر بعد منتصف القرن الثالث الميلادي حيث ورد ذكرهم في مصادر رومانية لاتينية عن اشتراكهم في الثورة المصرية ضد الحكم الروماني في الإسكندرية (Magie:1967). ويُذكر أن البليميين، احتلوا مدينتي قفط وبطلمية في جنوب مصر في عهد الإمبراطور بروبوس (276-282)، متحالفين مع المتمرد نارميس، إلا أن السلطة الرومانية هزمتهم وحررت المدينتين.
ورد في نقش الملكة حتشبسوت اسم قبيلتي نمي وارم ضمن القبائل في بلاد بونت ويرى اوكونور (Ocoonor) بأن نمي كتابة خاطئة لاسم امو، وهي المكان الذي جلب منه المصريين الذهب، ودلل بحجج قوية بأن قبيلة ارم كانت تسكن إلى الشرق من النيل تقريباً عند ملتقى نهر عطبرة والنيل. وفي عهد المملكة المصرية الحديثة كان الذهب يستخلص من تلال الشرق عن طريق وادي العلاقي الذي يتجه إلى الجنوب الشرقي بعيداً إلى المنطقة الجبلية بمحاذاة البحر الأحمر (Ocoonor:1967, 117).
أورد كيروان بأنهم ابان القرن الثاني الميلادي والفترات اللاحقة كانوا يجوبون كل من النوبة السفلي ومصرالعليا. وفي مناسبتين يبدوا انهم شاركوا في عصيان مصري ضد السلطة المصرية ويتجلى في كثيرمن المصادر أن بليمي الماضي يتأتى التعرف عليهم في قبائل البجا الحالية (Kirwan:1966, 76).
الخلفية والتسلسل التاريخي للبجا:
عرف المصريون البجا منذ عهد الأسرة السادسة في المملكة المصرية القديمة، والاسم الذي ذكره ملوك مصر هو ميجاو. كما عرفوا أيضاً في فترة الفراعنة. وفرعون لقب يطلق على ملوك المملكة المصرية الحديثة. ويرجح أن الملك (سنفرو) هو أول ملك يغزو البجا، وايضاً عرفهم الرومان ابان احتلالهم لمصر في بداية عهدهم. وبعد القرن الأول الميلادي، بدأت قبائل البجا تهاجم الحدود المصرية. ونتيجة لهذه الهجمات وقع الرومان معاهدة عدم اعتداء مع البجا عام 250م، بين الإمبراطور ديسياس وملك البجا تيرمن الذي أوفد بازمون ببري ليوقع الاتفاق (ضرار: بدون تاريخ، 10) وتعتقد سامية بشير أن فترة المجموعه المجهولة مابعد مروي هي فترة هيمنة البليمين والنوباديين على أرض شمال السودان وتقف مواقع بلانا وقسطل شواهد على ذلك.
منذ فجر تاريخ السودان الشرقي، كان البجا يجوبون الصحراء الشرقية نحو البحر الأحمر، حيث يقول الحاكم بأن الحقيقة التاريخية البسيطة بأن البجا وجدوا في الصحراء الشرقية منذ العصور القديمة وهذا الرأي يلغي الادعاء بأنهم من أصول عربية (الحاكم: 1990، 66). وعن البجا وتاريخهم القديم ذكرهم الرحالة العرب؛ ذكراً لا حصراً، نجد ذكرهم في كتابات الحموي 1955م ص 339، القلقشندي في صبح الاعشي في صناعة الإنشاء الجزء الخامس، نصار 1955 م ص 45، والدمشقي والمقريزي وابن الوردي…الخ. وأيضاً لم تغفلهم كتابات الآثار يين والمحدثيين، أمثال كتابات(Arkell:1954, 33-62)، وطرح شايلص (Zyharz 1958) وزيبليوس (ziblius,1972).
ورؤية فاتوفتش fatovichi في عام 1981 بدأ مشروع استكشافي مصحوب بعمليات تنقيب في شرق السودان من قبل البعثة المشتركة لجامعتي الخرطوم وجامعة مثدوست وبعثة المعهد الجامعي للدراسات الشرقية لجامعة نابولي في المنطقة حول مدينة كسلا النتائج المبدئية لأعمال البعثتين أوضحت بجلاء وجود تواتر ثقافي يغطي مجمل الفترة من الألفية العاشرة قبل الميلاد وحتى القرن الثامن الميلادي. ليس فقط في جوانب الثقافه المادية ولكن أيضا الخيارات الاقتصادية وخصائص الإقامة والديموغرافيا. حيث تدل المسلات الرسمية التي تم الكشف عن في محل تجلينيوس على أن بعض قطاعات السكان تمتعوا بإمتيازات فيما يتعلق بالموارد الاستراتيجية مما ساعد على بروز قيادة قوية وتثبيت دعائم سلطات إدارية فاعلة ارتبط بتوسيع شبكة التبادل مع مصر والنوبة وجنوب شبة الجزيرة العربية وإثيوبيا (Fatovichi:1989, 23).
كان نفوذ البليميين محسوساً لأبعد جزء شمالي في كوش ومصر العليا حيث تجادل سامية بشير مستخدمة سجلات تاريخية ‘بأن هناك مجموعتان للبيليمين إحداهما بدوية والثانية حضرية. وتعتقد أن الحضر منهم يحتمل أن يكونوا جنرالات النهر المذكورين في النقوش المروية الديموطيقية (DafaAllah:1987, 38). كذلك تقترح مساواة البليمين الذين حاربوا النوباتيين بامرة الجنرالات المرويين وتعتبر انهم يمثلون فرعا من البليمين تركوا حياة البداوة واستقروا في قرى النيل في منطقة النوبة السفلي منذ بدايات استيطانهم بعد عملية الصلح المروي/الروماني سنة 22 ق.م (سامية: 2005، 325).
يشير اوبدجراف Updegraff إلى أن هناك العديد من المرجعيات عن البليمين في النصوص الديموطيقية، منذ القرن السادس قبل الميلاد، ويعتقد باحتمال ورود ذكرهم في قائمة أسماء: “آمن-م-آبت” (Imn-M-ipt). هنالك العديد من المراجع والمصادر التي تحدثت عن تاريخ البجا القديم ووجودهم القديم الأزلي، لهذا كان هذا الطرح ليعترض عما تم ذكرة في كتاب تاريخ الصف السادس الدرس الثاني الفقرة الأولى.
المراجع العربية:
- إبن الوردي. 1823م. كتاب خريدة العجائب ‘نشر هيلندر، طبع في لندن.
- الحاكم أحمد محمد علي. 1990. هوية السودان الثقافية منظور تاريخي. دارجامعه الخرطوم للنشر.
- الحموي ياقوت. 1955. معجم البلدان، المجلد الأول، دار بيروت للطباعة والنشر.
- الدمشقي: 1966. نخبة الدهر في عجائب البروالبحر، بيروت.
- القلقشندي.بدون تاريخ. صبح الأعشي في صناعة الإنشاء، وزارة الثقافةوالارشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة، المجلد الخامس.
- دفع الله، سامية بشير. 1999. تاريخ حضارات السودان القديمة منذ أقدم العصور وحتى قيام مملكة نبتة، دار هائل للطباعة والنشر، الخرطوم.
- تاريخ مملكة كوش نبتة ومروي. 2005. دار هائل للطباعة والنشر، الخرطوم.
- ضرار، محمد سليمان صالح. بدون تاريخ. أمير الشرق (عثمان دقنه)، الطبعه الأولى مطابع مدكور، الشركه المصرية للطباعة، الدار السودانية.
- عبدالله، عبدالقادر محمود. 1986. اللغة المروية الجزء الأول، مركز البحوث كلية الآداب، جامعة الملك سعود، الرياض.
- مصطفي، محمد سعد. 1959. البجا في العصور الوسطى، المجلد 21، العدد الثاني، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، مطبعة جامعة القاهرة.
References
- Arkell A. J.1954. for Occupation sites at Agordat Kush. 2 pp33-62.
- DafaAlla S. B. 1987. The History of the Blemmyes in late Meroitic and Early x Group period. Beitrag aZur Sudan for schung pp1-44.
- Eide,Hagg R. H. Pierce, Torok L.1998. Fonte Historiae Nubiorum 3 vols. Bergen.
- Fattovich R.1989. The Stelae of Kassala a New Type of Funerary Monuments in the Eastern Sudan ANM 3 pp55-69.
- Gasmelseed A. A. 1982. Impotance Archeologigue et Historigue du Cimetiers Elkuru Sorbonne University. Paris, pp28-29.
- Kirwan P. l. 1966. Prelude of Nubian christianity Melanges oferts a. K. Michahowski Warszaswa.
- Magie D.1967. Scriptores historiae Augustae. London.
- Cooonor.1984. kerma and Eygpt:the Significana of the Monument Al buillings Kerma 11 and x1 JARCE 21, pp. 65-108.
- Updergraff ‘R. T. T. 1988.The Blemmyes Rise of the Blemmye and Roman with Drawal from Nubia Unde Diodetion Inriseand Declin of the Roman World Berlin. Water de Gruyter.
- Zibelius K. 1972. Afrikanish arts Undvolkerna men in hieroglyphischen and hieratischen Texten Nr.. 1 Wisebaden.
- 1958. Countries of the Ethiopin Empire of kash (kush) and Eygptian old Ethiopia in the New Kingdom. Kush 6, pp.7-39.
[*] مركز دراسات ثقافه البجا.